الفصل التعسفي للتلاميذ الفلسطينيين في لبنان
قامت الســلطات اللبنانية مؤخراً، ومع بداية العام الدراســي الجديد، كما ذكر بمصادر إعلامية وبمواقع التواصــل الاجتماعي للمؤسســات المجتمــع المدني، بفصل عدة آلاف من التلاميذ الفلسطينيين، الُمسجلين في المدارس اللبنانية، وعدم قبول أي طالب فلسطيني جديد.
الأســباب الحقيقية لذلك لم تُعلن بشــكل واضح، ولكن النتائج ســتكون كارثية على هــؤلاء التلاميذ وعلــى عائلاتهم في زمــن الكورونــا، حيث يتوجب عليهــم، الالتحاق في مدارس أخــرى، وهي في معظم الأحيان، إن وُجدت، تبعد مســافات طويلة عن أماكن ســكنهم، وتفرض على هؤلاء التلاميــذ الصغار، أن يفترقوا عن مدارسهم، ورفاقهم، وأساتذتهم.
السياسة التمييزية
مــا هو ظاهــر للوهلــة الأولــى للعيــان، أن هذه السياســة التمييزيــة، والتي تحمل شــعار اللبناني أولاً، مع أن الفلســطينيين متواجــدون هناك منذ أكثر من ســبعين عاماً، تهدف إلى التجــاوب مع زيادة عدد الطلبــة اللبنانيين، بعد تدهور الوضــع المالي، لعديد من أهالــي التلاميذ اللبنانيين المســجلين في المدارس الخاصــة، وهو ما دفعهــم إلى البحــث للالتحاق في المدارس اللبنانية المكتظة. طرد التلميذ الفلســطيني، كان إذاً الحل السهل لهذه الإشكالية.
ما يُظهر بشــاعة هكذا قــرار، هي تلــك التفاصيل العنصريــة التــي يحتويها، فهو يقســم التلاميذ إلى ثلاثة أنــواع، أولاً، اللبناني أباً، ثانيــاً، التلميذ الذي لــه أم لبنانيــة وأب فلســطيني، وأخيــراً، التلميذ الفلسطيني أباً وأماً، وإعطاء الأولوية طبعاً، بناء على هذا التسلسل.
نظام طائفي
الآن لــو وضعنا هذه السياســة الجديــدة، بإطار السياســة الرســمية اللبنانية، منذ عشرات السنين، فإننا لن نســتغرب من شيء، فالفلســطيني بلبنان، ضحية نظــام طائفي، يُطبق عليــه قوانين تمنعه من العمــل، في المؤسســات اللبنانية بمجــالات عديدة، مثل الطب والهندســة وعشرات المهن الأخرى، وحتى بالتملــك والتوريث هــو الضحية الســهلة، والتي لا يدافع عنها أحد.
في هذه الفترة الصعبة على القضية الفلســطينية، حيث تم تقليص الخدمات الُمقدمة من الأنوروا للاجئين الفلسطينيين، خصوصاً في المجال التعليمي، واكتظاظ المــدارس التابعــة لها، وعــدم مقدرتها علــى تقديم الخدمات لكافة الطلبة، يُطرد التلميذ الفلســطيني من مدرســته، ويُترك على قارعة الطريــق، وكأن حقوق النــاس الإنســانية، لا تعني في شــيء، الســلطات اللبنانيــة، ولا حتى المؤسســات المهتمة في شــؤون اللاجئين. فصل اللبناني عن الفلســطيني، حتى على مقاعد الدراســة، يحتوي على هدف سياســي، وهو إبعاد اللبناني عن التفاعل مع القضية الفلســطينية، وإعطاؤه الانطباع أن مآســيه، هي بســبب الوجود الفلسطيني، وليس من فشل الإدارة اللبنانية المزمن، بحل مشاكل لبنان.
الفكــر الطائفي الســائد، يفصل الفلســطيني عن اللبنانــي، بمجالات العمــل والســكن والتعليم، ولا أستغرب أن هذا الفصل، قد يمتد أيضاً، داخل المكونات اللبنانيــة نفســها. نأمل مــن الحــراك الديمقراطي اللبنانــي، الداعي إلى إلغاء الطائفيــة، أن ينتبه إلى خطــورة تلك السياســة التعليمية المتبعــة، والتي لا تهدف إلا إلى إحكام السيطرة، على التلاميذ اللبنانيين أنفســهم، وتثبيت البُعد الطائفي، وهــو ما يتناقض تماماً مع أهداف هذا الحراك.
لا يمكن أن يكون طــرد التلميذ الفلســطيني حلاً، لمشــاكل نقص الأماكن في المــدارس اللبنانية، فقطع اليد، لن يحل أبداً مرض أحد الأصابع.