Al-Quds Al-Arabi

تييري ميسان: ما وراء فيروس كورونا؟

- ٭ كاتب جزائري

يرتبط اســم تييــري ميســان )1957( الصحافي الفرنسي الشهير، بالتحقيقات في هجمات 11 سبتمبر/ أيلــول 2001؛ الهجمــات الإرهابيــ­ة التــي اجتاحت رمزي القوة والاقتصاد للولايــات المتحدة الأمريكية، البنتاغون ومركز التّجارة العالمي، حيث قام بتحقيقٍ، في غايــة الأهمية، حول هذه الهجمــات، واصفا إياها بأنها «خديعة وكذبة» و«لعبة تضليل كبرى» من طرف المحافظين الجدد، لتثبيت مشــروعهم المسمى بـ«القرن الأمريكي الجديد» القائم علــى عقيدة التدمير وإعادة البنــاء «الفوضى الخلاقــة» (كوندليــزا رايس( في كتابيــه، الأول «الخديعة الكبرى» ثمّ في كتابه الثّاني، الذي جاء تتمة للأول بعنوان: «الكذبة الكبرى، المجلد رقم 2، التّلاعب والمعلومات المضللة »؛ أدّى هذا التحقيق - الذي توصل إلى معلومــات خطيرة تخالف الرواية الرســمية- وغيره، في عالم أمريكــي لا يقبل إلا رأيه فقط، «من لم يكن معنا فهو ضدنا» إلى محاصرة كل من يخرج عن السّــياق المسموح به، لذا، تمّ التّضييق على ميسان، ومقاطعته من طرف الإعلام وملاحقته؛ إذْ غدا والحال هذه، كالمنبوذ وســط قومه، كيف لا، وهو الذي أغضب السّــيد الأمريكي في البيــت الأبيض، وأحرج القاطن في الإليزيه.

يمتاز أسلوب تييري ميسان في التحقيق، بالتحري الدقيق عن المعلومة وتحليلهــا، ومن ثمّ ربطها بوقائع ماضية مشابهة، لكي يخرج بنتيجة، قد تساعد الملاحظ على الوصول إلى الحقيقة، هذا ما جعل تحقيقاته حول فيروس كورونا تحدث صدى، وذلك بإثارتها لأســئلة كانت مكبوتة، وبقدرتها على فتح القمقم، الذي أريد له أن يبقى مغلقا، كي لا تنفضــح ألاعيب النخب الحاكمة في الغــرب؛ فيســتمر تلاعبها بالعقول، وســيطرتها على الشــعوب، وتدميرها للأوطان. يمكن الإشارة هنا إلى أنّ ميســان اعتبر أن فيروس كورونا، سواء أكان طبيعيا أم مختلقا، فإنه قد قدّم فرصة ذهبية «لمجموعة عابرة للحدود» حتى تنفذ أجنداتها السياسية، بدون أن يكون للشــعوب رأي في ذلك، لأنها تعيش في ذعر ليس له مثيل.

فيروس كورونا: تنبؤات خاطئة

لقد قدّم ميسان العديد من المساهمات المهمة في هذه الأيام، من خلال «شبكة فولتير» على شكل مقالات حول فيروس كورونا المســتجد، لعل أبرزهــا مقال «كوفيد 19- نيل فيرغسون، ليســنكو الليبرالي» يوضح فيه كيفية «تطويــر التّنبؤات الإحصائية المخيفة حول عدد الوفيات» التي تســببت فيها أوبئة مشــابهة، كالحمى القلاعية، وجنون البقر، وأنفلونزا الطيور، أثبتت هذه التنبؤات في ما بعد كذب أصحابها، وعدم مصداقيتهم، فقد قدّر البروفيسور «المشــعوذ» نيل فيرغسون، على حد وصفــه، أن جنــون البقر قد «يقتل زهــاء 50 ألف مواطــن بريطاني» أمــا إذا انتقل المــرض إلى الأغنام فقد يصل إلى «150 ألفا آخريــن» إلا أن عدد الضحايا، في الأخيــر، وصل إلى 177 فقط، كما قــدّر أنّ أنفلونزا الطيور «ســتقتل حوالي 65000 بريطاني، وما حصل هو 457 فقط .»

إنّ الهدف الذي يســعى إليه مثل هذا البروفيسور، من خلال نشر الذعر والخوف بتضخيم أرقام الضحايا، حســب ميسان، هو «تبرير سياســات ليبراليّة مطبّقة علــى الصّحة العامــة» بالإضافة إلى ذلــك، وهذا هو الأهم، «حرمان شــعوب برمتها من الحريّة»؛ فالقضية الأساسية على ما يبدو تتلخص في كلمة الحريّة.

كوفيد ـ 19 والفجر الأحمر 1 ـ السيطرة على المجتمع

ينتقد تييري ميسان في مقاله «كوفيد- 19 والفجر الأحمــر» إجراءات الحجر العام التــي اعتمدتها أغلب دول العالم؛ فدخل النّاس في حالة من الخوف والهلع، جعلتهم يقبلون التنازل عن حريتهــم، أو التّخلي عن إبداء أي «حسٍّ نقديٍّ تجاه هذا القرار الغبيّ» حســب وصف ميســان، الذي قد يتســبب في ظهور أزمات لا تقل خطورة عن الوباء نفســه في المســتقبل القريب، كأزمة الغذاء على ســبيل المثال، التي قد تكون مقدمة، لا محالــة، للفوضى واللااســت­قرار، في هــذا الصدد يســتحضر التاريخ لكي يدعم اســتنتاجا­ته، فيقول: «تاريخيــا، جميع الأوبئــة الكبرى التــي قضت على الاقتصادات الوطنية، أعقبها تقريبا العديد من عمليات الإطاحة بالسلطات التنفيذية» ليخلص بعدها مباشرة إلى أن وباء كورونا المســتجد لن يكون الاستثناء في هذه القاعدة.

وفي خضم انتقاده لاســتراتي­جية محاربة الوباء، التي اعتمدتهــا أغلبية دول العالم، يقرر ميســان أنّه عكف على كتــب تاريخ الأوبئة، قــراءة وتحليلا، فلم يجــد فيها ما يدل على أنّه قد تمّ القضاء على وباءٍ بهذه الطريقة )الحجز العام( لافتــا النّظر إلى أنّ التّخطيط لهذا الإجــراء، كان في عهد إدارة جــورج بوش الابن بــن 2005 و2007، وذلك عندما درســت وزارة الدفاع الأمريكية في 2005 كيفية الاستعداد لصدّ هجوم إرهابي بيولوجي ضد القوات الأمريكيّة المتمركزة في الخارج، حيث اهتدت إلى طريقة يتمُّ من خلالها حجر الجنود في ثكناتهم «لذا كان عزل الجنود المرضى في المستشفيات، وحبس الأصحاء في الثّكنات خيارا منطقيا، بالمناسبة القواعد العسكرية الأمريكية هي مدن صغيرة، مصممة لفرض الحصار عليها، وإمكانية العيش فيها مدة شهور من دون مشكلة». وأضاف ميسان أنّ دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي آنــذاك أراد تعميم فكرة الحجر على الجنــود والمدنيين، لأنّه كان، فــي الواقع، «ينوي تغيير المجتمــع بحيث يختفــي التّمييز بــن المدنيين والعسكريين» فتكون النتيجة النهائية هي: «الاستيلاء على الجميع للحرب الشّــاملة علــى الإرهاب». غير أنّ هذه الفكرة لم تلق إجماعا، فقد رفضها بعض الأطباء، كالبروفيسـ­ـور دونالد هندرســون، الذي كان يرى أنّ «وضــع جميع الســكان تحت الإقامــة الجبرية، ليس لها أي معنى طبي، وتنتهك الحريّات الأساســّية، وهي ليست، لا أكثر ولا أقل، من انحراف استبدادي للإدارة، التي أصدرت بالمناسبة قانون «الباتريوت أكت» خلال هجمات 11 سبتمبر». للإشــارة هنا، فقد رفض دونالد ترامب هذه الإجراء السّلطوي بمبرر «الحرية للجميع» ولعل الرّفض هنا لم يكن مقصده الرئيسي هو الخوف على حرية النّاس، كما قد يتبــادر إلى أذهان البعض، فعلاقة ترامب بالحرية معروفة، إنما بسبب الخوف من آثار الإغلاق على عالم الاقتصاد والمال.

2 ـ الفجر الأحمر

يشــير هذا الاســم إلى مجموعة من الشخصيات، التي تقوم أيديولوجيا­تهــا على العداء للصين «الصين أعلنت الحرب علينــا، ولن نتمكن من حماية أنفســنا إلا مــن خلال حبس جميــع المدنيين فــي منازلهم» كما يحيل من جهة أخرى إلى العملية غير المعروفة من قبل وزير الدفاع الأمريكي كاســبار وينبرغ، في ثمانينيات القرن الماضــي، أراد مــن خلالها طلب المســاعدة من حلفاء الولايــات المتحدة لمواجهة غزو وشــيك عليها، وفق ســيناريو معد شــبيه بأفلام هوليوود، ومع أنّ الاســم «الفجر الأحمر» له علاقة بالصراع مع الاتحاد الســوفييت­ي، واليوم لا يوجد هذا الاتحــاد؛ فقد حكم عليه التاريخ بالانهيار، منذ سقوط جدار برلين )1989) وبدايــة تفكك دويلاتــه )1991( غيــر أنّ اختيار هذه المجموعة الطبية اسم «الفجر الأحمر» لم يكن اعتباطا، لاسيما بعد معرفة البعض من أعضائها أنتوني فوسي مدير المعهد الوطني للحساســية والأمــراض المعدية، وروبرت ريدفيلد مدير مراكز الســيطرة على الأمراض والوقاية منها، بالإضافة إلى كارتر مشــير وريتشارد هاشــيت، اللذين فرضا قواعد الحبس العسكري على المدنيين إبان إدارة بوش.

من ثمّ، يتجلى ســبب إطلاق الإدارة الأمريكية على كورونا اســم «الفيــروس الصّيني» وتظهــر النّوايا الحقيقيــة للهجوم المتصاعد من الغــرب تجاه الصّين، ومطالبتهــ­ا بالتعويضات المالية، كتكفيــرٍ عن الذنب، جرّاء الخسائر من إغلاق الشــركات، وإقفال المطارات والموانئ، بســبب عــدم شــفافية الصــن وتزييفها للمعلومــا­ت، بشــأن تعاملها مع فيــروس كورونا، ما أدى، فــي الأخير، إلى تفشــيه في أغلــب دول العالم، بعبارة أخرى أكثر وضوحا، أنّ «الحزب الشــيوعي لا يزال يحكم في الصّين» وعملية «الفجر الأحمر» ما زالت عملية غير معروفة، بالتالي، فهي في حاجة إلى تجسيد على أرض الواقع. غير أنّ السّــؤال الذي يبرز هنا هو: هل يشــهد العالم حربا بين الغــرب والصّين في مقبل الأيام؟ أم أنّ الصّين سترضخ للغرب، وتقدم تعويضات مالية؟

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom