Al-Quds Al-Arabi

درس الكويت وأميرها الراحل

-

ســيثير رحيل الشــيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمس، الكثير من الشــجون العربية والخليجيــ­ة، فالحاكم الخامــس لدولة الكويت منذ اســتقلاله­ا عن بريطانيا، والمولود عــام 1929، يمكن اعتباره عميدا بالســنّ للحكام العرب والخليجيين، كما أنه من جيل يمكن اســتدعاء شــخصيات مميزة فيه، كالملك فيصــل بن عبد العزيز، والشــيخ زايد بن ســلطان آل نهيان، وهو جيل عُرف بسياســات خارجية «معتدلة» لكنّها كانت داعما كبيرا للفلســطين­يين وللأردن ومصر وسوريا خلال الصراع مع إسرائيل، ورغم التفاوت في المنجزات السياسية الداخلية لكنّ الأكيد أن شــعوب الخليــج كانت في أوضــاع اقتصادية جعلتها مركز جاذبية كبيرا لكثير من العرب.

غير أن للكويت، وأميرها الراحل، مزايا أخرى، تجعلها، في الواقع، مثالا عربيا فريــدا، فالإمارة الصغيرة كانت مختلفة تماما عن محيطها الخليجي والعربــي، وكانت تتمتع بتجربــة ديمقراطية تاريخية بدأت منذ عام 1921، وتطورت مع إعلان الدســتور عــام 1963 وقيام مجلس الأمــة، كمــا حكوماتهــا التزمت، إلى حــد كبير، بدســتورها الذي أكد علــى حرية الرأي والتعبير، بحيث كانت صحافتها تضاهي الصحافة اللبنانية في حريتها.

تعرّضت الكويت لهــزّة وجودية كبرى بعد الهجــوم الذي أدى إلى اســتيلاء الجيش العراقي في آب/أغسطس 1990 على كامل الأراضي الكويتية وإعلانــه ضمها للعراق، ومما أدى لما يســمى بحرب الخليج الثانيــة )أو «عمليــة درع الصحراء») عام 1991، وهو زلزال عســكريّ وسياسيّ ترك آثاره الهائلة على الإمارة الصغيرة وعلى العالم العربي )وعلى الفلسطينيي­ن الذين اضطر مئات الآلاف منهم لمغادرة الكويت(.

ورغــم أن الكويت لم تشــف من آثــار تلك الصدمة الكبيــرة، إضافة إلى تعرّضها لاحقا لأشــكال عديــدة من ضغوط جيرانهــا الكبار، من إيران والســعودي­ة، إلى «المتنمر» الجديد في المنطقة: الإمارات، فإنها، وخلال فترة حكم أميرها الراحل، استطاعت التوازن مجددا، وعملت، بقــدر طاقتها، على تفكيك المعادلات الحرجة عبر الموازنة بين الضغوط الاقتصاديـ­ـة المتزايــد­ة بســبب تراجــع أســعار النفــط، والضغــوط السياســية الدوليــة، كـ»صفقــة القــرن»، والضغوط التي مارســتها

أمريــكا لخرط الكويت فيها، وكذلك الضغــوط الخليجية، وخصوصا مــن دول الحصار التي تســببت بأزمة كبرى، وأثــارت الضغائن ضد الكويت بســبب موقفها العامل على تغليب السياسة على منطق الغلبة والتوحش والاستتباع.

سيذكر للشيخ صباح الأحمد الجابر، رحمة الله عليه، مناقب كبيرة، – – ســواء ما تعلّق منها بالصمود أمام الهجوم الأمريكي الإسرائيلي الإماراتي لإدخــال الكويت في ربقة التطبيع، أو في الدفاع بشــكل فذ ومميــز عن الفلســطين­يين، فــي المؤسســات الدولية، كمجلــس الأمن والجمعيــة العامــة للأمم المتحدة، كمــا في مجلس التعــاون الخليجي و »الجامعة العربية .»

سيذكر له أيضا عدم الانضمام إلى نادي الطغاة العرب، والحفاظ، إلــى حــد معقول، علــى الحيــاة السياســية فــي الكويت، رغــم مرور الكويت بأزمات سياســية داخلية، بحيث مــا زال الكويتيون يتمتعون بانتخابات دورية وبرلمان فيه تمثيل نسبي، كما يتمتعون بالقدرة على التعبير عن آرائهم.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom