Al-Quds Al-Arabi

«ليلتكم سعيدة»: كوميديا تشيخوف في مصر الأربعينيا­ت

العرض المسرحي «ليلتكم سعيدة»

- محمد عبد الرحيم:

ضمن مبــادرة وزارة الثقافة المصريــة «إضحك، فكّر، إعرف» لتقديم عروض مســرحية أون لاين، مستوحاة من النصوص القصيرة للكاتب الروســي أنطون تشــيخوف (1860 ــ 1904( جاء العرض المســرحي «ليلتكم سعيدة» المأخــوذ عــن النــص القصـــــص­ي المعنــون بـ«مغنية الكورس».

وبالنظر إلى أن أغلب العــروض التي جاءت من خلال هــذه المبادرة، نجد أنها إما ســقطت في المباشــرة والنقل الحرفي للنص، أو عدم مراعاة الوسيط الجديد )المسرح( أو المسرح الُمصوّر بمعنى أدق، فتم نقلها وكأنها قصة تُمثّل للإذاعــة. بخلاف عــرض «ليلتكم ســعيدة» الذي تجاوز الحالة المأســاوي­ة للقصة، وخلق من التراجيديا كوميديا متكاملــة، بداية من تحويــر أو تحرير الفكــرة، ثم اللغة، وأخيــرا الأداء التمثيلــي، مــع مراعاة تقنيــات التنفيذ، ومحاولة تأصيل الحالة المسرحية من خلالها.

العرض أداء، محمد علي، مريم السكري، بسنت صيام، مروة عيد، نديم هشــام، وألحان المهدي. ديكور عمرو عبد الله، ملابس هالة الزهوي. والعرض كتابة وإخراج خالد جلال.

تدور القصة حــول مغنية وزوج وزوجــة، حيث يقيم الزوج علاقة مع المغنية، وتعرف الزوجة فتذهب إلى منزل المغنيــة، حيث يختبئ الزوج، وترجوهــا أن تترك زوجها يعود لأولاده، خاصة أنه اختلس نقودا من عمله، فمصيره السجن، وبالتالي سيتشــرد الأطفال، وتطلب الزوجة من المغنية أن تدفع ما اختلســه الزوج، لأن هذه الجريمة تمت من أجلهــا، وبالفعل، تقدم المغنية معظم ما تمتلكه، رغم أن معظمها لم يكن من نقود عشــيقها. أمــا موقف الزوج هنا، فيكمن في اكتشــاف ما فعله من جــرم، في حق زوجته في الأســاس، خاصة وقد رآها وهي تركع أمام عشيقته لإنقاذ أسرتها، ليصف معشوقته بالعاهرة، ويهجرها في النهاية.

العرض المسرحي

تعامل العرض بوعــي، كونه عرضا مصــورا، معتمدا عدســة الكاميرا وزاوية التصويــر، وبالتالي تحديد إطار المشاهدة بالنسبة للمشــاهد، بخلاف العرض المسرحي، الذي في أفضل الأحوال يستخدم الإضاءة ـ فكرة التأطير من خلال إظلام أو إضاءة جزء من خشــبة المسرح ـ حتى يتم التركيز على حدث معين. هنا كان التصوير أو التكنيك السينمائي، خاصة أن هناك عدة أحداث تحدث في الوقت

نفسه، كما أن الديكور شمل مكانين، كبيت الزوج وأسرته، وبيت عشيقته، وهو ما ساعد على تحرر الحركة المسرحية، فالزوج المختبئ في بيت العشــيقة، له الحرية في التواجد في بيته مع زوجته، حينما تحكي ابنتهما عن السعادة التي يعيشونها.

أمــا على مســتوى اللغة، فقــد جاء العــرض في زمن الأربعينيا­ت ـ كأغنيات ســيد درويش ومســرحية لعلي الكســار ـ حيث اللغــة وقتها أصبحــت الآن تثير الضحك والتندر، عبارات من قبيل «أتوسل إليك، إرحم عذابي، من ساعة ما شُفتِك ترقصي وتغني في التياترو، وأنا أصبحت أســيرا لحبك، أعــذري اندفاعــي لأني أمــام جمالك أفقد صوابي». عبارات على غرار أفلام يوســف وهبي، وأعمال تلــك الفترة. وتتمادى الســخرية حتى الأســماء.. ففريد ـ الزوج ــ يعد اســما يوقع النســاء، أما الراقصة فدرية، والزوجــة شــكرية، والابنة فكرية. ومــن اللغة نصل إلى الأداء، المعتمد بالأساس على المبالغة في الصوت والتعبير الجسدي والحركي ـ خليط من يوسف وهبي وزكي رستم وأمينة رزق ـ كذلك تترك الشــخصية مَن تحاوره، وتنظر إلى الجمهــور، كعادة الأفلام القديمة. التنوع الأدائي أيضا اتضــح من الفكرة التي تقوم علــى مجموعة من النصابين على الراقصات.

بخلاف الــزوج والزوجة والعشــيقة، يُضيف العرض شخصيات أخرى، كشقيقة الزوجة، صاحبة محل الأزياء، التي عن طريقها يتم الإيقاع بالسيدات، إضافة إلى الابنة، التي تقلــد أدوار وأداء فاتن حمامة، في بعض أفلامهما مع حســن الإمام القديمة، وكذلك خطيــب ابنتهما، النصاب الشــاب، الذي يتعلم الصنعة من والد خطيبته وأسرتها. هنا يلعب الجميع في تواطؤ على ابتزاز العشــيقة، بحجة أنهم عرفوا علاقتها بالرجل الثري، وأن زوجته اكتشــفت الأمر، وقــد أصابها مس مــن الجنون، وســتأتي إليهم لا محالة، فيحصلون من المرأة على كل ما تملك، فتســتجيب خوفا مــن الفضيحة. فخطيب البنت يصبح مخبرا ســريا اســتأجرته الزوجة، وقد قــام بتصويرهما معــا بكاميرا حديثة، لا يستطيع أحد اكتشافها، وهي كاميرا فوتوغرافيا محمولة، ككاميرات مصــوري الصحف القدامى، لا يتورع أن يســتخرجها من حقيبة كبيرة، أما الصور فهي في حجم البوسترات!

يدور العرض المســرحي من خلال شــهدين، أولهما في

منزل العشيقة الســري، وقد حصلت أسرة الزوج على ما تمتلكه، نهاية باصطناع الزوج أنه مات بالســكتة القلبية ـ كمعظم ميتــات أفــام الأربعينيا­ت ـ بعدمــا رأى ابنته تســتجدي الراقصة، وزوجتــه تركع أمامهــا. هنا يدخل المخبر وقد أتــى بكل اللقطات التي صورهــا، ليجد الزوج هكذا، ويتهم الراقصة بأنهــا قتلته، فتنفي الفعلة مرتعبة، فينصحها بالهرب من المكان فورا.

أما المشهد الثاني، فهو مشهد كشــف اللعبة، وتوضيح العلاقات التي تربط هؤلاء ببعضهم، ذلك في منزل الزوج وأسرته، جميعهم من فئة شعبية، فيرتدي الرجل الجلباب والطاقية المقلمة، من نوع القماش نفسه، وترتدي الزوجة وابنتهــا ملابس بيت فئــة تلك الأيام. هنــا تأتي صاحبة بيت الأزيــاء، لتقول بأن هناك ضحيــة جديدة، فكان من رأي الــزوج التحلــي بالصبــر بعض الوقــت، حتى تهدأ الأمور، لكنهم يصرون، علشــان عاوزين يجوزوا البنت. وبهذه المناسبة السعيدة، يلتقط الجميع صورة تجمعهم، بالكاميرا العجيبة إياها، وكأنها صورة )ســيلفي( في ذلك الزمن.

ليأتــي بعدها صــوت من الخــارج، ويقول فــي نبرة تقريريــة.. إن الراقصــة التي تم النصب عليها، شــاهدت الصورة التي تجمع أفراد الأسرة، في أحد الاستديوها­ت، أثناء التقاطها صورة مع عشيق جديد لها، فاكتشفت عملية النصب، وأبلغت البوليس، الذي قبض على أفراد الأسرة، وتم الحكم عليهم بالســجن خمســة عشــر عامــا، بتهمة النصب والاحتيال، فتصبح الصــورة الأخيرة لأفراد هذه الأسرة وهم في ملابس السجن.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom