Al-Quds Al-Arabi

بعد كشف «نيويورك تايمز»: ترامب وقضية الضرائب... بين البيت الأبيض وزنزانة المعتقل

- حيمي شليف

عرضت صحيفة «نيويــورك تايمز» في نهاية الأســبوع أدلة مزعومة توضــح دونالد ترامب متهرباً من الضرائب، ورجل أعمال فاشــاً، حوّل رئاســته إلى ماكينة تســجيل الدفعات النقدية. ومع ذلك، ســيكون قريبــاً مدينــاً بنصف مليار دولار تقريبــاً، والله وحده يعرف لمن. الافتراض الأساســي لدى الجميع هو أن هذه الكشــوفات لن تضر بمكانته في الاســتطلا­عات أو احتمالات نجاحه في الانتخابات. إلى ما قبل بضع سنوات، بدا هذا كسيناريو خيالي عن فترة بائسة تحولت فيها أمريكا إلى سدوم وعمورا.

عشية المواجهة الرئاسية الأولى التي يحتمل أن تكون مصيرية والتي ستجرى ليلة الثلاثاء، لا أحد يختلف على أن ترامب متأخر بصورة كبيرة عن بايدن بكل المعايير المحتملة. النقاش هو: هل وصل إلى النــواة الصلبة التي لــن تتخلى عنه مهما حدث، أم أن له في أوســاط مصوتيه الأقل ثراء والذين يعملون بكد لكسب رزقهم ويدفعون الضرائب كما يقتضي القانون، عدداً غير قليل من الأشخاص الذين سئموا من الخداع، أو على الأقل سيشــعرون فجأة بأن ترامب يستغفلهم؟ كانوا يريدون دفع ضريبة دخل سنوية تبلغ 750 دولاراً مثلما دفعها رئيسهم في الأعوام ‪.2017 2016‬

يعيــش الأمريكيــ­ون منذ أربع ســنوات مع تسلسل غير منقطع من الكشــوفات عن ترامب، وكانت في معظــم الدول الغربيــة الديمقراطي­ة ستؤدي منذ زمن إلى استقالته أو إقالته. الفجوة الآخذة في الاتســاع في معايير السلطة هي أحد الأســباب التي أدت إلى الهبوط غير المســبوق في شــعبية الولايات المتحدة في الرأي العام في معظم دول العالم الحر. بالنســبة لنــا، هذا أقل إزعاجاً؛ لأن ترامب هو خالق إسرائيل ومخلصها، بالطبع، ولأن لدينــا رئيس حكومة تتهمه دولته بالرشــوة والاحتيال وخــرق الأمانة، وينتخب المرة تلو الأخرى، بــدون أغلبية في الحقيقة مثل ترامب وناخبيه، وقد يعاد انتخابه نظرياً.

يتبين من كشــف «نيويورك تايمز» أن ترامب دفــع ضريبة دخل فقط في 11 ســنة مــن الـ 18 ســنة التي حصلت الصحيفة فيها على تفاصيل لمدفوعاته؛ حيث تخسر معظم مصالحه التجارية التــي يتفاخــر بنجاحهــا، بما في ذلــك نوادي الغولف والاســتجم­ام، الملايين الكثيرة حســب تصريحاتــه التي قدمهــا، وأن معظم أرباحه في الســنوات الأخيرة التي بلغت 470 مليون دولار جاءت مــن البرنامــج الواقعــي «المتخصص» الذي قدمه، ومن بيــع تفويضات لأعمال تجارية لاســتخدام اســمه، ومن المصالح التجارية ومن الحكومات الأجنبية التي تضخ في أعماله الملايين منذ تم انتخابه.

تشــبثت وســائل الإعلام، كما هــو متوقع، بالحكايــا­ت المشــوقة المبالــغ فيهــا مثلمــا في المبالــغ الضخمة التي حولها ترامب كـ «رســوم استشــارية» لابنته افينكا، والتي سجلت بهذه الطريقة كخســائر قللت من ديونــه الضريبية، وبالطبع تحولت إلى المبالــغ العالية والضخمة، مــن الـــ 750 دولاراً التــي تتصدر منشــورات وإعلانات بايدن وحتى الـ 70 ألف دولار ســنوياً التــي دفعها ترامب لتصفيف شــعره. خبراء في الأمن القومي أشاروا إلى دينه الشخصي الضخم الــذي يحول ترامب إلى خطــر أمني محتمل، في حين يؤكد آخــرون أنه عندما يكــون هناك دين أكثر من 400 مليون دولار لدائنين مجهولين، فإن إمكانيــة وجود تضارب مصالح ســتكون أمراً لا حصر له.

وســواء أضر ما نشــر في «نيويورك تايمز» بدعــم ترامــب الانتخابــ­ي أم لا، فــإن خطــره الأساســي هو تعميق التورط المحتمل في قضايا جنائية. ومقابل التحقيق الذي تجريه ســلطات الضرائب بخصــوص مصداقية تقريره وأحقيته في اســترجاعا­ت ضريبية تبلغ عشــرات ملايين الــدولارا­ت التي حصــل عليها ترامــب، فإن ما نشــر يتهمه بالخداع من خلال تضخيم خسائره لغايات ضريبيــة وإخفائها عــن طريق طلباته للحصول على قــروض من البنوك. هذه القضايا

وغيرها توجد في بؤرة تحقيقين في النشــاطات واللذين تقوم بإجرائهما ضــد ترامب ومنظمته نائبــة المدعي العام فــي الولايــة الجنوبية في منهاتن والمدعية العامة في ولاية نيويورك.

يعتقد محللون كثيــرون أن التورط المحتمل في قضايا جنائية من جهــة، والإفلاس من جهة أخرى، يوفران تفســيراً جزئياً بأن ترامب على اســتعداد لتحطيم الأدوات والقواعد في الحملة الانتخابية الرئاسية وتهديداته المتكررة، وبأنه ســيرفض قبول نتائجها. يحاج ترامب إلى أربع ســنوات أخرى في البيــت الأبيض تــدر عليه الملايين الكثيرة لتساعده على استرجاع ديونه.

يســتطيع ترامب نظرياً أن يمنح نفسه عفواً رئاســياً عن المخالفــا­ت الضريبيــة الفيدرالية التي ارتكبها كمــا يبدو، لكن صلاحيته لا تتطرق إلى انتهاك قوانين ولاية نيويــورك التي يجري التحقيق فيها في الوقت نفســه. وإذا خســر في الانتخابات كما تتوقع الاســتطلا­عات الآن، فقد يجد الرئيس الأمريكي نفســه ينتقل مباشرة من البيت الأبيض إلى زنزانــة في نيويورك. يعرف المواطنون في إســرائيل جيداً أكثــر من غيرهم إلى أي مــدى يمكن للقائــد أن يذهــب هرباً من هول القانون، حتى على حســاب أزمة دستورية وانقسام في المجتمع وسحق الديمقراطي­ة.

يدعي ترامب، كما هو متوقع، أن هذا الكشــف هو بمثابــة «أخبار مفبركة»، ينشــرها خصومه السياسيون بواسطة الصحيفة الناطقة باسمهم، كما يتم الزعم، «نيويورك تايمز»، والتي يعتبرها كثيرون اليوم الصحيفة الجديــة والأكثر تأثيراً في العالم. ولكن طالما أنه يرفض نشــر تقاريره الســنوية بصورة منظمة مثلما اعتاد أســافه، ويواصل الادعاء بدون أي أســاس قانوني بأنه ممنوع بســبب التحقيقــا­ت الضريبية المفتوحة بشــأنه، فإن هناك شــكاً كبيراً بــأن يصدقه في أمريكا أحد عدا مؤيديه المخلصين.

ليس مؤكداً أن ترامب سيشــعر بالحرج، لكن إذا كان الأمر كذلك فســيتضاعف هذا الحرج إزاء المنشــورا­ت التي تقارن بين دفعاتــه الضريبية الضئيلة، والمبالغ الضريبية الكبيرة التي تفوقها بمئات وآلاف المــرات، التي دفعها من ســبقوه، وعلى رأســهم الرئيس الذي يكرهــه أكثر منهم جميعاً، براك أوباما. في ســنته الأولى في البيت الأبيض، دفع أوبامــا ضريبة دخل فيدرالية تبلغ 1.8 مليون دولار عــن دخله الذي بلغ 5.5 مليون دولار. وفي السنة الثانية دفع 450 ألف دولار عن دخل بلغ 1.7 مليون دولار. ترامب البعيد جداً عن الخجــل، هاجم أوباما في حينه بســبب دفعاته الضريبية «المنخفضة».

كثيــر من المصوتين له يقنعون أنفســهم الآن بأن نجاح ترامب في التهــرب من دفع الضرائب دليل على الاحتيال المالي الذي يعزز صورته في نظرهم، وآخــرون يصدقون افتراءات الفســاد التي ينسبها ترامب ومن يرددون أقواله لبايدن وابنــه هانتر في أوكرانيــا والصين ويتوصلون إلى اســتنتاج بأن «الجميع فاسدون»، وماذا في ذلك. أمــا من تبقوا فيفهمون أنهــم يتعاملون مع محتال ومخادع، لكنهم يرون في ترامب الســور الواقــي الأخير أمام ســلطة ليبراليــة مهرطقة يحكمها فوضويون سود متطرفون ومتعطشون للانتقام.

ينقسم الخبراء فيما يتعلق بمسألة ما إذا بقي في أوساط الـ ‪43 42‬ في المئة، الذين يواصلون تأييد ترامب في الاســتطلا­عات، ناخبون يمكن أن يغيروا رأيهم ويصوتــوا لصالح بايدن أو أن يمتنعوا عن التصويت تماماً. يقول المتشككون إن من تجاوز إخفاقــات ترامب الفظيعة والمتواصلة في محاربة فيــروس كورونــا ومحاربة الأزمة الاقتصادية فــي أعقابه، ولا نريــد التحدث عن أكاذيبه وعنصريته وتخليه عن سلطة القانون، ومحاربتــه للديمقراطي­ــة واســتبدال­ها بنظام مهووس بالسرقة العلنية سيتجاوز ذلك أيضاً. آخرون ســاذجون يعتقدون أن أمريكيين نزيهين في أوساط مؤيديه سيشكل لهم كشف «نيويورك تايمز» القشة التي قصمت ظهر البعير.

هآرتس 2020/9/30

 ??  ?? كلام الصورة
كلام الصورة

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom