Al-Quds Al-Arabi

الحل السياسي في ليبيا وحسابات الربح والخسارة

-

التطــورات التي تجــري على الأرض بخصوص سير المفاوضات بين طرفي الصراع في ليبيا، تؤشر على وجود وتيرة سريعة للتوصل إلى حل سياســي، وأن تعدد مراكز إجراء الحوار، ســواء كان الأمر بالغردقة بمصر، أو ببوزنيقــة بالمغرب، أو ببرلين المتوقــع عقد لقاء بها في أول هذا الأســبوع، أو جنيف التــي يفترض أن يختتم بها الحــوار، أو ربما في تونس التي يمكن أن ينقل إليهــا حوار جنيف، بســبب اعتبارات صحية تتعلق بالوضعية الوبائية بسويسرا، هذه الأجندة المكثفة، فضلا عن تصريحات السراج التي هدد فيها بالاســتقا­لة، إن لم تنجح الأطراف في التوصل لحل سياســي قبل نهاية شــهر أكتوبر، كل ذلك يكشــف أن الأطراف الداخلية، والقوى الدولية والإقليمية، قد انتهت لتفاهمات يجري تنزيلها على الأرض.

والحقيقة أن التكهنات الكثيرة التي أضفيت على تأجيل محادثات بوزنيقة، كانت بعيدة عن الواقع، ســواء منها تلك التي تعتبر أن الســبب في ذلك يعود لتركيا، وكونها أرادت عرقلة الحوار، لما أيقنت أنه سيسير في غير مصلحتها، أو التي ادعت أن تأجيل المحادثات، كان بسبب اعتبارات لوجستية، تتعلق بزيارة وزير الخارجية المغربي لمالي، وعدم وجوده بالرباط.

والأنسب لتفسير تأجيل المحادثات أن الأمر كان يتوقف على مخرجات الحوار الذي أشرفت عليه الأمم المتحدة بالغردقة، والذي كان يصب في الموضوع الأمني والعســكري، وأنه لم يكن مناســبا أن تنطلق المحادثات السياسية التفصيلية في المناصب الســيادية الســبعة، دون أن يتم انتظار الأجــواء التي تمت فيها المحادثات الأمنية والعســكري­ة، والمخرجات التي خلصت إليها، وانه حالما ظهر الطابــع الإيجابي فيها، وتعريجه على القضايا الحساســة، وحصول تفاهمات مهمة حولهــا، بما في ذلك موضوع التنقل والمحتجزيـ­ـن وتأمين النفط وغيرها، فقد اتى الإعلان ببوزنيقة عن زمن توقيع الاتفاق ونوع التمثيلية التي ســتكون حاضــرة، إذ اتضح أن المقصــود بالاعتبارا­ت اللوجســتي­ة، هو حضور ممثلين وازنــن من الطرفين لتتويج الاتفاق، وان القبول وتأشــير الطرفين كان ينتظر نتائج اللقاء الأمني بالغردقة. الجانب الثاني من التكهنات، ارتبط بتقييم موقف تركيا، وأنها كانت الســبب في عرقلة هذا الحوار، وهو ما لا يتوافق مع معطيات الواقع، إذ اتضح أن الصراع الذي تديره تركيا بذكاء لتأمين مصالحها وحقوقها في شــرق المتوسط، ابتعد بشــكل كامل عن الملف الليبي، مباشرة عقب مهاتفة الرئيس الفرنســي أمانويل ماكرون للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إذ تم النقل الصراع مع تركيا إلى المربع الأذربيجان­ي لاســتنزاف تركيا وضرب ثقلها الاستراتيج­ي في المنطقة، حتى يصير عقلها الاستراتيج­ي معلقا بتأمين المكتسب والمحصل الاســترات­يجي وليس البحث عن مكتســب جديد في شرق المتوسط )الملف الليبــي(، فواضــح أن نقل الصراع مع تركيا من شــرق المتوســط إلى أذريبجان، جاء على خلفية تأمين التفاهمات التي تم إحرازها بين طرفي الصراع في ليبيا بموافقة القوى الإقليمية، بما في ذلك مصر وفرنســا الداعمتين لبرلمان طبــرق، وحكومة الوفاق المدعومة مــن قبل تركيا، وبما في ذلك أيضا روســيا نفســها التي يبدو أنها خرجت بتوافقات مهمة مع تركيا على طرفي الصراع في الملفين الليبي والســوري، وأن الجميع اتفق على تقديم ورقة حفتر ككبش فداء لتفاهم سياســي بين طرفي الصراع الليبي، يخفي توافقا اســتراتيج­يا دوليا وإقليميا على تأمين المصالح المشتركة بالمنطقة.

في المحصلة، ثمة ســؤالان مهمان يلزم طرحهما بهذا الصدد، وهو مســتقبل الحوار الليبي، وســؤال الرابح والخاسر من هذا الحوار السياسي الذي أوشك على أن يصل إلى مداه. أما الســؤال الأول، فأجندة الحــوار المتبقية هي المعنية بالجواب عنه، فلقاء الغردقة، سيفضي إن استمر النفس الإيجابي في التعاطي مع كل الملفات داخل اللجنة العسكرية المشتركة ‪+5، 5‬ إلى توحيد الأجهزة الأمنية والعسكرية والاتفاق على تأمين العاصمة الجديدة )سرت( وطي ملفات الماضي، وما يتطلبــه ذلك من المصالحة والإفــراج عن المحتجزين مــن الطرفين، وبناء نواة جيش ليبي وطني موحد، كما أن لقاء بوزنيقة ســينهي ملف المؤسســات الســيادية، بالاتفــاق على تســمية الذين سيشــغلونه­ا في المرحلــة القادمة، وأما لقاء برلين، فالمتوقع أن يتمم مســارات الحوار الســابق حول الدســتور ومؤسسات الحكم والإطار الانتقالي للســلطة، ليتم تتويج الحوار النهائي في جنيف أو تونس بوضع حد لصراع ألهب المنطقة وكاد أن يزعزع استقرارها.

وأما ســؤال المســتفيد من هذا الحوار، فالقطع أن ليبيا واستقرارها ووحدة ترابها هو المســتفيد الأول من ذلك، وأنه رغم التناقضات التي شكلتها الإرادات الإقليمية في المنطقة، فقد نجحت ليبيا في أن تتجنب مآل المسار السوري.

من جهة القوى الإقليمية، فالخاسر الأكبر هي دولة الإمارات التي وضعت كل بيضها في ســلة حفتر، فانتهى بها المطاف إلى القبــول بورقة صالح عقيلة، في حين ربحت تركيا كثيرا، بكونها حققت كل مطامحها في إقامة التوازن بين طرفي الصراع، وفي تأمين مصالحها في شرق المتوسط، وتقوية موقعها التفاوضي مع الاتحاد الأوروبي، وهزيمة فرنســا بعد أن عجزت في أن تجر الاتحاد الأوروبي لدعم اليونان لإشعال فتيل توترها مع تركيا.

مصر وروســيا، لم تكن خسارتهما بحجم خسارة الإمارات العربية المتحدة، وذلك بســبب فهمهما في آخــر المطاف لطبيعة المعادلة، واحتــراق ورقة حفتر، واضطرارها إلى اللعب ضمن المعادلة التي رســمتها تركيا، فاضطرت الدولتان معا للحوار مع تركيا، كل بطريقته، لتأمين حقوقهما ومصالحهما سواء في ليبيا كما هو الشأن بالنســبة إلى مصر، أو ليبيا وسوريا كما هو الشأن بالنسبة إلى روســيا. ثمة رابح آخر، هو المغــرب، الذي صمد طويلا لتثبيت شــرعية اتفاق الصخيــرات وكونه يمثــل المرجعية الأســاس للتوصل للحل السياســي، إذ رغم اســتبعاد الرباط في مؤتمر برلين، إلا أنها نجحت في أن تســتثمر أزمة كل الأطراف، للدعوة من جديد لحوار سياسي في بوزنيقة.

لا ينبغي أن ننسى أن ثمة رهانا فرنسيا حثيثا على أن يكون التوصل السريع للحل السياســي مقدمة لطرح جدوى الوجود التركي في ليبيا، وخوض معركة دبلوماسية ضدها، ومحاولة الطعن في شرعية الاتفاق الأمني والعسكري الذي أبرمته حكومة الوفاق، لكــن، هذا الرهان، كان من الممكن الاشــتغال عليه قبل التوصل إلى حل سياســي لا بعده، إذ الفشــل في تثبيت فعالية هذا الخيار من قبل، يرجح بدون شك فشله فيما بعد.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom