Al-Quds Al-Arabi

من كواليس «اتفاق إبراهيم»: أقانيم من مصغر معهد بحوث الأمن القومي الإسرائيلي

إسرائيلياً أمات «حل الدولتين» وهمّش الفلسطينيي­ن... وأمريكياً أتاح الاستفراد بالشرق الأوسط.. وإماراتياً أبعد قطر وتركيا وتجاوز السعودية

- أودي ديكل ونوعا شوسترمان

ماذا في الاتفاق وماذا في خارجه؟

يشــهد عنــوان الاتفاق بــن إســرائيل والإمارات «معاهدة ســام، علاقات دبلوماســي­ة وتطبيع كامل» علــى تطلع المشــاركي­ن فيه ليــروه خطــوة تاريخية تتجــاوز الســياق الحالي. وقد عرض كاتفاق ســام، رغم عدم حــدوث حــروب أو حالات ســفك دماء بين إسرائيل والإمارات والبحرين. الهدف هو تطبيع كامل للعلاقات، وذلك بخلاف العلاقات بين إسرائيل وطلائع اتفاقات الســام في المنطقة – الأردن ومصر. وبالفعل، يتضمن الاتفاق بنــوداً تتعلق بالتعــاون في مجالات مدنية متنوعة، بينها الصحة، والزراعة، والســياحة، والطاقة، وجودة البيئة، والحداثة. ويســتهدف طيف هــذه المجالات تثبيت علاقات تســمح بعلاقــات دافئة بين الشــعبين. وإلى جانب ذلــك، التغلب على الأزمات السياســية التي قد تنشأ، لا ســيما حول إدارة النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. ولم يتضمن الاتفاق المسائل موضع الخلاف – حل الدولتين للمشــكلة الفلسطينية؛ وتعليق الضم/ بسط السيادة الإسرائيلي­ة، على مناطق في يهودا والســامرة )وحسب التســريبا­ت لمدة أربع ســنوات(؛ واتفاقات بين الولايــات المتحدة والإمارات لتوريد أســلحة هجومية متطورة )مشوق أن نرى إذا كانت إسرائيل ستستخدم اللوبي لديها في الكونغرس الأمريكي لمنع بيع السلاح الذي يمس بتفوقها النوعي(. قــد تلقى هــذه المواضيع جوابــاً في رســائل جانبية ســرية، كما هو دارج في الاتفاقات السياسية، لتجاوز الحساســيا­ت السياســية. إضافة إلى ذلــك، ليس في الاتفاق تنــاول محدد للتحدي الذي تشــكله إيران في المنطقة، رغــم المصلحة المشــتركة بــن الطرفين لصد خطواتها لتوســيع نفوذها الإقليمي ومنعها من تحقيق قدرة نووية عســكرية. ولكن تطرق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عــراب الاتفاق، لهذا الموضوع حين وعد بــأن يحقق «صفقة جيدة أيضاً مــع إيران في الموضوع النووي إذا مــا انتخب لولاية أخرى فــي الانتخابات الرئاســية التي ســتجرى في تشــرين الثاني المقبل. يمكن التخمين بــأن رئيس الــوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يشكك بقدرة التوصل مع إيران إلى اتفاقات تقيد قدراتها وتطلعاتها، ولا ســيما احتمال تطبيقها حرفياً، كان راضياً أقل من هذا الإعلان.

ما أهداف إدارة ترامب؟

لإدارة ترامــب -فضلاً عــن المصلحــة الكامنة في إنجاز سياسي بارز قبيل الانتخابات الرئاسية القريبة القادمة- مصلحة في غرس مفهوم استراتيجي لإعادة تنظيم ميــزان القوى في الشــرق الأوســط. فالإدارة تســعى لإقامة ائتلاف إقليمي للدول العربية السُــنية البراغماتي­ــة، المقربــة مــن الولايات المتحــدة، غايته صــد تطلعات إيران وتثبيت نفوذ الصين وروســيا في المنطقة. عُرض مخطط جديد لحل النزاع الإســرائي­لي – الفلســطين­ي يســتهدف الدفع إلى الأمام بالائتلاف الإقليمي فــي ظل تحرير الدول العربيــة من التزاماتها التقليدية بالقضية الفلسطينية، والتي ثبتت حتى الآن كعديمة الجدوى، وحرمان الفلسطينيي­ن من قوة الفيتو على تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية.

في احتفال التوقيع، وعد الرئيس ترامب بأن خمس دول أخرى قريبة جداً من إقامة علاقات مع إســرائيل. ويفترض باســتكمال عدة شــروط لضمان تحقق هذا الوعد: مصالح مشــتركة مع إسرائيل ولا سيما في صد المحور الإيرانــي، والتقدم في حل النزاع الإســرائي­لي – الفلســطين­ي وإن لم يكن على رأس ســلم الأولويات الإقليمي، ومكاســب اقتصادية وعســكرية من الاتفاق مع إسرائيل، وانعدام التزام قيادي أو ديني لتلك الدول في العالم العربي والإســامي. وحسب هذه الشروط، من الصعب الإشــارة إلى التالية فــي الطابور. فعُمان تقيم منــذ الآن علاقات قريبة، وإن لم تكن رســمية مع إســرائيل. ويبدو في هذه المرحلة أنها ستفضل تأجيل القرار وحفظ مكانتها كوســيطة بين الولايات المتحدة ودول الخليــج وبين إيــران. كما أن المغــرب أيضاً من المتوقــع أن يؤجل قراره كي لا يعــرض مكانته كرئيس لجنة القــدس في منظمــة الدول الإســامية، للخطر. وســيؤثر نجــاح الاتفاقــا­ت علــى قــرار دول أخرى الانضمــام إلى دائرة التطبيع، وســتفحص المردودات التي ســتحصل عليها الإمارات والبحرين من الولايات المتحدة. ومع ذلــك، توجد احتماليــة عالية في اتخاذ خطوات تطبيع حتى بدون إقامة علاقات رســمية، مثل فتح المجال الجوي الســعودي أمــام الرحلات الجوية الإسرائيلي­ة إلى الإمارات.

لا يؤمن جو بايدن، المرشــح الديمقراطي للرئاســة وخصم ترامب، فــي تحقيق خطة ترامب واقع الدولتين في الســاحة الإســرائي­لية – الفلســطين­ية، ولكن قد يســتغل اتفاقات التطبيع للجم خطوات إســرائيل في الساحة الفلسطينية، ولا سيما البناء في المستوطنات، ومحــاولات إبعــاد الفلســطين­يين عن المنطقــة «ج»، ولاستئناف المســيرة السياسية من خلال ضغط عربي مباشر عن الفلسطينيي­ن لتلطيف حدة الشروط للعودة إلى المفاوضات إلى جانب ضغط موازٍ من جانب الإدارة على إسرائيل.

لماذا كان التوقيع على الاتفاق ملحاً للإمارات الآن تحديداً؟

في ضوء اقتراب موعد انتخابات الولايات المتحدة، فإن للإمــارات ويحتمــل للبحرين أيضــاً مصلحة في تحقيــق إنجــازات اســتراتيج­ية مــع إدارة ترامب، بخاصــة عقــود توريد الســاح المتطــور والاتفاقات الاقتصادية التي قد لا تكــون بالضرورة قابلة للتحقق إذا كانــت الإدارة الأمريكيــ­ة القادمــة ديمقراطية. في الجانب الاســترات­يجي تبــدو إمارتَا الخليــج قلقتين جداً من تعزز قوة محورين منافســن لهما في الشــرق الأوســط: الأول، المحور الإيراني – الشــيعي، الذي لا يخشى تحديهما، اقتصادياً وأمنياً في الخليج العربي/ الفارســي، التحدي المتزايد عقب رفع حظر السلاح عن إيــران أم عقب التقارب الذي حصــل مؤخراً بين إيران والصين. والثاني، محور تركيا – قطر، الذي يعمل على تثبيت نفوذ من الخليج العربي إلى شــمال العراق عبر شمال سوريا، الحوض الشرقي للبحر المتوسط وصولاً إلى ليبيا )قــوات الإمارات وتركيا على شــفا مواجهة عســكرية هناك(. أمــام هذين المحوريــن الراديكالي­ين وفي ضــوء ميل تضاؤل التواجد العســكري الأمريكي في الشرق الأوســط، تتطلع الإمارات إلى إقامة محور توازن من دول سُــنية براغماتية ومســؤولة، تسعى إلى الاســتقرا­ر الإقليمــي، وتضم إســرائيل أيضاً. إن تعزيز العلاقة مع إسرائيل يوسع مدى الفرص والنفوذ الإماراتي، التي تعتقد قيادتها بأن عليها تثبيت مكانتها الإقليمية، باستخدام الجيش بعيداً عن الوطن وتشكيل وســيط في النزاعات الإقليمية. واقامــة العلاقات مع إســرائيل يتيح لها موطئ قدم في النزاع الإسرائيلي – الفلســطين­ي، وفرصة لإبعاد قطر عن قطاع غزة، وكذا إبعــاد تركيا عن الحــرم، وفي إطار ذلــك أيضاً تجاوز الســعودية، التي ضعفت مكانها الإقليمية والدولية في السنتين الأخيرتين.

يطرح اتفاق إبراهيم معضلة على المملكة الهاشمية؛ فمن جهــة، يفترض بــالأردن أن يؤيــد انضمام دول عربية أخرى لدائرة الســام مع إســرائيل، وهو خيار اتخذته هي نفســها قبل 26 سنة. ولكن بالمقابل، تعاظم في الأردن الخوف من أن التطبيع بين إســرائيل ودول عربية أخرى، دون اشــتراطه بمســيرة سياسية بين إسرائيل والفلســطي­نيين، يعرقل التقدم لتحقيق رؤيا الدولتين ويعزز في إســرائيل النظر إلى الأردن نفسه كالدولة الفلســطين­ية. فضلاً عن ذلك، يخشــى البلاط الهاشــمي من انفجــار في أوســاط مواطنــي الأردن الفلسطينيي­ن، الذين يشــكلون أغلبية في المنطقة، مما يضعضع الاســتقرا­ر الداخلي فيها. كما يخشى الأردن من انتقال الاضطرابات الأمنية في الضفة إلى أراضيه. تاريخيــاً، يعتبر الأردن نفســه وســيطاً متصدراً بين إســرائيل والفلســطي­نيين، ولكنه دحر جانبــاً عندما نالت الإمــارات والبحرين حظوة تأجيــل نية الضم، بينما مبادئ المبادرة العربية – الانسحاب الإسرائيلي إلــى خطوط 67 – اختفت عن الاتفاقــا­ت الجديدة. كما أن الرئيس ترامب شــدد على أن التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج يفتح الباب لصلاة المؤمنين من كل العالم الإســامي في المســجد الأقصى، وذلك مس –ظاهراًبمكانة الأردن كحــارس الأماكن المقدســة في القدس. ومع ذلك، يتعلق الأردن بالمســاعد­ات من دول الخليج، وبالتالي يمتنع عن أي معارضة قاطعة للاتفاق.

لماذا بقي الفلسطينيو­ن على هوامش الطريق؟

الجانــب الفلســطين­ي هــو الأكثر تضــرراً من ميل التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج. فقيادتهم لم تنجح فــي أن تقر بيان شــجب لاتفاق إبراهيــم في الجامعة العربية، أو حتى إيقاظ الجمهور الفلسطيني في الضفة والقطاع لاحتجاج شــعبي. ويشــدد التطور الإيجابي بين إســرائيل ودول الخليج الأزمة الاستراتيج­ية التي تعيشها السلطة الفلســطين­ية، الضعيفة والمهانة، كما جــاءت القضية دليلاً على فشــل الطريق السياســي لرئيس الســلطة محمود عباس. تشــخص حماس في الأحداث فرصة لتعزيز مكانتها السياســية والانخراط في قيادة م.ت.ف في ظل التشديد على أهمية سياستها – المقاومــة العنيفــة كوســيلة لتحقيــق التطلعــات الفلســطين­ية. وبــرزت هزيمة عباس فــي أثناء رحلة أجراها إســماعيل هنيــة، زعيم حمــاس، في مخيمات اللاجئين في لبنان. فصــور هنية محمولاً على الأكتاف في المخيمات التي هي معقل «فتح» تعدّ تحدياً لسيطرة «فتح» في م.ت.ف وفي السلطة الفلسطينية. فضلاً عن ذلك، على خلفية قرب محمد دحلان من قيادة الإمارات، ثمــة أزمة ثقة حــادة بين الإمــارات وقيادة الســلطة الفلســطين­ية. وحاولت الإمارات تلطيف حدة معارضة السلطة لاتفاق التطبيع مع إســرائيل من خلال ضمان مســاعدة اقتصادية وتنموية، ولكن عبــاس رفضها. وبالتالــي، من المتوقــع أن تتوجه الإمارات مباشــرة إلى الجمهور الفلســطين­ي، متجاوزة السلطة، بعرض وظائف لأكاديميين ومهندسين فلسطينيين شبان مثلاً.

في ضوء الضعف الفلســطين­ي فــي الوقت الحالي، على إســرائيل من جهتها أن تحذر الشماتة؛ لأن الأزمة والضعف الفلسطينيي­ن من شأنهما أن يشجعا على رص الصفوف بين السلطة وحماس. وإلى هز الاستقرار في ساحة النزاع وتصعيد العنف والإرهاب.

خلاصة وتوصيات

يشكل اتفاق إبراهيم لإسرائيل إنجازاً سياسياً مهماً، ولا ســيما لرئيس الوزراء نتنياهــو، بإزالة تعبير حل الدولتين عن خطــاب الاتفاقات. ولكن على إســرائيل أن تعي بأن المشــكلة الفلسطينية ســتبقى على عاتق إســرائيل وحدها خيــراً كان أم شــراً. وبالتالي، رغم هبوط قيمة السهم الفلسطيني في الساحة الفلسطينية، على إســرائيل الامتناع عن مزيد من الإضعاف للسلطة الفلســطين­ية وإبراز فشــلها. كما أنها تجيــد صنعاً لو وفرت مردودات اقتصادية – تنموية للســلطة تنبع من الاتفاق.

مطلــوب من إســرائيل أيضاً أن تــدرس الآثار التي قد تنشــأ عن الاتفاق. فهل ســتتقلص حرية عملها في الســاحة الفلســطين­ية؟ هل ســتؤدي حملة عسكرية واســعة في القطاع إلى تجميد التطبيع؟ وما هي سبل العمل التي ستكون تحت تصرف إسرائيل رداً على قرار إيراني بمهاجمة الدول التــي وقعت معها على اتفاقات ســام عســكرياً أو ممارســة الإرهاب ضد هذه الدول فيمس بالأهداف الإسرائيلي­ة أيضاً؟

 ??  ?? الأعلام الإماراتية والإسرائيل­ية والأمريكية على طائرة إسرائيلية
الأعلام الإماراتية والإسرائيل­ية والأمريكية على طائرة إسرائيلية

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom