Al-Quds Al-Arabi

بغياب مخطط إسرائيلي لـ«اليوم الثاني»: هل تقف «بطلة العالم في الارتجال» عاجزة أمام كورونا؟

- يورام دوري

على مــدى الســنوات الطويلة التي عملت فيها كمستشــار قريــب لشــمعون بيــرس، تابعــت نهجــه فــي إدارة الحروب والحملات مــع جيراننا. كان بيرس يكرر بأن قرار اســتخدام القوة يبدو ظاهراً أنه الأســهل. ومقارنــة به، فإن قرار مخطط الخــروج من المواجهة هو القرار المعقــد والمركب الذي بدونه لا معنى للدخول في مواجهة عسكرية. لأن استراتيجية الخروج هي المهمة.

لقد علق الأمريكيون الذين دخلوا إلى العراق وأفغانســت­ان على مدى زمن طويل ونزفوا على مدى الســنين بســبب غياب اســتراتيج­ية خروج عندهم. الســؤال البســيط هو: ما العمل في اليــوم التالي؟ لم يفكــر الروس في أفغانســتا­ن أيضاً في اليوم التالي، فانسحبوا على عجل. غرقنا لسنوات في الوحل اللبناني، لأن غياب مخطط اليوم التالي جعلنا نعلق في حرب لبنــان الأولــى على مدى ســنين حتــى الانســحاب من طرف واحد من مدرســة باراك. ثمة كثيرون يدعون بأن حرب الأيام الســتة– الحرب التي بادرنا إليها ولــم تفرض علينا حملتنا إلى وضعنا الحالي في غياب اســتراتيج­ية خروج. وحتى في المواضيع التي ليســت حربــاً صرفة مثل فــك الارتباط، يمكن القول إنه لم تكن لدينا خطة لليوم التالي ما أدى بنا إلى وضع اليوم في غزة؛ واذا كانت هناك خطة، فلم تنفذ.

أصبحنــا، في الأشــهر الأخيــرة، في ذروة معركة قاســية ومرتبــة معركــة علــى حياتنــا وصحتنا في وجــه فيروس كورونا. ســطحياً، يبدو أن الإغلاق هو الحل المتوفر الأســاس )ليس مرغوباً فيه اقتصاديــاً(. ومؤخراً حدد وزير الاقتصاد عميــر بيرتس اصطــاح «نغلق ونعوض»، وهــو مخطط تبناه وزيــر المالية ورئيس الوزراء اللــذان فهما بأنه لا يجب الإغلاق إذا لــم يكن هنــاك تعويض. فالفشــل المدوي للإغــاق الأول والارتفــا­ع الكبيــر في الإصابــة بالمــرض ينبعان مــن انعدام الموقف من اليوم التالي. صحيح أن دولة إسرائيل بطلة العالم في الارتجال، ولكنها سياســة تكون في طالحنا غير مرة. فقد أدير الإغلاق الأول بلا اســتراتيج­ية خروج مرتبة، وإذا كانت بالصدفــة، فواضــح أن الخــروج من الإغــاق لم تتــم إدارته بموجبهــا. وكانت نتيجــة الارتجال في الخــروج من الإغلاق هي الســبب في الإغلاق الثاني، الذي كانت كلفته الاقتصادية رهيبة، وقد تؤدي إلى انهيار تام لكثير من المواطنين والأعمال التجارية. في النهاية، ســيأتي اليوم الأفظــع الذي تنتهي فيه مقدرات التعويض في مالية الدولة أو كبديل- نعود 50 سنة إلــى الوراء من ناحية جهاز التعليــم وباقي الخدمات المتطورة التي تقدم للمواطن الإسرائيلي. ببساطة، لأن المال سينتهي.

لقد قررت حكومة إســرائيل الإغــاق الثاني، ولكن -ومرة أخرى- دون بحث معمق وجدي وإعداد مخطط قابل للتنفيذ في اليــوم التالي. دون إعداد مخطط كهذا مســبقاً، فلن يكون الإغــاق الحالــي إلا مقدمــة للإغــاق الثالــث الذي ســتكون أضراره أكبر من كل ســابقيه. إذن، يا وزراء الحكومة تذكروا: لا تغلقوا إن لم تعرفوا كيف ستفتحون.

معاريف 2020/9/30

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom