Al-Quds Al-Arabi

«حزب الله» واحتقار «البيئة الحاضنة»

- إيلي عبدو* * كاتب سوري

اســتعيدت مفــردة «البيئــة الحاضنة» ضمن دعايــة «حزب الله» عقب الانفجار الــذي وقع، في إحدى قرى الجنوب، وبقيت أســبابه غامضة، أو رهينــة رواية يســتحيل التدقيق في مضامينها. والاســتعا­دة، حملت غرضــاً واضحاً تمثل في تأكيد التماهي بين «المقاومة» وجمهورها، بحيث يتطابقان، في تلقيهما لأي حدث، ولا يشعر طرف بأن الآخر بات عبئا ومشكلة، ولا بد من الانفصال عنه.

والتطابــق والتماهــي، يحيــان إلى اجتمــاع، يضم عائلات، فيها مقاتلون أو مناصرون لـ»المقاومة» ويستفيد أفرادها من شبكة خدمات تمولها الأخيرة. ما يجعل التمييز بين التلميذ والمقاتل و»الشــهيد» ورجــل الأعمال والمزارع وربة الأســرة، أمراً صعبــاً، ذلك أن، في عــرف «المقاومة» البشر موحدون، وهم أقرب للوظائف منهم لحيوات تسعى لتنويع خيارات العيش وطرائقها.

فعبر التعبئة الأيديولوج­ية الدينية، والمزايا الاقتصادية، يجــري تجريــد الحوامــل الاجتماعيـ­ـة لـ»المقاومة» من حيويتها وتفاعلها، وتحويلها إلى جمهور مســتنفر، وجب عليه أن يستعد في أي لحظة، لانفجار أو حرب، أو عمليات خاطفــة. وخطاب، توظيف البشــر فــي الأيديولوج­يات، وتحويلهم لـ»بيئة حاضنة» يعود مردودها على مشــاريع الحــزب، المجيــرة بالضــرورة لإيــران، يتغير مــع تغير الظروف، فمع انخفاض توتر الجبهة مع إسرائيل تدريجياً، وضبطها ضمن موازين قوى دقيقة، تواطأ عليها الطرفان، بحيث بقي أي تصعيد تحت سقف محدد، تنوع العدو الذي وجب اســتنفار المجتمع ضده، بداية مــن «أعداء الداخل» وصولاً إلى «الجهاديين» مروراً بمعارضة تريد أن تســقط نظاما حليفا. والخطاب الــذي يتغذى على وقائع مجتزأة، ليعبئ الجمهــور، لا يتعدى الدعايــة، لتبرير العمل ضمن الأجندة الإيرانية، بحيث تبقى «البيئة الحاضنة» جاهزة، كوقود، في حروب ومعارك تتجاوز لبنان.

لكــن مع الانفجــار الأخير فــي القريــة الجنوبية قبل أيام، تبين أن خطــاب التبرير، بكل تحولاتــه، قد تصدّع، فالانفجار حصل بين منازل المؤيديــن للحزب، من دون أن يكون الأخيــر في حالة حرب أو اســتنفار، ضد عدو اعتاد ترويجه لجمهوره، مــا خلا بعض المنازعــا­ت الحكومية، التــي لا ترقى كتبريــر للحدث. انفجار لأجــل الانفجار، لا غاية له، ســوى الضرر في «البيئة الحاضنة» التي وجدت

نفسها، هذه المرة، عارية من المبررات، ومعرضة لسيناريو انفجار مرفأ بيروت، ليس بســبب الإهمال البيروقراط­ي، بل بســبب كونها «بيئة حاضنة» فقط. الوقائع هذه المرة، أصلب وأقوى من خطابات التبرير، المواطن الجنوبي الذي كان مقتنعاً بحملة «حزب اللــه» التخوينية ضد البطريرك الماروني بشــارة الراعي، بعد تحذيره من مخازن ســاح منتشــرة بين المدنيين، وجد نفســه بين ركام منزله، عقب الانفجار الأخير. والحال، فإن الانفجار المنفصل عن مبرره، يرتب «بيئة حاضنة» شــعرت بتضرر مصالحها، من دون أن يكــون لذلك أي معادل أيديولوجــ­ي يرتبط بعدو، على ما كان يحصل في الســابق. و»المقاومة» لم تكتفِ، بفرض مناخ من الخوف لمنع ظهور أي إشارات حول هذا الشعور، بل أعادت تســويق مفردة «البيئــة الحاضنة» متجاهلة ما طرأ على الأخيرة بفعل الانفجار المجاني. اســتعادة المفردة بمفعول رجعي، يكشــف أن الحزب يحتقر ســكان المناطق التي يســيطر عليها، مرتين، واحدة، عندما يؤدلجهم دينياً وسياســياً، ويبتزهم بشــبكة منافع اقتصاديــة، ليكونوا «شــهداء» في مشاريعه، وأخرى حين يظن أنهم لا يتأثرون بسقوط مبرراته الســابقة، ويمكن استخدامهم، بالترغيب والترهيــب، كمفردة في حملة دعائيــة، تغطي على حقيقة انفجار أضر بهم.

الخطاب الذي يتغذى على وقائع مجتزأة، ليعبئ الجمهور، لا يتعدى الدعاية، لتبرير العمل ضمن الأجندة الإيرانية

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom