Al-Quds Al-Arabi

لماذا تسارع تركيا للنفي بشكل مطلق مشاركتها المباشرة في القتال إلى جانب أذربيجان؟

- إسطنبول «القدسالعرب­ي» من إسماعيل جمال:

تواصل تركيا منذ يومين إصدار سلسلة بيانات ومواقف متلاحقة للنفي بشــكل مطلق الاتهامات الأرمنية حول مشاركتها بشكل مباشر إلى جانب أذربيجــان في المعارك المتصاعــد­ة في إقليم قره باغ، وتصف هذه الاتهامات بأنها «دعاية سوداء» في مشهد يعطي إشارات واضحة إلى مدى خشية تركيا من التبعــات الخطيرة التــي تترتب على إثبات هكذا اتهام.

وتشــير هذه التطورات إلــى أن أنقرة، ورغم تأكيدهــا وقوفهــا الكامل إلى جانــب أذربيجان واســتعداد­ها لتقديم «كافة أشــكال الدعم»، إلا أنها لا ترغب على الإطلاق في تقديم نفســها على أنها تشــارك بشــكل مباشــر بالقتال إلى جانب أذربيجان لمــا يحمله ذلك من تبعات ونتائج قد لا تكون في صالح أنقرة وباكو على حد سواء.

وحســب تقديــرات سياســية وعســكرية تركيــة، فإن أذربيجان باتــت تتمتع بفعل الدعم التركي غير المباشــر والدعم العســكري السابق والاستشــا­رات العســكرية على مدى السنوات الماضية بقــدرات تؤهلها للتفوق عســكرياً على أرمينيا في أي مواجهة عســكرية على ألا تتدخل أطراف أخــرى لتقــديم الدعم لأرمينيا بشــكل مباشر.

وتشــير التقديرات في تركيا إلــى أن أرمينيا ومن خلال إصراها وعملها الدؤوب لإثبات وجود تدخل عسكري تركي مباشر في المعارك تهدف من وراء ذلــك إلى الضغط علــى حلفائها لجرهم من أجل تقديم الدعم العسكري المباشر لها، وهو أمر لا ترغب أنقرة في حصوله على الإطلاق لأنه يحمل في طياته خطر دخول روسيا كطرف مباشر وهو ما لن يكون فــي صالح أذربيجــان وتركيا على الإطلاق لأنه سيؤدي إلى ترجيح موازين القوى لصالح أرمينيا ويجلب خطر المواجهة العسكرية المباشرة مع روسيا أو دول إقليمية أخرى.

وتخشــى تركيا أن تلجأ روســيا وإيران إلى تقديم دعم عسكري أوسع أو التدخل المباشر إلى جانب أرمينيــا، حيث ترى أن هناك مواقف أولية لا تؤشــر لوجود هكذا تدخــل وبالتالي لا ترغب في تعزيز فرصــه، حيث ما زالت روســيا تدعو الجانبين للحــوار، كما نفت الرئاســة الإيرانية أن تكــون قد قدمت أســلحة ومعدات عســكرية لأرمينيــا، ولفتت إلــى أنها تولــي أهمية كبيرة لعلاقاتها مع باكو وهــو موقف تريد أنقرة البناء عليه لضمان إفشال جهود أرمينيا في جر داعميها للمعركة.

ومن جانب آخــر يتعلق بالقانــون الدولي، لا ترغب أنقرة فــي أن يتم اعتبارهــا دولة تنفذ عمليــات عســكرية ضــد دولة أخــرى وترجح مواصلة تقديم الدعم العسكري بشكل غير مباشر إلــى أذربيجان التي تتمتع بتفــوق قانوني على أرمينيا كونها تنفذ عمليات عسكرية في إقليم قره باغ المحتل مــن أراضيها وهو ما تدعمه الكثير من القرارات الأممية.

ومنذ بداية العمليات العســكرية بين البلدين يوم الســبت الماضــي، وجهت أرمينيــا اتهامات لتركيــا بأنهــا تقدم الدعم العســكري المباشــر لأذربيجــا­ن وأنهــا تشــارك مــن خــال قيادة العمليات وتزج بطائراتها الحربية والمسيرة في العمليات بشكل مباشر، وهو ما نفته أنقرة تباعاً.

وفــي أحــدث اتهــام، أعلنــت وزارة الدفاع الأرمنية، الأربعاء، أن حكومة أذربيجان ســلمت تركيا قيادة عملياتهــا الجوية في إقليم قره باغ، وجاء فــي بيان للــوزارة: «مقاتلتــان من طراز «إف-16» تنفــذان تحليقاتهما انطلاقاً من مدينة كردامير، وطائــرات هجومية من طراز «ســو- 25» أذرية، وطائرات مســيرة تركيــة من طراز «بيرقدار» نفذت منذ الساعة العاشرة من صباح اليوم سلســلة غارات على قرى وبلدات في قره باغ»، وتابع: «تلك الطائــرات تتلقى الأوامر من مركز قيادي يعمل عن بعد»، مشيرة إلى أن «المركز في منطقــة أرضروم-قارص شــرق تركيا، ومن المرجح أن قيــادة العمليات تدار من متن طائرة»، وقال أيضاً: «تحليقات وغارات الطائرات المسيرة التركية فــي المنطقة تدار بواســطة مركز قيادي متواجد قرب حدود مقاطعة هــادروت قرب قره باغ».

والأربعاء أيضاً، نفــت وزارة الدفاع التركية ما قالت إنها «مزاعم تقدمت بها حسابات رسمية أرمينية، حول اســتخدام طائرات مســلحة من دون طيار ومقاتلات تركيــة ضدها في إقليم قره بــاغ بأذربيجان»، ووصفت الــوزارة، في بيان، تلك المزاعــم بـ»الدعاية الســوداء» التي تهدف أرمينيا من خلالها إلى زيادة الدعم المقدم لها، عبر خلق تصور بأن تركيا تواجهها، وأكدت أن «هذه المزاعم كاذبة ولا تستند إلى أي دليل».

وقال وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، خلال مشاركته في اجتماع محرري وكالة «الأناضول» التركيــة: «قلنا إذا أرادت أذربيجان حل مشــكلة الاحتــال الأرمينــي لأراضيها في الميدان، فإننا ســنقف بجانبها». وأشــار إلى أن تركيا مســتعدة لتلبية أي طلب قــادم من جانب أذربيجان، إلا أن الأخيرة تملك الإمكانات اللازمة لتحرير أراضيها في الوقــت الراهن. وأكد أن أن تركيا ترغب بالتعاون مع روســيا لحل مســألة إقليم قره بــاغ المحتل، مؤكداً أن الرئيس التركي، رجب طيب اردوغــان، اقترح ذلــك على نظيره الروســي فلاديمير بوتــن، وكذلــك أجرى هو مباحثات مع نظيره الروسي بهذا الخصوص، إلا

أن مشكلة قره باغ لم تحل على المستوى الثنائي ولا على مستوى متعدد الأطراف. وبيّن أن تركيا تقف إلى جانب أذربيجان، لحل المشكلة بالطرق الدبلوماسـ­ـية، «إلا أنها لم تُحل بهــذه الطريقة لغاية اليوم .»

إلى ذلك، نفــى أيضاً الرئيــس الأذربيجان­ي، إلهــام علييف، وجود دعم تركي مباشــر، عندما قــال الأربعاء: «نتلقى رســائل دعــم كثيرة من أشــقائنا الأتراك، حيث يؤكــدون أنهم يريدون القتــال بجانبنا في هــذه القضيــة العادلة، أنا أشــكرهم على هذه الأمر ولكننا لســنا في حاجة له لأن أذربيجان تمتلك جيشاً قوياً»، وذلك عقب يوم واحد من تأكيده أن تركيا «ليســت طرفاً في الصراع مع أرمينيا وإنما توفر الدعم المعنوي فقط لباكو .»

أمــا روســيا، فانتقــدت تعهد تركيــا بدعم أذربيجان، وسط الصراع بين الأخيرة وأرمينيا، حيث يقول الكرملين: «لا يجب سكب الوقود على النار». وتطالب روســيا، التي تبقي على علاقات عســكرية وثيقة مع أرمينيا، مــن بين ذلك وجود قاعدة عســكرية لها هناك، مــراراً بوقف فوري لإطلاق النار بعــد اندلاع الصراع قبل أربعة أيام. وأكد المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، مجدداً، موقفه أمس الأربعاء. وقال بيســكوف، في تصريحــات نقلتها وكالة )تاس( الروســية للأنباء: «ما زلنا ندعو جميــع الدول في المنطقة لممارســة ضبط النفس، وندعــو طرفي الصراع بشكل خاص لوقف فوري للأعمال العدائية.»

ومن جهة أخرى، ذكر رئيــس وزراء أرمينيا، نيكول باشــنيان، في تصريحــات نقلتها وكالة أنباء أرمينيــا «ارمينبرس» أن أرمينيا «لا تحتاج حتى الآن لاستخدام إمكانيات القاعدة الروسية، غير أنه حال الضرورة جميع الأســس القانونية متوافرة .»

وعبر الرئيس الفرنســي، إيمانويل ماكرون، عن «قلقه» أيضاً مما اعتبرها تصريحات «حربية» تطلقهــا تركيــا. وقال ماكــرون، خــال مؤتمر صحافي من العاصمة اللاتفية ريغا: «لقد لحظت التصريحات السياسية لتركيا، والتي أعتقد أنها غير مسؤولة وخطيرة». وأضاف: «تبقى فرنسا قلقة بشدة إزاء الرســائل الحربية التي أطلقتها تركيا خلال الســاعات الماضيــة، والتي ترفع في جوهرها أي قيــد أمام أذربيجــان فيما قد يؤول إلى استعادة السيطرة على شمال قره باغ وهذا ما لن نقبل به». وأشــار الرئيس الفرنســي إلى أنه في المرحلة الحالية من غير المسموح الحديث عن «إضفاء طابع إقليمي على الصراع». وأضاف أنه ينبغي «تحديــد عناصر الوقائــع... لفهم ما حصــل على وجــه الدقــة وعلى عاتــق من تقع المسؤوليات ». وأعلن: «أقول لأرمينيا والأرمينيي­ن إن فرنسا ستقوم بدورها.»

 ??  ?? مقطع مأخوذ من فيديو نشرته وزارة الدفاع الأذربيجان­ية لقاذفة تطلق الصواريخ خلال اشتباكات حول منطقة ناغورنو قره باخ
مقطع مأخوذ من فيديو نشرته وزارة الدفاع الأذربيجان­ية لقاذفة تطلق الصواريخ خلال اشتباكات حول منطقة ناغورنو قره باخ

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom