قل للديكتاتور: نريد أن نكون مثل السويد وليس سوريا
برر الغرب اســتعمار دول العالم، ولاســيما فــي القارتــن الافريقيــة والآسيوية، ومنها دول العالم العربي، بأطروحة إدماجها بالحضارة والتقدم والرفع من مســتوى عيش شــعوبها. وهــذه الأطروحــة ما زالــت حاضرة لدى الطبقــة الحاكمة، التي جاءت بعد الاســتعمار، ولكن في ثــوب مختلف، بحجة عدم الانتقــال إلى الديمقراطية، نظــرا لتخلف هذه الشعوب.
ولم يكن الاستعمار عملية عسكرية محضة، بل كان عملية شــاملة، حيث لجأت القوى الكبرى إلى البحث عن مبررات ثقافية باســم الحضارة، للدفاع عن استعمار الآخر، وكانت البوابة الأولى هي الاستشراق، ويمكن تلخيص جزء مهم من تصوره في «إلحاق الشــعوب المتخلفة» بالركب الحضاري الغربــي ». وانخــرط مثقفون كبــار في تبرير الاســتعمار، ونســتحضر اسم الكاتب الفرنسي الشــهير فيكتور هوغو، الذي اعتبر الاستعمار عملية حضارية وإنسانية ضرورية، على الرغم مــن ما يرافقها من عنف وحــروب وقتال. ورأت الدول الغربية التي نجحت في تحقيق قفزة نوعية في شتى المجالات، بعد النهضــة الأوروبية، أن باقي الشــعوب غير مؤهلة للتقدم لوحدهــا، بل قد يتطلب الأمر مئات الســنين لتحقق فقط قفزات صغيرة، وبالتالي وباســم الإنســانية، يجب مســاعدتها لتصبح شــعوبا مؤهلة للتقدم، وكان هذا مجالا لفرض الاســتعمار. وما زال المدافعون عن الاستعمار مثل بعض السياســيين والمثقفين في فرنسا مثلا، يتبجحون بالفوائد الإيجابية للاستعمار في تأهيل دول كانت متخلفة.
وجاءت مرحلة الاســتقلال، وحصلت معظم الشــعوب على استقلالها عن الآخر، أي المستعمر الذي كان في معظمه أوروبيا وأساســا فرنســا وبريطانيا، إبــان الأربعينيات والخمســينيات، مع بعض الاســتثناءات في حالة الجزائر أوائل الســتينيات، ثــم بعــض دول الخليج حتــى بداية السبعينيات. ويفترض منطقيا أن الحصول على الاستقلال، هو الانخــراط فــي الركب الحضــاري، ولاســيما الغربي بتعدديته الحزبية، وحرية التعبير والشــفافية وانتخابات ديمقراطية وربط المسؤولية بالمحاسبة. كما يفترض إشراك جميــع الأطيــاف السياســية والإثنية في النهضــة للرقي والســمو وتعزيز مفهوم الوطــن. لكن الشــعوب العربية ســتتفاجأ بخطاب جديد ومختلف من طرف الحكام، الذين عوضوا الاستعمار الذي رحل، ومفاد هذا الخطاب عدم أهلية الشعوب لممارســة الديمقراطية، وتقرير مصيرها، وبالتالي ضرورة الوصاية عليها، على شاكلة الأطفال القصر. ونتيجة هذا التصور، ظهــر الحزب الحاكم الوحيــد، وظهرت طبقة سياســية حاكمة، ســواء في جلباب الملكية، أو الجمهورية، لتستحوذ على مقاليد الحكم باسم شرعيات أقامتها وأرستها على مقاســها الدقيق، مســتبعدة الآخرين بشتى الوسائل. ولم تختلف هذه الأنظمة كثيرا عن الاســتعمار، فقد شــنت اعتقــالات وعمليات قتــل في صفوف المعارضــن، وأحيانا بشكل وحشي، مثلما حدث في دول مثل سوريا ومصر وليبيا والجزائر والمغرب، تفوقت أحيانا على وحشية المستعمر في العنف والتقتيل والتهجير.
وعلى مستوى آخر، استقدم الاستعمار طبقة المستوطنين من الغــرب، ومنحهــم امتيــازات اقتصاديــة، جمعت بين الاستغلال وتطوير المناطق التي تواجدوا فيها، عبر تحديث عملية الإنتاج أساسا، وقامت الأنظمة التي خلفت الاستعمار بتقليده بإنشــاء طبقة من الموالين لها، وتمارس هذه الطبقة الاحتكار في أقســى تجلياته متفوقة على الاستعمار في هذا الشأن. وعمليا، في كل بلد، خاصة العالم العربي من المحيط الى الخليج، توجد شــخصيات تســجد «للفساد المقدس» بســبب الاحتكار والنهــب والاختلاس. وكانــت الجماهير العربية التي انتفضت إبــان الربيع العربي، قد رفعت ضمن الشعارات الى جانب الحرية والديمقراطية شعارات وصور شخصيات معينة تمتلك مفاتيح «مغارة علي بابا.»
وإذا كان الاســتعمار قد همش المقاومــن، وحاول منعهم من العمل والاســتثمار، سعيا لضرب شــوكتهم، فقد أبدعت الأنظمة بعد الاســتقلال في هذا المجال، وعملت على حرمان أفراد المعارضة من العيش الكريم، لســد أبــواب الرزق في وجوههم، بهــدف إذلالهــم وإرغامهم، بدل الاســتمرار في النضال، على التفكير في ســبل العيــش أولا. وعلى الرغم من مرور ما بين ســبعة وســتة عقود على اســتقلال معظم الدول العربية، ورغــم الانتفاضات الكبرى التي شــهدتها الدول العربيــة، تســتمر الأنظمة الحاكمة علــى نهج هذه الاســتراتيجية في أجندة الحاكمين، وهذا يعني أنه ما زالت تعتقد في عدم أهلية الشعوب العربية للتمتع بالديمقراطية وحرية التعبير والعيش الكريم. وإبان الربيع العربي وتحت الضغط، أظهرت هذه الأنظمة ليونة في قبول الشروط الدنيا من الديمقراطية، ولعل العنوان الذي يجســد هذا التحول، تلك الجملة الشــهيرة التي صدرت عن الرئيس التونســي زيــن العابدين بن علي، وهو يحاول التشــبث بالســلطة، قال للشــعب «لقد فهمتكــم». وما أن خفــت الربيع العربي، وفشــلت بعض الدول، مثل حالة ليبيا، حتى غير الحاكمون من خطابهم وبدأوا رفقة حاشيتهم من سياسيين وإعلاميين يردون، على كل مطالب بالحرية والديمقراطية «هل تريدون أن تصبحوا ليبيا وســوريا» في إشــارة الــى غياب الأمن والاســتقرار والحــروب الأهلية. وأصبحــت الأخبار حول الوضع المأساوي في ليبيا وسوريا واليمن، هي التي تتصدر نشــرات الأخبار والبرامج الحوارية والنقاشات في قنوات التلفزيون التابعة للأنظمــة الديكتاتورية لتخويف الناس وجعل المطالبين بالحرية مثل المنبوذين في وسطهم.
لكن ينســى هــؤلاء الديكتاتوريون أن سياســة النهب والتنكيل هي التي تجعل الشعوب تنفجر، وتفضل في بعض الأوقات الحرب بدل العيش في ظل الخنوع والذل. ولا نكون من دعاة الحــرب والانتفاضات، بل فقط نقــول للديكتاتور العربــي «عندما نثــور وننتفض لا نرغب فــي التحول الى سوريا بل نرغب أن نصبح مثل السويد.»
أبدعت الأنظمة العربية بعد الاستقلال في حرمان أفراد المعارضة من العيش الكريم، لسد أبواب الرزق في وجوههم