Al-Quds Al-Arabi

«يا يُمة ليش الكويت أبعد محبوبي عني»

- *كاتب فلسطيني

أثار رحيل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمــد الجابــر، رحمــه اللــه، مواجع فلسطينية - كويتية، وهذا طبيعي جدا، في زمن حصار مشــدد للقضية الفلســطين­ية، والتراجع لدى البعض، والتعامل مع فلســطين كأنها قضية مزاج، أو خلاف بين جارين على موقف ســيارة، وليست قضية وطن وشعب، هو جزء من قضية أمة ومن تاريخها وحاضرها ومستقبلها. كان الشاعران الشــعبيان المرحومان أبو جاسر الحفيري

وزميله أبو موسى من منطقة جنين، يحضران لإحياء سهرات أفــراح في قرى الجليــل، وذلك في أواخر ســتينيات ومطلع ســبعينيات القرن الماضي، وفي كل ســهرة يقدمــان زجلية مغناة، بعنــوان «يا يُمه ليش الكويت أبعــد محبوبي عني.» الكويت أبعــد المحبوب الذي ســافر للعمل فيــه، فهو وجهة أساسية قصدها اللاجئون للعمل، بعد محطات اللجوء الأولى في دول الطوق.

علاقة الفلســطين­ي بأبناء أمته انعكست في الأدب، وهكذا الأمر فــي علاقته مع الكويت، أبرزها روايــة قصة «رجال في الشمس» لغسان كنفاني، إضافة إلى قصص قصيرة أخرى في مجموعته الأولى، «موت ســرير رقم 12 ». نجد هذا لدى ناجي العلي، الذي عمل فــي عدة صحف كويتيــة، وظهور حنظلة لأول مرة في جريدة «السياســة» الكويتيــة. آخر الروايات التي تتحدث عن تغريبة أســرة فلســطينية في الكويت، هي للكاتبة ثائرة عقرباوي بعنوان «هاجر.. فلســطين.. الكويت وبعد»، الفائــزة بجائزة كتارا للروايات غير المنشــورة عام 2018، إضافة إلــى ما كتبه محمود الريمــاوي ووليد أبو بكر وغيرهم من أدباء. كثيــرون من أبناء قريتنا الذين لجأوا إلى دول الطــوق في عام النكبة، انتقلــوا للعمل في الكويت، كان أحد هؤلاء يزور فلســطين، ويمكث فيها بضعة أسابيع، وهذا قبل اتفاقات وادي عربة، كان يتصرف كمليونير بالنسبة لأهل القرية، كان مصدر ثرائه، عمله في مهنة حرة في الكويت، وقد استمر من أطلقنا عليه لقب «أحمد الكويتي»، حتى مأساة غزو العراق للكويت، وما أسفر عنه من مآسٍ للكويتيين والعراقيين والفلســطي­نيين والعرب عمومــاً، وعاد «أحمد الفلســطين­ي الأردني الكويتي» إلى عمان، وما لبث أن عاد مســتور الحال، حتى رحيله إلى دار البقاء.

خــال كتابتي روايتي «بلد المنحــوس»، التي صدرت عام 2018 عن مكتبة كل شيء في حيفا، ترحل إحدى الشخصيات الهامشــية من عكا إلــى لبنان ثــم إلى الكويــت، للعمل في مصفاة بترول الأحمدي. خلال بحثي في )غوغل( عن نشــاط الفلســطين­يين هناك، تبين أن ضابطاً فلســطينياً في الشرطة البريطانية برتبة عقيد من عائلة شــحيبر، أسهم في تأسيس شــرطة الكويت منذ عام 1938، كانت هذه مفاجأة بالنســبة لــي أضفتها إلى الرواية، بدون تعمق في الشــخصية، وتبين أن أعدادًا لا بأس بها من الفلســطين­يين عملوا في الكويت قبل النكبــة، تضاعفت هذه الأعداد مع تراكــم الكوارث من النكبة حتى الخروج من بيروت، ليصل عدد الفلســطين­يين فيها إلى حوالي أربعمئة ألف إنســان، إلى أن وقعت مأســاة احتلال الكويــت عــام 1991، وتهجير مئات آلاف الفلســطين­يين بعد انتهاء الحرب. الدعم الكويتي لفلسطين تجاوز المال إلى الدعم الشعبي، حيث عاشت القضية الفلسطينية ورسخت في وعي الكويتيــن، هذا بدأ قبل النكبة من منطلقــات قومية ودينية، وتنامــى بعدها مع تزايــد انخراط الفلســطين­يين في الحياة اليومية الكويتية، فقد تعلم أبناؤهــم في المدارس الحكومية الكويتيــة، إلى جانب عمل أعــداد منهم في مهنــة التدريس وغيرها، إلى جانب الكويتيين وغيرهم من العرب.

هناك شــعراء كويتيون عبّروا عن مخاوفهم لما يحدث في فلسطين، كما يقول الدكتور خليفة الوقيان في كتابه «فلسطين في الشعر الكويتي»، مثل خالد فرج ومحمود شوقي الأيوبي

وصقر شــبيب وفاضل خلف، ثم الشعراء والأدباء اللاحقون حتى يومنا هذا. وظهرت فلســطين في مجال القصة والرواية لدى أســماء عديدة، أبرزها إسماعيل فهد إســماعيل وليلى العثمان، ولم يقتصــر هذا على القصة والرواية، بل نجده في أدب الطفل والفن التشــكيلي والمسرح والفنون عامة، إضافة إلى الجمعيات الاجتماعية الداعمة. هذا الموقف المشرف ليس غريباً بشــكل عام على مستوى الشــعوب العربية، ولا على المثقفين من كل الوطــن العربي، الذين تفاعــل كثيرون منهم بعمق وصدق مع القضية الفلســطين­ية، فــي الأدب والفنون الأخرى، وأعداد الأعمال الأدبيــة والفنية أكثر من أن نذكرها في مقال قصيــر، بل وانخــرط بعضهم في صفــوف الثورة الفلســطين­ية، وبذل دماءه، هذه المواقــف تأثرت وتتأثر بين حين وآخر بسياسة هذا القائد في هذا البلد أو ذاك، وبعوامل وتجاذبات سياسية عابرة، ولكن تبقى قضية فلسطين قضية أمة وليســت قضية هذا القائد العربي أو الفلسطيني أو ذاك. الاحتضان الشعبي الواسع السخي في الكويت، ما كان ليكون لولا الموافقة والتأييــد والتوجيه من قمة الهرم السياســي، الذي انعكس طيلة عقود من الدعم المادي والسياسي للقضية الفلســطين­ية، رغم الانتكاســ­ة التي تخللتها لبضعة أعوام، ولكن هذه العلاقــة المتجذرة، تعافت في الســنوات الأخيرة وبقرار سياسي من الشيخ صباح الأحمد الجابر، رحمه الله، لتعود الكويــت وتظهر كواحدة من أبرز المتمســكي­ن بحقوق الفلسطينيي­ن والداعمين لهم.

الاحتضان الشعبي الواسع السخي في الكويت للفلسطينيي­ن، ما كان ليكون لولا الموافقة والتأييد والتوجيه من قمة الهرم السياسي

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom