Al-Quds Al-Arabi

إحذروا التنافس الروبوت في خطر

- ٭ كاتبة مصرية

اكتشــف الإنســان خطرا وشــيكا يهدد البشرية عند تطوير الروبوت ليحاكي الإنســان. ففي تجارب مبدئية لمجموعــة مــن العمليات، يجــري من خلال اســتخدام الروبوت فقط ليكون المتحكم في سيرها، ما حتم اتصال أجهزة الروبوت ببعضها بعضا لتبادل النتائج وتحســن الأداء. النتيجة كانت مذهلة، فقد وجد أن الروبوت بعد الاتصال بأقرانه، الذين صمموا جميعا ليتمتعوا بذكاء خــارق، أن إمعان الأجهزة في الاتصال ببعضها بعضا، جعلها تطور لغة خاصة بها، لا يفهمها البشــر، لكنها تسهل وبشكل أكبر مساعدتها في إتمام عملياتها بســهولة ويســر، يفوقان النتائج المتوقعة، في حال ما اســتخدمت اللغــة التي صممها البشــر لهم. ما يعنــي أن أجهزة الروبــوت في نهاية المطاف كانت تسعى لاستحداث وعي خاص بها، وعي ينافس وعي البشــر؛ لما يتمتع بــه الروبوت من ذكاء وقدرات تتنافس وذكاء وقدرات البشر.

وبدلا من أن يهلل العلماء لذاك الاكتشــاف المذهل، كالعادة، فاقمــت النتيجة معدلات الاســتياء العام، وكانت بمثابة ناقوس خطر للقائمين على إدارة شؤون الآلة والبشــر. فمــع تزايد الاعتماد علــى الروبوت، ســوف يتعاظم قــدر وكــم المشــكلات والتحديات التي تجابهها الســلطات، فبدلا من تحجيم الإنســان والســيطرة عليه بعد زيادة الاعتماد على الروبوت، لتوكيد أن كفاءة الآلة تفوق كفاءة البشر، ما يجعلها أكثر نفعا، زاد حجم الأعباء عند إدراك الســلطات أن المشكلات التي يجابهونها في طريقها للتضاعف. ومن أكثر المشكلات ضجراَ هو إدراك أن فرض السيطرة لن يشمل فقط الإنسان، لكن الروبوت أيضا. ولهذا، كان لا بد من إيجاد وســيلة لضمان السيطرة على كل من البشــر والآلة، مع وجود ســيطرة ناعمة تامة أيضا، تُفرض بــدون أدنــى مقاومة، أو حتى ظهــور بوادر عصيــان، وقد عكــف أطباء علم النفــس والأعصاب على إيجاد وســيلة للســيطرة على العقل البشري، بدون فرض قيود ملموســة، وفي الوقت نفسه تحفيز الدماغ لتصل وظائفه لأقصى وأفضل حد ممكن. ومن الجدير بالذكر، أن المشروع اللاأخلاقي إم كيه أولترا MKUltra الذي أميــط اللثام عن خبايــاه، وأعلنت أهدافه للعامة عام 1995، تكشــف أنه يهدف إلى سبر أغوار العقل البشــري، باستخدام كل الوسائل، حتى إن كانت غير مشــروعة، من أجل التحكم في الدماغ. ووجدت سلطات التحقيق بعد تدمير أغلب مستندات المشروع على يد مدير المخابرات المركزية الأمريكية، أن المســتندا­ت القليلة المتبقية تشــير إلى إجراء تجارب غريبة، ومنها مــا تم تجريبه على كلب )من لحم ودم( من أجل الســيطرة علــى دماغه. ونجحــت التجربة لدرجة أن الكلــب صار لا يتحرك بالريموت كونترول. فالعقل البشــري وزيادة قدراته هو الهدف الرئيسي لمشــروع إم كيه أولتــرا، ويلازم ذلك إيجاد وســيلة تضمن ألا يخرج فيها الإنســان عن الســيطرة التامة للمجموعــة التي بيدها زمام أمــور العالم. والتجربة السابقة التي كانت تتخذ من الكلب وسيلة للتجريب، كانت مجرد خطوة نحو تجريب المثل على الإنســان، وبذلك يتم تخليق إنســان جديــد يتمتع بخصائص الروبوت، وفي الوقت نفســه، يتمتع بقدرات بشرية فائقة، مكنته في السابق من اختراع الآلة.

أثــارت تجربة الكلــب، الذي يتحــرك بالريموت كونترول اســتياء من علم بها. ومع ضياع مستندات مشــروع إم كيه أولترا عمدا، ضاعت معها المستندات الدالــة علــى مــكان الفــروع البحثية للمشــروع، والأبحاث الجديــدة، ومصادر التمويــل، وصار من الصعب تقفي إلــى أي حد وصلت هذه المشــروعا­ت النفســية العصبية، وإن تناثرت عليهــا الأقوال بين الفنية والأخرى، إلــى أن فوجئ العالم في عام 1999، أي بعد أربع ســنوات فقط من كشــف خبايا مشروع إم كيه أولتــرا، أن ميجيل نيكوليليس، وهو أســتاذ علم الأعصاب في جامعــة ديوك في الولايات المتحدة الأمريكيــ­ة، يعلن أنه اكتشــف وســيلة تجعل العقل البشــري قادرا على التحكم في ما حوله من أشــياء عن طريق التخاطر ـ بمعنى آخر التفكير في الشــيء، فعند التفكيــر في فتح الكمبيوتر ـ على ســبيل المثال ـ يتم فتحه. وكان مشــروع ميجيل يقــوم على زرع خلايا عصبية إلكترونية في العقل البشــري، لتكون نموذجا مصغرا للعقل البشري، وأطلق على مشروعه هذا اســم «واجهة الدماغ» التي كان يســعى بها إلى مساعدة من تعرض لتلف في دماغه من جراء حادث، أو الإصابــة بالزهايمر، أو الصرع، أو الشــلل، إلى ما شابه ذلك. وباســتخدا­م الخلايا الإلكتروني­ة، سوف يتم استحداث بشــر خارق للعادة، بإمكانهم اقتحام أعتى النظــم، وإنجاز مهمات معقــدة بمجرد التفكير فيها. وكان الخوف الأعظم لميجيل نيكوليليس أن يتم اســتغلال ذلك المشــروع في أغراض غير مدنية، أو لا تهدف لمساعدة المرضى.

وفي يــوم الجمعة الموافق 2 أغســطس/آب 2020، فاجأ رجل الأعمال الأمريكي الشــهير إيلون ماســك، صاحب شركة نيورالينك Neuralink للتكنولوجي­ات العصبيــة، وهــي إحــدى الشــركات التكنولوجي­ة العديدة التي يمتلكها إيلون ماســك، العالم بأســره باســتحداث «شــريحة دماغية» ‪Brain Chip‬ ، يمكن زرعهــا في الدماغ البشــري بســهولة، وفــي زمن لا يتخطى نحو الربع ساعة. وشريحة إيلون ماسك تقوم فكرتها على تتبع أفكار الفرد ذاته ورصدها، وبالتالي رصد احتياجاته وتنفيذها عن طريق التخاطر، وعلى الملأ، استعرض ماســك في فيلم قصير نتائج مشروع شريحة الدماغ من خلال استعراض وضعها في ثلاثة خنازير؛ أحدهما وضعت فيها شــريحة دماغ وتدعى «جرترود» والثانية لم يوضع بها أي شــيء، والثالثة قيل إنه تمت زراعة الشريحة ونزعها منها؛ لإثبات أن نزع الشريحة لا يؤثر بالسلب على الفرد. والشريحة ما هي إلا تقنية متطورة لجهــاز واجهة الدماغ، الذي اخترعه ميجيــل، وبدلا من وضع جهــاز كبير داخل الدماغ لفترات متقطعة، يتم زرع الشــريحة لأجل غير معلــوم. وعملية الزراعة ســهلة، وســريعة تضاهي أي عمليــة تصحيــح إبصار بالليزر. وقُطر شــريحة الدماغ لا يتعدى الاثنين ســنتيمتر، وســمكها ثمانية ملليمترات. وعن طريق التخاطر، تتعامل الشــريحة مع أحــدث الأجهــزة التقنية، وتخزن كمــا هائلا من المعلومات، يتم اســتدعاؤه­ا في ثوان معدودة. ومن ثم، يصير الإنســان ذا قدرات خارقة، لكونه هجينا ما بين البشر والروبوت. فشــريحة الدماغ هي الوسيلة الجديدة لدمج الإنســان بالآلة حتى يحافظ الإنسان على تفوقه المعهود.

وعلــى هذا فمــن المتوقع أن الروبــوت بعد تفوقه على العنصر البشــري لعقود عديدة، سوف يتوارى دوره مــرة أخرى في وجود إنســان خارق قادر على تنفيذ عمليــات كثيرة ومعقدة، لا يســتطيع إنجازها روبوت واحد. وفــي ظل كل هذا التقــدم الهائل، هل يمكن للإنســان أن ينجــو أخيرا من جميــع المخاطر التي تهــدده، مثل الأمــراض النفســية والعصبية، والشــلل، وحتــى انخفاض مســتوى الذكــــــ­اء؟ بالفعل، الشــريحة قادرة على أخذ الإنسان لشاطئ النجاة، بانتشــاله من كل هذه الأخطار، لكن في حال انقطاع الإنترنت، أو إصابة الشــريحة بفيروس، أو اختراق الشــريحة بـ«التهكير» لسوف تنبلج جميع المســاوئ. ولســوف يصير الإنســان ليس صاحب القرار، ولكن سيصبح مغلوبا على أمره يفعل ما يؤمر به، تماما مثل ما حدث للخنزيرة جرترود، التي كانوا يأمرونها بالقفز. فالإنسان الخارق الذي سوف تخلِّقه الشــريحة ما هو إلا مخلوق ناقص، كما كان الروبوت الذي لا يســتطيع إثبات كونه آلة أو إنســانا، ولكنه اختراع بين بين.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom