Al-Quds Al-Arabi

الإعلام والحقيقة هل هناك وسيلة إعلامية يمكن أن تعتبر ذات مصداقية تامة، ليس في الدول العربية فحسب، بل في العالم أجمع؟

- رياض معسعس ٭

هل يقدم الإعلام الحقيقة كاملة لأي حدث يقع في هذا العالم؟ أو بمفهوم آخر هل هناك وسيلة إعلامية يمكن أن تعتبر ذات مصداقية تامة؟ ليس في الدول العربية فحسب، بل في العالم أجمع.

القناعات السياسية

في واقع الأمر أي وســيلة إعلامية هــي أداة طيعة في يد مالكها خاصــة كانــت، أم عامة. وهــي تتبع أهدافــه، وتطلعاتــه، ونظرته للأمور، وقناعاته السياســية ومعتقداتــ­ه. وعليه فإن الحقيقة ربما تأخــذ أكثر من شــكل، وأكثر من حجــم، بالانتقال من وســيلة إلى أخرى في وصف حدث ما. فانقلاب عسكري مثلا في دولة ما، كما حصــل مؤخرا في مالي، يراه المنقلبون ثورة ضد النظام «الفاســد» وتقدمه وســائل الإعلام التي ســيطروا عليها في الدولة أنه كذلك، في حين أن وســائل الإعلام في فرنســا التي لها مصالح في مالي، وقــوات عســكرية هنــاك تعتبــره ضد الشــرعية، وكذلــك الاتحاد الافريقي. وإذا ســقط نيزك على قرية وأهلكها ربما قدمته وســيلة إعلامية دينية بأنه غضب من الســماء، بينما تقدمه أخرى بمفهومه العلمي والفلكي.

والمصداقيـ­ـة فــي واقــع الأمــر، لا يمكن أن تكــون تامــة، بل هي نســبية من وســيلة إلى أخرى، وهي مرتبطة ارتباطا وثيقا بالنظام السياســي فــي دولة ما، وبمــدى حريــة الصحافة والإعــام التي

يعتمدها.

وهذا لا يســتثني بالطبع الــدول التي تعتمد أنظمــة ديمقراطية، فحرية الصحافة فيها نسبية أيضا.

فــإذا أخذنا التصنيــف العالمي لحرية الصحافة، حســب منظمة «مراســلون بلا حــدود» لعام 2020 نجــد أن الدول الاســكندن­افية تحتل المراكز الأربعة الأولى )النرويج، فنلندا، الدنمارك، السويد(. وأن دولا ديمقراطيــ­ة كفرنســا وبريطانيــ­ا تحتــان المرتبتــن )34 و35(. بينمــا دولة صغيرة مثــل جامايكا تحتل المرتبة السادســة، وهي في طليعة الدول، كالدول الاسكندناف­ية.

أمــا الولايات المتحدة فتحتل المرتبة )45( وروســيا تحتل المرتبة (149(. وإذا أخذنــا الدول العربية نجــد أن الكويت تتصدر القائمة العربية بمرتبة )109( وســوريا في أسفل القائمة بمرتبة )174( ولا ينافسها على المراكز الأخيرة ســوى كوريا الشمالية )180( ودول مشابهة.

فــي علوم الإعلام هنــاك بعض الشــروط اللازمــة للوصول إلى الحقيقــة، وهــي أولا شــرط الوصــول للمعلومــة، أي أن يســمح للصحافــي أن يصل للمعلومة، التي يبحــث عنها من دون عائق من أحد، والســلطة تضمن ذلك )وهذا غير متوفــر إلا في عدد قليل من الــدول الديمقراطي­ة( فالوصول إلى المعلومة في معظم الدول أمامه حواجز كثيرة، فليس من الممكــن أن يعرف اليوم، كم عدد المعتقلين في ســوريا مثــا، فالنظام لن يســمح بزيــارة المعتقــات، وإعطاء الإحصائيات الصحيحة.

هل يمكــن لأي وســيلة إعلامية اليــوم، أن تصل إلــى المعلومات الصحيحة حول مصير جثة جمال خاشقجي؟

هل من الممكن أن تصل وسيلة إعلامية أمريكية تعطينا حقيقة في أي بحر تم إغراق جثة بن لادن؟ أو أين دفن معمر القذافي؟

هل هناك وســيلة إعلاميــة واحدة تعطينا فعليا حقيقة تشــكيل «داعــش» وكيــف وصلــت لتحتل مســاحات واســعة مــن العراق وســوريا وتحتــل مدينة مثل الموصــل؟ هناك معلومــات لا تعد ولا تحصى تهم الجميع، ولكن لا أحد يعرف عنها شــيئا. على أي حال حســب التصنيــف العالمي هنــاك فقط 8 فــي المئة فقط مــن الدول التــي تحظــى بمصداقية عاليــة، و13 في المئــة من الــدول لا تمتلك أي مصداقية ومنها ســوريا بالطبــع، و35 في المئــة أوضاعها غير مرضيــة.. هناك معلومات كثيرة تبقى حبيســة الســرية لســنوات طوال، تحتفظ بها مخابرات الــدول لربع قرن أو أكثر، لتفرج عنها، ففي كل فترة نسمع أن مخابرات الدولة الفلانية أفرجت عن وثائق تتعلــق بهذا الحدث أو ذاك، بعد أن مضى عليه ربع قرن وربما أكثر. فإســرائيل مثلا أفرجت عن هوية قتلة )أبــو جهاد في تونس( عبر تســريبه للصحافة بعــد ثلاثة عقود مــن العملية، ولكــن هل هناك

أي معلومــات يمكــن أن تقدم بتواطؤ النظام التونســي في عهدزين العابدين بن علي؟

اتفاقية سايكس بيكو

الخارجية البريطانية مثلا لم تعترف برســائل الشــريف حسين مكماهــون التــي تم تبادلها بــن عامــي )1914ـ 1916( والتي كانت أصل الخديعة الكبرى التي وقع فيهــا العرب بعد وعد البريطانيي­ن بإنشاء مملكة عربية بقيادة الشريف حسين، إذ تحالف مع الحلفاء ضد السلطنة العثمانية، ومنها جاءت اتفاقية سايكس بيكو، ووعد بلفــور التي نعانــي منهما حتى اليــوم، إلا في عــام 1932 وبطريقة ملتوية.

وهنــاك عدد كبير جدا من الوثائق لا يفرج عنها أبدا إلا بعد قرون ربمــا، فمثــا من يؤكــد اليــوم إذا كان نابليــون مات مســموما من قبــل البريطانيـ­ـن؟ أم أن موته كان طبيعيا، ومــن يمكن أن يؤكد أن مذكراتــه لم تعدل بعد موته، خاصة في ما يتعلق ببعض الشــكوك بأنه مات مســلما، بعــد أن أبدى إعجابه بالإســام بعد حملته على مصر ومعاشرته للمسلمين؟

وهل ســنعرف فعليا إذا كانت المخابرات البريطانية والفرنسية وراء مقتل الأميرة ديانا ودودي الفايد كما يشك البعض؟ وللحديث بقية..

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom