شروط نجاح المصالحة الفلسطينية
الاتفــاق الــذي تم التوصل إليه بين حركتي فتح وحماس في تركيا، يُشــكل خطوة بالغــة الأهمية في طريق إنجاز المصالحة الفلســطينية، وهذه المصالحة هــي أهم تحرك مــن أجل إفشــال المشــروع الأمريكي الإســرائيلي، المتمثل في «صفقة القــرن» والرد الأهم على السباق العربي نحو التحالف مع إسرائيل، الذي يُشــكل طعنة للفلســطينيين في الظهــر، وخيانة غير مسبوقة لقضيتهم.
المصالحــة الحالية تبدو الأكثر جديــة مقارنة بكافة المحاولات السابقة، منذ بدأ الانقسام الداخلي البائس عــام 2007، كمــا أن عوامــل النجاح تبــدو متوافرة، مــع إدراك الأطراف الفلســطينية كافة بــأن الظروف الدولية المحيطة، لا تســير في صالحهــم، حيث أصبح كل الفلسطينيين على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم، مهددين بمشاريع أمريكية إسرائيلية عربية مشبوهة، تريد ســحقهم جميعاً وبشــكل كامل، ولا تُحابي طرفاً على طرف.
أهم ما يميز اتفاق المصالحــة، الذي تم التوصل إليه في إســطنبول، هو أنه تم عبر لقــاءات انعقدت داخل مبنى القنصلية الفلســطينية، ومن دون أي وساطات من أحــد، ما يعني أنه تم التوصل إليه بدافع الشــعور الجمعي لدى كل الفلسطينيين، بأن الكل مستهدف وأن مشاريع التصفية المشبوهة، لا تفرق بين فتح وحماس، وأن المواجهــة المقبلة، تُحتم وحــدة الصف الداخلي، والتعالي على الخلافات البينية الداخلية، التي لا تعني شــيئاً أمام التهديدات الكبيرة التي ظهرت في الأعوام الأخيرة.
تأتي هذه المصالحــة في وقت أصبــح فيه الرئيس محمــود عباس يعيش فــي حصار شــبيه بذلك الذي عاشه الرئيس الشهيد ياسر عرفات، عندما حوصر في المقاطعة في رام الله لثلاث سنوات، قبل تسميمه وقتله عقاباً له على رفض ما عُرض عليــه في «كامب ديفيد» عام 2000، واليوم يتكرر السيناريو مع محمود عباس، بســبب رفضه «صفقــة القرن» وظهر ذلــك في أوضح صورة عندما زلّ لسان الســفير الأمريكي في تل أبيب واعترف بوجود مشــروع أمريكي اســرائيلي عربي، لتعيين محمد دحلان بديلاً لعباس.
واقع الحال هو أنَّ كل الشعب الفلسطيني مستهدف اليوم، ولا يوجد ما يُميز فتح عن حماس، ما دام كلاهما يرفضان «صفقة القــرن» ويرفضــان التزحزح في ما يتعلق بالقدس، وهذه مواجهة لا يمكن للفلســطينيين خوضها ما دام الانقسام قائماً، وأغلبُ الظن أن أطراف الانقســام الفلســطيني أدركوا ذلك جميعاً، وشعروا بأنهم تلقوا طعنة في الظهر من الدول العربية، التي إما ذهبت للتطبيع مع الاحتلال، أو أنها صمتت في اجتماع الجامعة العربية، وفشــلت في إدانة ذلك التطبيع، أو تقديم أي دعم للفلسطينيين.
هذه المصالحة خطــوة ضرورية وبالغــة الأهمية، وهي محاولــة لتصحيح الخلــل الــذي انزلق نحوه الفلسطينيون طيلة السنوات الـ13 الماضية، لكن نجاح هذه المصالحة أو إنجاحها يتطلب جملة شروط لا بد من الانتباه لها:
أولاً: يتوجب الترفع عــن أي تدخل عربي أو أجنبي في الشــأن الداخلي الفلســطيني، والاستمرار في حل الأزمة الفلســطينية داخلياً، فقد ســبق أن توســطت دول عربية وفشــلت، ونعلم ويعلــم الجميع أن بعض الدول كانت تخــوض حروبها الباردة على الســاحة الفلسطينية، وهذا ما جعل البوصلة تحيد عن مسارها الصحيح في الماضي.
ثانيــاً: على الفصائــل الفلســطينية أن تضع خطة الطريــق اللازمة لاجــراء انتخابات فلســطينية، بما فيهــا انتخابات المجلــس الوطني الفلســطيني، الذي يُمثل الفلسطينيين في الداخل والخارج ويُعتبر الجهة التمثيلية العليا للفلســطينيين فــي كل أنحاء العالم،
والخطوة التالية لتلك الانتخابات، هي تفعيل المجلس وإعادة إحياء دوره وضمان إشــراك أوســع شريحة ممكنة من الفلسطينيين فيه.
ثالثاً: تشــكيل «القيادة الموحدة للمقاومة الشعبية» مؤخراً يشــكل حدثاً بالغ الأهمية، لكــن ينبغي البناء عليه، وإشــراك كل الفصائل فيــه، ويتوجب منح هذه القيــادة الصلاحيات اللازمــة كافة، لإدارة الشــارع الفلســطيني، ويجب أن تتخذ الســلطة الفلسطينية قراراً واضحاً وصريحاً، بأنها لــن تكون معرقلاً لعمل هذه القيادة، ولــن تقف ضد المقاومة الشــعبية، فهي سلطة أنشئت لخدمة الفلسطينيين لا لحماية الاحتلال.
رابعاً: يجــب البحث فوراً في فكــرة إعادة تعريف الســلطة الفلســطينية وتغيير وظيفتها، وهي الفكرة التي طرحها مؤخراً خالد مشــعل، وناقشــها الدكتور مصطفــى البرغوثي، ويبــدو أن لها صــدى جيدا في الشارع الفلسطيني والأوســاط السياسية، حيث من الممكن أن تكون هذه الفكرة مقدمة لعملية إصلاح شاملة تعيد تشكيل المشــهد الفلسطيني وتجعل الفلسطينيين أكثر قــدرة على مواجهة العدوان الاســرائيلي الهادئ الذي يتعرضون له بدعم أمريكي وعربي.
هــذه عوامل يتوجب علــى القيادات الفلســطينية دراســتها والتفكير فيها ملياً، لضمان أن تنجح جهود المصالحــة الداخلية، فهذه هي فرصتنــا الأخيرة التي يجب عدم تضييعها وبعدها فإن الشــعب الفلسطيني لن يُسامحكم ولن يرحمكم.
المصالحة خطوة ضرورية وبالغة الأهمية، وهي محاولة لتصحيح الخلل الذي انزلق نحوه الفلسطينيون طيلة السنوات الـ13 الماضية