Al-Quds Al-Arabi

«واشنطن بوست»: مليار دولار فقط للسودان مقابل التطبيع مع إسرائيل على شكل استثمارات ووقود

- لندن - «القدس العربي» من إبراهيم درويش:

نشــرت صحيفة «واشنطن بوست» تقريراً أعده ماكس بيرك ونبأ محيي الدين، عن تعثر جهود الولايات المتحدة لدفع السودان للاعتراف بإسرائيل بشكل أدخل الخرطوم في وضع صعب. أشارا فيه إلى المحادثات التي أجراها المســؤولو­ن الأمريكيون مع الســودان على أمل إضافته لقائمة الدول التي طبعت علاقاتها مع إســرائيل، فيما قالــت إدارة الرئيس دونالد ترامب إنها جزء من عملية التسوية السلمية في الشرق الأوسط.

مليار فقط

إلا أن المحادثات توقفت بشكل خفف من زخم النجاحات الدبلوماسي­ة في مرحلة ما قبل الانتخابات الأمريكية. ويعمل السودان منذ أكثر من عام على شطب اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والذي منع البلد من استخدام النظــام المصرفي العالمي لأكثر من ثلاثة عقــود. وفي الاجتماع الذي عقد في أبو ظبي، قدم المسؤولون الأمريكيون التطبيع مع إسرائيل كجزء من صفقة لشطب السودان من قائمة الإرهاب الأمريكية. وحسب مسؤولين سودانيين مطلعين على المحادثــا­ت، فقد قالوا إنها تعثرت بســبب مخاوف المفاوضين السودانيين من التعجل للتطبيع مع إســرائيل بدون حزمة إنقاذ اقتصادي كافية لتحلية الصفقة وجعلها مقبولة. وكذا مخاوفهم من اضطرابات شعبية ضد الحكومة غير المنتخبة والتي تعاني من وضع صعب.

ونقلــت الصحيفة عن مســؤولين ســودانيين طلبوا عدم الكشــف عن هويتهم قولهــم إن الولايــات المتحدة والإمــارا­ت العربيــة المتحدة التي اســتضافت المحادثات وإســرائيل عرضت مليار دولار كمساعدات معظمها في مجال الوقود ووعود في اســتثمار وبدون عملة صعبة والتي يحتاجها السودان بشــكل ملح نظراً لانهيار العملة المحلية وزيادة معدلات التضخم. وطالب الجانب الســوداني بمبلغ ضعف المعروض كثمن للتطبيع. ورفضت وزارة الخارجية الســوداني­ة التعليــق على المحادثات وكذا المســؤولو­ن الإسرائيلي­ون.

وتعلق الصحيفة بأن التطبيع السوداني مع إسرائيل ليس جائزة كبيرة لواشــنطن أو تل أبيب نظراً لتراجع الدور الســوداني فــي العالم العربي مقارنة مع التطبيع مع الســعودية الذي تعتبره الولايات المتحدة أمرا مهما وتسعى لتحقيقه.

لكن توقيع الخرطوم اتفاقية تطبيع مهم من الناحية الرمزية وعلامة على التغير، ففي فترة حكم عمر البشير كان السودان عدواً لإسرائيل، فيما تعتبر القضية الفلســطين­ية متجذرة داخل المجتمع الســوداني. وتقول الصحيفة إن البشــير دعم وأرسل أســلحة إلى منظمة التحرير الفلسطينية وحماس وغيرهمــا من المنظمات، مما قاد إســرائيل للضغط علــى الولايات المتحدة لوضع اسم السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب.

وعاش زعيم القاعدة أســامة بن لادن عدداً من الســنوات في السودان وعمل فيه بشــكل حر. وبدأت الولايــات المتحدة بتخفيــف العقوبات عن الســودان بعد قطعــه العلاقات مع إيــران في 2016. وحاولت واشــنطن والخرطوم التعجيل بشــطب البلــد عن القائمة والاتفــاق على 335 مليون دولار أمريكــي كتعويضات لعائــات ضحايا تفجيري ســفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام عام 1998.

وكانت العملية تســير ببطء عندما أدخلت إدارة دونالد ترامب التطبيع إلى المعادلة. وقال مســؤول ســوداني بارز في الحكومة المدنية: «ربط رفع السودان عن قائمة الإرهاب بالتطبيع مع إسرائيل هو عملية ابتزاز حقيقي»

و»الولايات المتحدة تقوم بإضعاف الحكومة الانتقالية».

ويعتبر التطبيع مع إســرائيل موضوعاً حساســاً في السودان. وعندما زار وزيــر الخارجية مايك بومبيو الخرطوم الشــهر الماضي، تجاهل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك دعوات المســؤول الأمريكي للتطبيع مع إســرائيل مبررًا أن حكومته ليس لديها تفويض شعبي لاتخاذ خطوة كهذه.

ويقول كاميرون هدسون، الزميل في المجلس الأطلنطي والمبعوث السابق للســودان: «كل شيء تغير في الســودان بعد توقيع الإمارات اتفاقيتها مع إسرائيل» و«حتى هذه النقطة كان كل شيء يسير بطريقة منظمة للسودان وشــطبه من القائمة» و«تم تحديــد العملية، وكان الســودان يعمل جهده لتنفيذ المتطلبات» و«لكن التطبيع مع إســرائيل موضــوع مثير للجدل ولم تتم مناقشته بشكل كامل داخل المؤسسة السياسية الرئيسية في السودان» و«لولا الولايات المتحدة لما كان هذا الموضوع محلاً للنقاش العام».

تأثير أمريكي كبير

وتقــول الصحيفــة إن الخارجيــة الأمريكيــ­ة تملك تأثيــراً على مصير الســودان. ولدى بومبيو الصلاحية لشــطب الســودان عن قائمة الدول الراعية للإرهاب بشــكل يفرج عن مليارات الدولارات كمساعدات له بدون العودة إلى الكونغرس. وكان المفاوضون الســوداني­ون يأملون بالحصول على أكثر من اتفاق مع إسرائيل، وناقشوا أن بلدهم يحتاج إلى ملياري دولار إن لم يكن أكثر لمنع انهيــار اقتصادي محتوم. وقال مســؤول أمريكي على معرفة بالمفاوضات: «وقع المسؤولون الســوداني­ون في فخ المبالغة بتقدير قيمتهم ولم يعرفوا أن شــطبهم من قائمة الدول الراعية للإرهاب مفيد فقط لهم». وأضاف: «من المتوقع تضييعهم فرصة صفقة وســيواجهو­ن شروطا أصعب». وأقام حمدوك، وهو اقتصادي، مصداقيته على شــطب الســودان

من قائمة الدول الراعيــة للإرهاب ومنع انهيار اقتصادي. ولكن التطبيع مع إسرائيل قد يهدد الخطوات الأخرى التي حققها مثل توقيع اتفاقية تاريخية مع قادة المعارضة المسلحة.

وقال ياســر عرمان، نائب رئيس الحركة الشــعبية لتحرير السودان - فرع الشــمال: «لا أعتقد أن موضوع السودان سيحل بدون إجماع». و«ربما خلق انقســاما بين الحكومة الانتقالية والرأي العــام، ونحن نتطلع لنقاش شــريف يقوم على مصالح الســودان بدون اســتقطاب أو اتهامات ». وقبل الأردن ومصر، فشلت كل محاولات التطبيع مع إسرائيل حتى قرار الإمارات والبحريــن أخيرا. ويرى جيفــري فيلتمان من معهد بروكينغز والمســؤول الســابق في الخارجية: «لا أحــد يريد تكرارا لاتفاقية الســام اللبنانية - الإســرائي­لية عام 1983 التي وقعتها حكومة بدون شرعية وانهارت بعد أقل من عام .»

وحتى لو قبل الســودان التطبيع مع إسرائيل، فستظل هناك عقبة أخرى أمامــه للعودة إلى المجتمــع الدولي. فبيــد الكونغرس القــرار الذي يعيد الحصانة الســيادية للســودان، ويعني حمايته من ملاحقات قانونية في الولايات المتحدة، مثل عائلات ضحايا ‪/11. 9‬وخســر الســودان الحصانة عندمــا وضع علــى قائمة الــدول الراعية للإرهاب. ويشــك المســؤولو­ن الأمريكيون والســودان­يون بالتوصل إلى صفقة قبل الانتخابات الأمريكية، مما يعني بقاء السودان ولشهور على القائمة.

وبالنســبة للذين عملوا على تخليص الســودان من هذا التصنيف، فإن النكســة مدمرة. ويقول إيهاب عثمان، رئيس المجلس التجاري الأمريكي - السوداني : «حاولت الحكومة السودانية الجديدة الوفاء بمتطلبات الشطب وذهبت أبعد مما هو مطلوب» و«لا أحد يشــك اليوم أن الحكومة السودانية قد تغيرت بشــكل جذري، وتتطلع لأن تكون شريكاً مسؤولاً وموثوقاً به في المجتمع الدولي .»

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom