Al-Quds Al-Arabi

أصحاب الهمم يتواصلون بلغة جميلة وساستنا لا لغة تجمعهم!

- *

نعيش في كوكب بائس إلى حد أنه قد يتوقف عن الدوران في أية لحظة بفعل اليأس. موت إما «حريق أو غريق أو مشــردين على الطريــق» وظلم لا حدود له، وفقر مدقع، وانفجارات تغيّر خارطــة العواصم، وحكومات فاســدة، وأوهــام تباع لكل من يرغب بشرائها فقط لتخدير أيام موجعة لا تنتهي.

قررت هذا الأســبوع أن أمشــي عكس التيــار وأصطاد، ولو بأعجوبــة، من بحر الفضائيــا­ت، خبرين مفرحــن يعيدان لنا شيئاً من الأمل الضائع في الغابة الشاسعة التي نعيش فيها.

عمل شاق أن نجد نقطة ضوء في ظلمة حالكة! كحافر قبور ينكش بين الجثث عن نبضة قلب تائهة.

قصتنا الأولى نشــرتها «بي بي سي عربي» عن بطل عراقي يدعــى مصطفــى عزيز عمره خمســة وثلاثــون عامــاً متزوج ولــه ولد وبنــت. ولد مصطفــى كفيفاً لكنه أنــار عالمه بعزيمته واندفاعه وتحدى وضعه الصعب بمهارة وصلابة لا مثيل لها.

كان والده ميكانيكي ســيارات ماهرا يعشق عمله. وقد زرع ذلك الشغف في أعماق ابنه الكفيف ليضيء به أيامه.

قــال مصطفى في حديــث نقلته «بي بي ســي عربي»: «أبي علمني الصنعة وشجعني أكون ميكانيكي وأنا حبيت المهنة».

وعلى الرغم من صعوبة العمل الميكانيكيّ، الذي يتطلب دقة وتدقيقاً ويعتمد بشكل خاص على الرؤية لمعرفة مكان العطل، تمكن مصطفى من أن يبدع في هذا المجال معتمداً على حاســة السمع. يهز القطع بيديه ليحدد موقع الخلل. هكذا اســتطاع أن يصلح بمهارة عالية كل الســيارات، التي أوكلــت إليه من خــال الانصات إلى الأصــوات التي تصدرها فيميز مكان العطل ويعمل سريعاً على إصلاحه. ذاع صيته واشتهر في بلده العراق. ولكــن رغم ذلك جــاءت ردود فعــل النــاس مختلفة. بعض النــاس أعطوه ثقــة عالية ومنهم من تعجب واســتغرب وحين رأوا بأعينهم صدقوا ومنهم من لم يصدق لحد الآن أن الكفيف ميكانيكي ماهر.

نجاحه كميكانيكي ســيارات منحــه الثقة في النفس فبدأت تكبر أحلامه لتتخطى حدود المستحيل.

لقد حصل مؤخراً على دبلوم في الموســيقى. كما بدأ يعزف في فرقة موســيقية، وهو يعطي أيضاً حصصاً في الدراسات الإسلامية لأصحاب الهمم.

يقول: «كملت رســالتي رغم الصعوبات ورغم المساوئ اللي واجهتنــي في حياتــي قدرت أحصــل على الدبلــوم من معهد العلوم الجميلة وإن شاء الله الطموح أعلى وأكبر».

يطمح بطلنا أن يحسن حال ذوي الاحتياجات الخاصة في العراق ويود أن يشجعهم على الطموح والأحلام. فطموح مصطفى أكبر بكثير من طموح المبصرين. لذلــك يرغب بالارتقــا­ء بواقع الإعاقة في بلــده وتوفير دور أمان لذوي الاحتياجات الخاصة.

لغة الطبطبة والنقر بالأصابع

مصطفــى ليس البطــل العربــي الوحيد، الــذي يعمل بجهد وصمــت ويحاول التغلب على قدره. لقــد بثت قناة «الجزيرة» قصــة أخــرى مثيرة للعجــب والتقديــر. أخوان فلســطينيا­ن، واحد أصــم وأبكم والآخــر كفيف، تمكنا مــن إدارة مخبزهما بلغــة مشــتركة تعتمد علــى الطبطبــة بكفوف الأيــدي والنقر بالأصابــع للتواصل والتعاون فــي إدارة «مخابــز النور» في الضفة الغربية.

لقد أسســا مشــروعهما الخاص على الرغم مــن التحديات التي تواجههما يومياً. عملا بجهد كبير وبإيمان بنفسيهما وبطموحيهما الكبيرين. هكــذا تمكنا من التغلــب علــى كل العوائق التــي وقفت في دربهمــا. فنجــح مشــروعهما نجاحاً مبهــراً وأشــاد الزبائن بمهاراتهما الكبيرة.

يقــول أحدهما: «أنا وأخوي إلنا لغة خاصة. هو ما بيســمع ولا بيحكي وأنا ما بشــوف من هيك متفاهمين مع بعض. ربينا مع بعض .»

همــا أخوان من رحــم الأم نفســها وأخوان أيضــاً من رحم المعاناة، التي جعلت منهما بطلين هزما الإعاقة بكفاحهما.

الملفــت هــي تلــك اللغة الجميلــة المشــتركة التــي تجمعهما وتخولهما أن يعملا معاً بفرح ومحبة، رغم الحواجز الجسدية. ذلك الانسجام لا أعرف كيف ذكرني بضده! ففي لبنان كل السياســيي­ن يرون بوضوح ويسمعون جيداً ويتكلمون كثيراً، ولكن لا يتفاهمون ولا يفهمون. لا

لغــة وطنيــة مشــتركة تربطهــم ببعضهم البعــض أو حتى بشعبهم التعيس! كما تقول أغنية إيلي شويري: كلٌّ يغني على ليلاه.. وأنا على ليلي أغني غنيلك آه يا بلدنا آه.. ع اللي سرقوا قمرك مني! كاتبة لبنانيّة

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom