Al-Quds Al-Arabi

مع دوام السيطرة الإسرائيلي­ة: هل بقي الفلسطينيو­ن عالقين مع أحلام الانتفاضة الثانية؟

- يوآف ليمور

■ مهمــا بدا هــذا غريباً، فقــد كبت المجتمع الإســرائي­لي الانتفاضــ­ة الثانية. وعلــى الرغم من ثمنهــا الباهظ، فليس لها يوم ذكــرى أو موقع تخليد خاص بها، وهــي بالكاد تذكر – في الخطاب الإسرائيلي. خمس ســت سنوات من الإرهاب الدمــوي، التي خلفــت ندوباً عميقة في المجتمع الإســرائي­لي وصممت علاقاته مع الفلســطين­يين لأجيال إلى الأمام، اختفت وكأنها لم تكن.

أســباب ذلك نفســية في معظمها، على أي حال، ومع ذلك يجدر الانشــغال بــدروس الأحــداث التي بــدأت اليوم قبل عشرين ســنة، في أعقاب حجيج أرئيل شــارون إلى الحرم. الموعد نفســه كان مصادفاً: أراد عرفات معركــة دانية، ولولا زيارة شارون لوجد ذريعة أخرى يتعلق بها.

بحث عرفات في حينــه عن حرب تحرير، فقد رد العروض )الســخية( التي تلقاها في كامب ديفيد، وتطلع لشعبه دولة تقام بالدم والنار. فقد آمن بأن بضعة أيام أو أسابيع من القتال – –

مع إصابات إلى جانبها ســتؤدي بإسرائيل إلى مزيد من التنازلات. غير أن عرفات لم يأخذ بالحسبان موضوعاً حرجاً واحداً: قبل بضعة أشــهر من ذلك، انســحبت إســرائيل من جنوب لبنان. واعتبر هذا الانسحاب في العالم العربي كهرب فزع. وشــبه حســن نصر الله المجتمع الإســرائي­لي بـ «بيت العنكبوت»، واســتغل اندلاع العنف فــي المناطق لاختطاف ثلاثة جنود في «هار دوف».

لم تستطع إسرائيل )ولم ترغب( في الاستسلام مرة أخرى ونفست غيظها على الفلسطينيي­ن. وانتهى كل حدث بانتصار مطلق للجيش الإســرائي­لي. وبدلاً من تغيير الاتجاه، تمترس عرفات في الزاوية. رفض كل محاولات إعادة تحريك المسيرة الســلمية، ورفع مســتوى العنف. بداية، في عمليات إطلاق النار )وإعطــاء إذن لرجال التنظيم للمشــاركة فيها(، وبعد ذلك لكبار المخربين من حماس والجهاد الإسلامي من السجون الفلسطينية. وشــعر الناس على الفور بإغراق الميدان برجال إرهاب قدامــى ومجربــن بالارتفاع في عــدد العمليات )ولا ســيما العمليات الانتحارية( وفي عدد المصابــن. فقد إيهود باراك رئاســة الحكومة لأرئيل شــارون، الذي قرر بسياسة شــجاعة ومتوازنة مراكمة الائتمان الداخلي والدولي قبل أن أعطى لإسرائيل الإذن للخروج في حملة شاملة لسحق البنى التحتية للإرهاب في الضفة.

النقطتــان الأساســيت­ان في هذه المســيرة كانتــا عملية الدولفينار­يــوم فــي حزيــران ‪(21 2001‬ قتيــاً( التي فقدت إدارة بوش في أعقابها ثقتهــا بعرفات، وقطعت العلاقة معه، وعملية ليل الفصح في فندق بارك في نتانيا في آذار ‪30( 2002‬ قتيلاً( التي خرجت إسرائيل في أعقابها لحملة السور الواقي. وفي الوســط، وقعت عمليات 11 أيلول في الولايات المتحدة، وأصبح الإرهاب أداة غير شــرعية في نظر العالم. بدلاً من أن يفهموا هذا، تمترس الفلسطينيو­ن في مواقعهم أكثر فأكثر؛ أما الثمن فيدفعونه حتى اليوم.

لقد أعادت ســيطرة قوات الأمن على مناطق «أ» في يهودا والســامرة حرية العمل من جديد في عمــوم المناطق، ولكنها أعادت لإسرائيل الثقة بالنفس. ومنذئذ وهي لا تعتمد إلا على نفسها؛ وهذا يبرز بشكل خاص بالمقارنة مع ما يجري في قطاع غزة، حيث يقيد الجيش الإســرائي­لي نشاطه جداً، وبالتأكيد منذ فك الارتباط الذي كان أيضاً نتيجة متأخرة لموجة الإرهاب التي بدأت في أيلول 2000.

اختارت إســرائيل في حينه )ومنذئــذ( ألا تلغي اتفاقات أوسلو. وفضلاً عن ذلك، ورغم القطيعة السياسية مع السلطة الفلسطينية، تعاونت أجهزة الأمن من الطرفين في الـ 15 سنة الأخيرة، بل وفي أحيان قريبة بشــكل حميــم، وأنقذت حياة كثير من الناس، في الطرفين، أمام تحديات مهمة مثل انتفاضة الأفراد والســكاكي­ن. أبو مازن، مع أنه تبين كشــريك سياسي، يقود الطريق المعاكس لطريق سلفه، بمقاومة غير العنيفة ضد الاحتلال الإسرائيلي.

ليس واضحــاً كم من الوقــت يمكن لإســرائيل أن تتمتع بهذا الهدوء في يهودا والســامرة )وفي غزة أيضاً(. المشــكلة الفلســطين­ية وجدت كي تبقى. لقد تقدمت إســرائيل جداً منذ العــام 2000، ولكن الفلســطين­يين بقوا عالقــن في الخلف. خســروا منذئذ في كل جانب، سياســياً وأمنيــاً واقتصادياً واجتماعياً. إذا لم يحصلوا على أفق، في وقت ما، فمن شأنهم أن يستيقظوا ويبحثوا عن مخرج في طريق العنف مرة أخرى.

وعليه، فخيراً تفعل إسرائيل إذا ما طبقت الدرس الأساس للانتفاضة الثانية: المبادرة، والسيطرة على الأحداث، وعدم الانجرار إليها، وتحديد هدف والتطلع إليه. لقد أثبت المجتمع الإســرائي­لي في حينه بأنه مستعد لدفع الثمن كي يسمح لهذا بالحدوث. وســيفعل الأمر ذاته لو طالب بذلك في المســتقبل – أيضاً، وللحقيقة في الحاضر أيضاً إذا ما وضعت له القيادة طريقاً واضحاً للتصدي للمعركة الحالية ضد كورونا.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom