Al-Quds Al-Arabi

اتفاق تركي يوناني على «آلية لفض النزاع» شرق المتوسط وخلافات أوروبية حول فرض عقوبات على أنقرة

- إسطنبول «القدس العربي» من إسماعيل جمال:

عقب سلســلة من جلســات المباحثات على المســتوى العســكري فــي إطار حلف شــمال الأطلســي الناتــو، اتفقــت تركيــا واليونــان علــى تأســيس آليــة لفــض النزاع فــي خطوة لتقليــل خطر وقــوع حوادث بحريــة أو جوية بين البلدين في بحر إيجه وشــرق المتوســط، في حــن تصاعدت الخلافــات داخل الاتحاد الأوروبــي حــول الطلــب اليونانــي القبرصي بفــرض عقوبــات على تركيــا في القمــة التي انطلقت الخميس ومن المقرر أن تختتم أعمالها الجمعــة بقــرار حــول الخطــوات المقبلة تجاه تركيا.

والخميــس، أعلــن الناتــو عن تشــكيل آلية حول أساليب فض النزاع بين تركيا واليونان بخصوص شرقي البحر المتوسط. وقال بيان صادر عن الحلف: «نتيجة لسلســلة مباحثات فنيــة بــن الوفديــن العســكريي­ن التركــي واليوناني، تأسست آلية ثنائية لأساليب فض النزاع اعتبــاراً من الأول من أكتوبر/ تشــرين الأول»، حيــث تهدف الآلية إلى خفض مخاطر وقوع حــوادث غير مرغــوب بها بــن البلدين في شــرقي المتوسط، فيما ســيتم إنشاء خط اتصــال لتســهيل الفصــل بــن الجانبين في البحر والجو.

ونقل البيان عــن الأمين العام للحلف، ينس ســتولتنبر­غ، ترحيبه بتشــكيل الآليــة، قائلاً: «أصبحــت هــذه الآلية ممكنة بفضــل الجهود البناءة لحليفين مهمين في الناتو»، مشيراً إلى أن هذه الآلية الأمنية يمكن أن تساعد في خلق مســاحة للجهود الدبلوماسـ­ـية التي ستبحث القضايــا الأساســية للخلافــات، مضيفــاً: «مســتعدون لتطويرهــا أكثر، وســنبقى على تواصل مع البلدين الحليفين».

وتعنــي آليــة تجنــب المواجهــة باللغــة العســكرية إقامة خطوط اتصال بين الجيوش المتنافســ­ة فــي الميــدان نفســه مثلمــا فعلــت الولايات المتحدة مع روسيا في سوريا. وأحد الدوافع وراء المحادثات التي جرت بمقر حلف شــمال الأطلســي وقــوع تصــادم طفيف بين فرقاطتــن تركية ويونانية وزيــادة المناورات العســكرية من جانب القوات البحرية للبلدين في البحر المتوسط.

وطــوال الأســابيع الماضية حشــدت تركيا واليونــان ســفنهما الحربية في شــرق البحر المتوســط، وأطلق الجانبان تهديدات متبادلة وصلــت حــد التلويــح باســتخدام القــوة العســكرية، إلى جانب فرنســا التي أرســلت طائــرات وســفناً حربية ولوحــت بالقوة ضد تركيــا، قبــل أن تعــود كافــة الأطــراف للغــة الدبلوماسـ­ـية مجدداً بضغط مــن الناتو حيث وجد الحلف نفســه أمام اســتحقاق تاريخي بضــرورة تفــادي أزمــة يمكن أن تتحــول إلى مواجهــة عســكرية كارثيــة بــن عضوين من الحلف. وفي هذا الإطار، ضغطت قيادة الحلف بقوة علــى الجانبين التركي واليوناني وبعيداً عن تســجيل نقاط أو الدخول في أحاديث عن تراجع طرف على حســاب آخر، ارتكز التحرك على قيام الجانبين بخطوات متبادلة وسريعة لتخفيــف التوتــر ومنع أي احتمــال لحصول مواجهــة عســكرية بــن الجانبــن. وعلــى مدار الأيــام الماضيــة، عقد ممثلون عــن تركيا واليونــان داخــل المقــر الرئيســي للحلف في بروكسل، سلسلة اجتماعات متتالية اعتبرت بمثابــة «اجتماعــات تقنيــة» مــن قبــل خبراء عســكريين وتهدف بدرجة أساسية إلى وضع آليات لفض الاشــتباك وضمــان عدم حصول أي احتكاك ربما يتطور على مواجهة عسكرية وهو ما نتج عنه تخفيف التحركات العسكرية وتقليل انتشار الطائرات والسفن الحربية في المناطق المتنازع عليها.

وإلــى جانــب المباحثــا­ت العســكرية التي كانــت تهدف فقط لعدم حصول اشــتباك بين الجانبــن، كانــت ألمانيــا تعمل علــى محاولة التأســيس لمفاوضــات تتنــاول أصــل النزاع وإعــادة طرفي النــزاع إلى المباحثــا­ت التقنية والسياســي­ة التــي تهدف إلــى بحث الخلاف على الحــدود البحرية والمناطــق الاقتصادية الخالصــة والجــرف القــاري، فــي محاولــة لإنهــاء جــذور الخــاف، وهو مــا نتــج عنها اتفاق آخــر ينص على اســتئناف المفاوضات الاستكشــا­فية بين تركيا واليونــان والمتوقفة منذ نحو 4 سنوات.

هــذا التقــدم عــزز الاعتقــاد بتراجع فرص فــرض عقوبــات أوروبيــة علــى تركيــا فــي القمة المنعقدة في بروكســل علــى مدار يومي الخميس والجمعــة، إلا أن القمة التي اختتمت يومهــا الأول شــهدت خلافــات حــادة بــن الأعضــاء في ظــل مطالبــة اليونــان وقبرص بضرورة فرض عقوبــات على تركيا والتلويح بمعارضــة مســاعي الاتحاد بفــرض عقوبات على بيلاروسيا.

واســتغلت قبــرص، أصغــر دول الاتحــاد الأوروبــي، ميزة الفيتــو التي تتمتــع به كافة الــدول الأعضــاء للتلويــح باســتخدام­ه ضد قرار فــرض عقوبات علــى بيلاروســي­ا إذا لم يتم فــرض عقوبات على تركيا بســبب التوتر في شــرق المتوســط. حيث يتم تمرير قرارات الاتحاد الأوروبي بالإجماع.

وبينمــا تؤيــد اليونــان وقبرص وفرنســا ودول أخــرى بالاتحــاد فرض عقوبــات على تركيا، ترجح ألمانيا كبرى دول الاتحاد إعطاء فرصة أكبر للمفاوضات بين البلدين، لا سيما عقــب التقدم الذي جرى التوصــل إليه لتعزيز التواصل العســكري في إطــار الناتو وإجراء المفاوضات الثنائية الاستكشــا­فية مع تراجع التوتر في شرق المتوسط.

وعلــى هامــش القمــة، قالــت المستشــار­ة الألمانية، أنغيلا ميــركل، إن للاتحاد الأوروبي مصلحــة كبيرة فــي تطويــر علاقة بنــاءة مع تركيــا، وأضافــت: «رغــم كل الصعوبات فإن الاتحــاد الأوروبــي لديــه مصلحــة كبيرة في تطويــر علاقة بناءة مــع تركيا، نحن شــركاء فــي الناتو، نعتمد على بعضنــا البعض عندما يتعلق الأمر بالهجرة النظامية»، مشــددةً على أهميــة الدبلوماسـ­ـية فــي حــل النزاع شــرق المتوسط.

إلــى ذلــك، قالت أورســولا فون ديــر لاين، رئيســة المفوضية الأوروبية: «هناك احتمالان فــي العلاقات بين الاتحــاد الأوروبي وتركيا، إما تصعيد التوترات ولا نريد ذلك، أو خفضها والتحــرك نحو علاقة بنــاءة وهذا مــا نريده. في كلتــا الحالتين لدينــا أيضاً خيــارات أمام القــادة.» ورغم خطاب الاتحــاد المعتدل تجاه تركيــا، واصــل الرئيس التركــي هجومه على أوروبا، وقال اردوغان في كلمة أمام البرلمان، الخميــس: «الاتحــاد الأوروبــي بخضوعــه لليونــان وقبــرص الروميــة تحول إلــى كيان ضحــل وغير فعــال وبلا أفــق»، مضيفــاً: «لا توجــد أزمة واحدة فــي منطقتنا جــرى حلها بمبــادرة مــن الاتحــاد الأوروبــي، بــل علــى العكس فــإن كل أزمة تدخل فيها الاتحاد تكبر وتكتسب أبعاداً جديدة.»

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom