الجامعة العربية والقضية الفلسطينية: خطابات لم ترق إلى مستوى الأفعال
بعد قرار فلســطين أخيراً التخلــي عن حقها في رئاســة مجلس الجامعة العربية للــدورة الحالية، ردا علــى التطبيع مع إســرائيل، بــرزت إلى الأمام أسئلة ملحة حول دور الجامعة العربية وخطاباتها الدوريــة الروتينيــة بشــأن القضيــة الفلســطينية وخاصة القدس، والتي لم ترق إلى أفعال ملموسة تلجم تغول المحتل الإسرائيلي.
قبل النكسة
عقــدت الجامعــة العربية قبل نكســة حزيرانيونيــو وبالتحديــد خــال الفتــرة )1966- )1964 ثــاث قمم عربية، عقدت القمــة العربية الأولى في القاهرة في يناير /كانون الثاني 1964 والثانية في الإســكندرية في ســبتمبر /أيلول من العام نفسه، أمــا القمــة الثالثــة فقد عقدت فــي الــدار البيضاء فــي ســبتمبر/أيلول 1966 علــى مســتوى مجلس الجامعــة العربية، وجاء ذلــك الاجتماع في أعقاب الاحتفالات الكبرى التي أقامتها إسرائيل بمناسبة افتتاح الكنيســت فــي القدس، وحضــر الاحتفال آلاف المدعوين من وزراء وبرلمانيين، يمثلون واحدة وأربعــن دولة من مختلــف أنحاء العالــم، جاؤوا ليســمعوا وزراء إســرائيل وهم يجددون العهد أن مدينة القدس هي عاصمة إسرائيل الخالدة، وقال أحمــد الشــقيري رئيس اللجنــة التنفيذيــة لمنظمة التحريــر الفلســطينية آنــذاك «أن موضوع القدس حاز على اهتمام المجتمعين العرب في عام 1966 إذ أعطوه عنواناً منيراً وهو )محاولة إسرائيل تهويد مدينة القدس .»)
وقــد اشــترك جميــع وزراء الخارجيــة العــرب المجتمعــن آنــذاك، في صياغــة قرار عــن القدس، فأعلنوا فــي قرارهــم: إن الأمة العربيــة إذ ترفض التســليم بالأمــر الواقع المتمثل في قيام إســرائيل بفلســطين المحتلة، نؤكد أن مدينة القدس الجديدة المحتلة عــام 1948 جزء لا يتجزأ مــن بيت المقدس، وأن الوجود الإســرائيلي في القــدس المحتلة يمثل تحدياً جدياً للحق العربي في فلسطين.»
وعارض احمد الشقيري الرئيس الأسبق لمنظمة التحريــر الفلســطينية القــرار المذكــور آنــذاك لأنه مجــرد قرار إنشــائي جميــل، مثل باقــي القرارات الصادرة عن الجامعة العربية.
وبعد احتلال الضفة والقطاع في حزيران 1967
وخضوع الجزء الشرقي من المدينة المقدسة والذي يحتوي الأماكن المقدســة الإســامية والمســيحية تحت ســيطرة السلطات الإســرائيلية بدأ الخطاب السياســي للجامعــة العربية، يؤكــد على ضرورة إزالــة آثار التوســع والعدوان بما فــي ذلك القدس الشــرقية، وبدأ بذلك عهد جديد مــن الصراع على المدينــة المقدســة بين العــرب وســلطات الاحتلال الإسرائيلي.
خطابات بائسة
رغــم تضمــن القــرارات الصادرة عــن الجامعة العربيــة ) 1967- 1973 ( بنود هامة حول القدس، إلا أن هناك تراجعاً واضحاً عن شعار التحرير إلى شعار إزالة آثار العدوان.
ويذكــر الشــقيري معلقــاً، ومقيمــاً اجتماعات القمة في الفترة المذكورة:
«لا أعلــم أننــا اســتطعنا مــرة واحــدة، أن نعقد جلســة واحــدة فــي موعدهــا وتمضــي الســاعة والســاعتان، ونحن بانتظار هذا السفير الذي كان مشــغولاً بمكالمة هاتفية مع عاصمــة بلاده، وذاك الســفير لأن إعداد الحقيبة الدبلوماســية استنفد
وقتــه، وذلك الســفير لأن عجلة الســيارة فرقعت، وتفرقعــت معها الاجتماعات، وكــم مرة تمنيت أن يكون تقرير الأمين العام للجامعة العربية متضمناً اقتراحــات معينــة، أو دراســات معــدة، كما يفعل الأمين العــام للأمم المتحــدة، ولكن شــيئا من ذلك لم يقــع، والــدول العربيــة لا تعطي لأمينهــا العام في القاهرة مــا تعطيه لأمينها العام في نيويورك.» وتميزت الفترة التي تلت عام 1973 ببرود سياسي عربــي ســواء فــي الجامعــة العربيــة أو كل دولة عربية على حــدة، وتمّ التأكيد في الخطاب العربي الرســمي على إمكانية تحقيق الســام، في مقابل انســحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عــام 1967 بما فيهــا الجزء الشــرقي مــن المدينة، وبطــان كافة الإجــراءات الإســرائيلية في الجزء المذكور، وتكررت البنود الخاصة في القدس خلال مؤتمــرات القمم العربية خلال الفتــرة بين الأعوام ( 2020- 1973 ( فــي إطــار البيانــات الختاميــة، وأصبحت بمثابة جزء من خطاب روتيني من دون جــدوى، ومن دون دعم مــادي ومعنوي يرقى إلى حجم التحديات التي يواجهها المقدسيون لمواجهة هجمــة التهويــد المنظمــة التــي تجتــاح المدينة من جهاتها الأربع، حيث لا يمر يوم دون إعلان حكومة
نتنياهو عن نشــاط اســتيطاني في مدينة القدس. الأمر الذي يتطلب من القمة العربية في الأردن تبني مشــاريع وسياســات من شــأنها تثبيت وصمود المقدسيين للحفاظ على ما تبقى من أراضي القدس وعقاراتها ومحالها التجارية.
وهنا يبــرز مشــروع الدرهم والدينــار العربي، مــن خلال صندوق عربي جامع حكومي وشــعبي للحفــاظ علــى الأراضــي الفلســطينية بمــا فيهــا القــدس، بكونــه مقدمة لعــدة مشــاريع عربية من شــأنها تمكين العرب المقدســيين مــن الصمود في مواجهة عاصفة التهويد التي تجتاح مدينتهم على كافة المستويات.
وبعــد رفــض الجامعــة العربيــة إصــدار أي بيــان إدانــة لعملية التطبيــع بين كل مــن الإمارات والبحريــن ودولة الاحتلال الإســرائيلية، يجب ان تكــون الخطوة اللاحقة لفلســطين الانســحاب من أطــر الجامعــة العربية وليــس مجــرد التخلي عن رئاسة مجلس الجامعة للدورة الحالية، فخطابات الجامعــة العربية لم ترق أصــاً إلى أفعال حقيقية لنصرة الحق الفلسطيني.