Al-Quds Al-Arabi

«حزب الله» في «زووم الأمم المتحدة»: حرب إسرائيلية واعية أم كلمة سر غبية لعالم يسأل «ماذا يريد نتنياهو»؟

- أليكس فيشمان

فجأة، في ذروة أزمة لم يشــهد لها مثيل، تنزل علينا من السماء، أو للدقــة من «زووم الأمم المتحدة»، قصة عن مخزن صواريخ حزب الله. لا يدور الحديــث عن مصنع لدقة الصواريــخ، بل عن مخزن آخر، مهمــا كان مهماً، نفترض بأنه موجود في بيروت منذ ســنين. وقد ســوقت هــذه القصة وهي مغلفــة ببطانــات ترافقها خرائط ورســومات تنير العيون تناقلتها الأيدي بعد كشــف الأمم المتحدة في وسائل الإعلام الإســرائي­لية والدولية. وكأن أحداً ما جلس في القدس وقرر بأن حــان الوقت لصرف بعض الانتبــاه عن أضرار كورونا التي لا نعــرف كيف نواجهها ونهرب إلــى المنطقة المريحة المتعلقة بـ «العرب الأشــرار». نعم، نحن جيــدون في هذا. ويكفي أن نطلق الخليط الفتاك للكلمات الســرية «إيران»، و»حزب الله»، و»الصواريخ الدقيقة»، كي نبتــز قطرات التضامن الأخيرة التي لا تزال لدى الجمهور.

إن تغليف المنتج وتوقيت النشر شــرعيان بل وحيويان أيضاً. المشــكلة هي أن مقدم العرض فقد مصداقيتــه. عندما يروي رئيس الوزراء للعالم بأن بيروت تجلس علــى براميل بارود دفنها حزب الله تحته، يبدأ الناس يســألون أنفسهم على الفور: ما الذي يريده من وراء هذا. كيف تســاعده هذه الحملة على الخروج من الورطة الجنائية أو على الأقل من الاتهامات التي تحوم حول أدائه الفاشل في إدارة أزمة كورونا؟

لم يخلق نتنياهو حملة الوعي ضد حــزب الله، ولكنه ينخرط فيها بســرور. حرب الوعي هــذه أطلقها رئيس الأركان الســابق غادي آيزنكوت قبل أكثر من ســنتين، عندما نشــر الجيش بشكل غير مســبوق نحو مئتي موقع داخل القرى في جنوب لبنان، حيث يخزن حزب الله الصواريخ. وبالتوازي، عرض رئيس الوزراء في حينه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة خريطة لمخزن صواريخ تابع لحزب الله قرب المطار في بيروت. ولما كان الجيش الإسرائيلي يمتنع عن هجمات مباشــرة في لبنان كي لا يشعل معركة عسكرية أخرى، فإنه يركز على محاولة إقناع الرأي العام في لبنان بأن حزب الله ليس درعاً للبنان بل مخربــه. فحزب الله يحاول بناء مصانع لتدقيق الصواريخ موجودة تحت الأرض في لبنان في ظل الاستناد إلى امتناع إســرائيل عن هجوم صاخب على أهــداف فوق أرضه. مــن الصعب قياس إنجازات حرب الوعــي التي هي جزء من حرب الظلال. حالياً، قدرة إنتاج الصواريــخ الدقيقة في لبنان محدودة جداً.

في بداية الســنة، تلقت مســألة الصواريخ الدقيقــة انعطافة عندما بدأ برج الأوراق الذي يسمى دولة لبنان بالتفكك، اقتصادياً واجتماعيــ­اً. والرمز المركزي لأفول لبنــان كان الانفجار الكبير في بدايــة آب. لقد انهارت محاولتان لتشــكيل حكومــة جديدة ترمم الدولة، وبات لبنان على شــفا الفوضى. ولإســرائي­ل الآن جانبان من الحدود عديما السيادة أصبحا أرضاً سائبة لميليشيات مسلحة: جنوب لبنان وهضبة الجولان. هذه وصلة للتدهور العسكري. إذا حقق حزب الله معادلة الانتقام على قتل واحد من رجاله في دمشق في تموز هذه السنة، قد تكون هذه هي الشرارة التي تشعل مثل هذه المواجهة. منذ الانفجار في بيروت وإســرائيل تبــذل جهداً إعلامياً مركزاً لخلق شرعية دولية للمخططات الحربية التي أعدتها. إذ إنه في اليوم الذي ستنشب فيه المواجهة في لبنان ستقف إسرائيل أمام الحاجة لشرح ســبب مهاجمة مناطق مأهولة في جنوب لبنان، في البقــاع وبيروت )حيث يوجد حزب اللــه(. حرب الوعي هي طرف الجبل الجليدي للاستعدادا­ت التي تقوم بها إسرائيل اليوم لوضع تتدهور فيه الحدود الشــمالية إلى الحرب. وعليه، فإن الرســالة الإسرائيلي­ة للعالم يجب أن تكون مصداقة فتوضح أن لا بديل آخر. غير أن المصداقية هي أيضاً موضوع يتعلق بمقدم العرض.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom