Al-Quds Al-Arabi

إلى شرقهم وغربهم... يتطلّع السوريون

- *كاتب سوري

قال وزير العمل والشؤون الاجتماعية العراقي في أوائل يوليو الماضي، إن أكثر من %31 من سكان العراق أصبحوا تحت خط الفقر. وقالت «الإســكوا» في أغســطس إن أكثر من %55 من ســكان لبنان أصبحوا تحته.. في حين ذكرت الأمم المتحدة في يونيو إن أكثر من %90 من سكان سوريا انحدروا إلى ما دونه.

وتلك بلدان على جوار قريب، وعلــى امتداد خط واحدٍ يصل ما بين إيران شــرقاً، والبحر الأبيض المتوسط غرباً، ذلك خط على طريق النار والدمار، تصرّ إيران على سلوكه بتطرّف وعنجهية، رغم أن هذه البلدان تعاني من مشــاكل متشــابكة العناصر والعوامل، رغم افتراق ظاهري يدّعيه الوطنيون في كلّ بلدٍ منها. كما أن هنالك فرقاً أساسياً يجعل من سوريا نســيجا وحدها، هو أن المتسلطين عليها لديهم فائض من القوة بالأســاس، رغم قلتهم فــي الناس، وهنا يكون المقصــود هو التركيب الطائفي.. فــي العراق خلاف ذلك، حيث هنالك فائض في القوة ورجحان في العدد، يزيد قوةً في لبنان، ولو نقص قليلاً في التعداد.

بتأثير مــن طاقتها الذاتيــة، وربما تنظيمهــا، مع دعمٍ ضمني مــن المرجعية المحليــة، وتأثير للوجــود الأمريكي الملمــوس، مع انكفــاءٍ إيراني محدود، توصّــل العراقيون إلــى تكليف الكاظمي برئاســة الحكومــة، وإعطائها الثقة في البرلمــان. وكان برنامج تلــك الحكومــة راديكالياً من حيث مضامينه، في تمســكه بالســيادة والاستقلال، الأمر الــذي يعني الولايــات المتحدة بمقــدار ما يعنــي إيران؛ وفي حربــه على الفوضى الداخلية، وهيمنة الســاح غير الشــرعي، الأمر الذي يعني هنا أيضاً جماعة المرشد الأعلى في إيران، والحــرس الثوري، وفيلق القــدس؛ وكذلك في موقفه الشــجاع الواِثق في حربه على الفســاد، الذي نهب أهله العراق وثرواته بشــكلٍ خارق للعادة، بقيادة حكامه والمتسلطين عليه منذ عام 2003، وأيضاً في ذلك تزيد حصة جماعة طهران عن الآخرين، بين السياسيين السنة والكرد،

وإن لم توفّر أحداً منهم، تقريباً.

تلفــت الأنظار مؤخراً زيــارة رئيــس الأركان الإيراني إلى بغداد، بما يمكن أن تعنيه علناً وســراً من استنتاجات متعارضــة، إذ يمكن أن تكون مدخلاً لجهدٍ إيراني رســمي لضبط بعض شؤون الحشد الشعبي، خصوصاً في فصائله الأكثر تفلّتاً في العراق، الأكثــر ارتباطاً مع الجيران، وذلك يعني فــي حال حدوثه أن حــكام إيران فــي حالة إرضاء للولايات المتحدة، بعد أن وصلوا إلى ذروة ما يستطيعون ضدّها، وطبعاً لا يمكن اســتبعاد الاســتنتا­ج الآخر، الذي يمكن أن يحمل من خلاله الرجــل دعوة لتنظيم وتدعيم ما يمكن من القوى لحصار الكاظمي.. هنا يمكن رؤية ما شكّله اختطاف الناشط سجاد العراقي، وتوجيه الاتهام مباشرة إلى منظمة بــدر وهادي العامري، وتركيــز بؤرة الإضاءة على الزعيم المذكور مع حليفــه المالكي، الذي تضيق حوله حلقة الاتهامات أيضاً.

يتصــدى الكاظمي لمهمة كبيرة، يــكاد يغرق في طيّاتها، لو لم يكن شــخصاً يملأ ثيابه كما يُقال، ولكنه سيغرق إذا ما تُرِك وحيــداً من الخارج، ومن الناس فــي الداخل، بكلّ قواهم وتنوّعاتهم، خصوصاً شــباب الشارع. ويبدو أنه ما زال متوازناً بسبب ما يوحيه من إمكانية، كونه وسيطاً بين القوى الخارجية، وليس صاحب برنامج مســتقل وحسب. وإذا خدمته الظروف وتحوّلات السياسة الأمريكية، بمقدار ما تخدمه حتى الآن ثوابتها، فربما ينفذ بنفسه وبالعراق.. ويفيض علينا نحن السوريين من نعمه. في ذلك الموضوع، هنالــك غيرنا أيضاً يهتــم بقطع الطريق مــا بين الأراضي الإيرانية والسورية، وذلك يضم دولاً عربية شتّى والعديد من القوى في الجوار القريب على الأقل.

في الجهة المقابلة، تقدّم الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة مصطفى أديب باعتذاره عــن المهمة، ووضع لبنان كلّه على نار أكثر مــن هادئة، تذكّر بجحيم الرئيس ميشــيل عون، وتعبيره المختَلف عليه. ويبدو للمراقب عن بعد أو قرب أن حزب الله في لبنان أكثر تماســكاً من حلفائه وشركائه في العراق، وأكثر قدرة على التمسك بالمكاسب الإيرانية منهم؛ مع ملاحظة حساســية التجاور مع إســرائيل، وما يشكّله ذلــك من قدرة على الابتزاز الإضافي. فــي ذلك تبدو مثيرة للإعجاب قدرة حزب الله على إبقــاء حركة أمل في جيبه، ومن ثمّ إبقاء الصــورة التي تعكس وحدة الطائفة الكبيرة وتماســكها، بما يحمله ذلك من قدرة و»ثلــثٍ معطّل». ولا يمكن تفســير ذلك إلا بالقوة العجيبة التي يمكن أن يخلقها مزيج الســاح والفســاد الكبير، خصوصاً تحت شــعار «المقاومة والتحرير والتنمية» مع الكثير من المخاوف الُمثارة والُمحفّزة.. لــدى الأفراد المعنيين مــن كلّ الطوائف، ولدى الكتلة السكانية المعنية بدورها.

كان انفجــار الرابع من أغســطس القِياميّ؛ من جملة ما كان؛ زخماً مضافاً إلى الحراك الثوري في لبنان، الذي ابتدأ في السابع عشر من أكتوبر الماضي. وكان يُفترض أن يكون منطلقاً لحالة تغيير هي وحدهــا القادرة على إنقاذ خميرة لبنان اللازمة لأي مشروع لاستعادته؛ إلّا أن لذلك الانفجار مُرتَســماً آخر، يتألف من اجتماع الجوع والرعب معاً، لدى شــعب مُجهدٍ وصل إلى ما لم يكن نتصوره أبداً في صورة لبنــان، التي نحتفظ له بها، حيث ابتــدأت بالتواتر أخبار الغرقى من أطفاله وأبنائه، وهم يقطعون البحر للنجاة من مأساة حياتهم الخانقة. لقد وصل المصرف المركزي إلى حالة الجفاف، وربما يُضطر إلى قطع الدعم الذي ما زال قائماً عن موادّ أساسية مستوردة، ليزيد من فقر اللبنانيين وبؤسهم. ومع اعتذار مصطفى أديب، يمكن للعملة اللبنانية أن تهوي بعنفٍ، وللأســعار أن تقفز قفزات إضافية إلى الأعلى، ليس في قدرة اللبنانيين احتمالها.

كأن المراهنة الأخيرة - لعلّها لا تكون كذلك ـ قد ارتكزت إلى نجاح مبــادرة الرئيس الفرنســي إيمانويل ماكرون، التي يمكــن أن تفتــح ثغرة إلــى طريق آخــر، تقوم على تشــكيل حكومة إنقاذ من رئيس حكومــة حيادي وكفء،

بوزراء حياديين وأكفــاء. ولكن» الثنائــي الشــيعي» تراجــع عن وعــوده المعلنة، وتمسّــك بحقه» الميثاقــي» فــي تســمية وزراء الطائفة، وخصوصاً وزير المالية.. وهنــا ينبغي أن يتســاءل البعض عن توقيــت العقوبات الأمريكية علــى وزير المالية اللبناني مــن حركة أمل، التي يبدو أنها أثارت حنق ذلك الثنائي، ومخاوفه من المستقبل، حتى القريــب منه. وكذلك عن توقيت تلــك اللهجة العالية الجَرْس جداً في كلمة الملك الســعودي أمام الجمعية العامة للأمم المتحــدة، ضدّ حزب الله وســاحه، وضــدّ النفوذ والسياسة الإيرانية في لبنان. ربّما كان للهجمة التطبيعية مع إسرائيل دورٌ في ذلك التشــنّج، الذي طبع موقف حزب اللــه وإيران هنــاك، بما يشــكّله من تغيير علــى المعادلة الاستراتيج­ية في منطقة الخليج، ولكن ذلك ينبغي له أن لا يكون سبباً للمزيد من الخراب، الذي يقع على كلّ أهل لبنان ولا يستثني شــيعته بتاتاً.. مع ملاحظة مهمة أيضاً، هي في احتمال تحميــل تلك الهجمة - في بابٍ مــن أبوابها- على السياسات العدوانية- التصديرية الإيرانية.

يبقى أن انقطاع الطريق الإيراني على الحدود العراقية الســورية، وانســحاب حزب الله من ســوريا في سياق الوضع اللبناني، قد يســاعدان على حلحلة الجمود القاتل في ســوريا.. ذلك الجمــود الذي تعززه الأخبــار الواردة من دمشــق وموســكو، بدعم طبيعي من إيــران، ويُدخل العملية السياســية الســورية إلى حجرة أعمق من البرود والاستعصاء.. ولن نستطيع أن نبني آمالنا الأبعد والأكثر استقراراً، إضافةً إلى ما تقدر عليه قدراتنا الذاتية، إلّا على طاقة الشعب الإيراني نفسه. وخلاف ذلك، قيل قديماً» أيتها السحابة، أمطري أنّى شئتِ.. فإن خراجك عائد إليّ».

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom