Al-Quds Al-Arabi

سنة على الحراك العراقي: ما الذي تغيّر؟

-

ســجّل يوم أمس مرور عام على بدء الانتفاضة العراقية التي فتحت صفحة سياســية جديدة في تاريخ البلاد، ورغم حصول أشكال سابقة من الاحتجاج على النظام الذي تشــكّل إثر الاجتياح الأمريكي للعراق وسقوط نظام الرئيس الأســبق صدام حســن، لكنّ الحراك العراقي الأخير يشكّل الإعلان الأوفى عن فشل النظام المذكور والأسس السياسية التي قام عليها.

فبعــد أن تمكن النظام الناشــئ من حلف موضوعي بــن الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، من كسر جذوة المقاومة التي قامت بعد نشوئه، كما استطاع امتصاص الحراك الذي شــمل أغلب المحافظات الســنيّة بالتزامن مع الثورات العربية عام 2011، باشتغال نوري المالكي، رئيس الحكومة آنذاك، على تحويله إلى صراع طائفيّ، ولعب، بالتنسيق مع نظام بشار الأسد المجاور، على تصعيد القوى السلفيّة المسلّحة لإنهاء الحراك الســلمي المدني، فساهم بشكل مقصود في صناعة تنظيم «الدولة الإســامية»، وكانت نتيجة الصراع المعروفة دمارا

وهلاكا شاملين للمناطق السنية، وظهور ميليشيات «الحشد الشعبي»، بحيث تضافر الفســاد المهول للطبقة السياســية الحاكمة، مع تآكل المنظومة الجامعة للدولة والشعب العراقيين.

جاء الحراك العراقــي للانقلاب على هذه الوضعيّة المأســاوي­ة للبلاد، مما ســاهم في ترميم الفكرة الوطنية بين أبناء الشــعب العراقي، وإعادة الاعتبار لمفاهيم النضال الســلمي والحراك الشــعبي العام بدل أشــكال القتال المسلّح الطائفية والتي يمكن للســلطات وللقوى الخارجية التلاعب بها، وهو ما أدخل الحراك في صراع مــع القوى المتنفذة داخــل الدولة العراقية، والميليشــ­يات الطائفية، ومع القوى الإقليمية الراعية للخراب والفساد والاستتباع.

حافظ الحراك العراقي على تماسك كبير وتمكن من امتصاص أنواع البطش الدمويّ المتكرر التي أدت لمقتل نحو 560 شــخصا، وعمليات خطف الناشــطين والناشــطا­ت، وعمليات التشــويه الإعلامي ضد المنتفضين، وتمكن من إسقاط حكومة عادل عبد المهدي التي كانت مســؤولة بشكل مباشــر عن عمليات قمع المتظاهريـ­ـن، وكل هذه دلائل على فاعليّة الحراك واتخاذه طابع العمل الوطني الشامل.

رغم تمثيل حكومة الكاظمي للطبقة السياســية نفســها، فــإن مجيئها كان كســرا للمعادلة الصفريّة التي تصرّ أنظمة الاســتبدا­د العربية على تكريسها في مواجهة أي تحركات شــعبية مناهضة لها. نعلــم طبعا أن حكومة الكاظمي محكومــة بالخيط الرفيع الواصل بين طهران وواشــنطن، ولا تســتطيع هذه الحكومة، بالتأكيــد، تنفيذ وعودها بملاحقة المتورطين في قتل مئات المحتجين، غير أن خط الاحتجاج، الذي ساهم انتشار وباء كورونا في حدّه كثيرا، سيبقى فاعلا ومؤثرا، فقد صنع تاريخاً مشــرّفا حتى الآن، وهو دليل على أن العراقيين قادرون على مواجهة الأعداء الكثيرين الذين يتربصون بأحلامهم ومســتقبل أبنائهم وبناتهم.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom