مصالحة الفصائل الفلسطينية تاريخية في مواجهة التحديات المصيرية
شكل اتفاق المصالحة بين حركتي «فتح» و«حماس» ومؤتمر الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية يوم الخميس، 3 أيلول/سبتمبر، عبر»الفيديو كونفرنس» بين بيروت ورام الله، خطوة هامة من أجل توحيد الموقف الفلسطيني فـي مـواجـهـة المخـاطـر التي تتعرض لها القضية وحالة الانهيار الشاملة التي تعيشها المنطقة والتي ترافقت مع تطبيع بعض الأنظمة العربية العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع الاحتلال الإسرائيلي. ويأتي هذا اللقاء، الأول من نوعه منذ ما يزيد عن 9 سنوات، في ظل تحديات كبرى داخلية وخارجية، من «صفقة القرن» ومشروع الضم والتطبيع، إلـى الانقسام المستمر والاعـتـداءات الإسرائيلية المتواصلة على الأراضــي الفلسطينية، وأزمــات المخيمات في الشتات، وتحديداً في لبنان وسوريا، مع تـأزم الأوضــاع الاقتصادية والصحية والاجتماعية.
ورغم الخلافات المتجذرة بين الحركتين الفلسطينيتين إلا أنهما اليوم أظهرتا رغبة )حسب البيانات والتصريحات( بأن تكون المصالحة جدية، تتجاوز كل العقبات من أجــل مواجهة المخـاطـر التي تتعرض لها القضية الفلسطينية بشكل عام، وتتعرض لها الحركتان بشكل خاص.
ويــأتــي اتــفــاق المـصـالحـة بــن «فـتـح» و«حـمـاس» في وقـت تــزداد فيه الأزمــات والانــتــكــاســات الـسـيـاسـيـة والأمــنــيــة والاجــتــمــاعــيــة الــتــي يعيشها الشعب الفلسطيني على امتداد وطنه وفـي دول الشتات، وبعد أن وصلت مسيرة التسوية مـع الاحـتـال إلــى طريق مـسـدود وأعلن الـرئـيـس محمود عـبـاس صـراحـة وبكل وضـوح، أن الحكومة الإسرائيلية لا تريد ولا تعمل من أجل السلام، مؤكدا أيضا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد راعية لعملية الـسـام فـي المنطقة وهــي طرف معادي لمصالح الشعب الفلسطيني، وتقف بشكل كامل إلى جانب الاحتلال ومشاريعه الاستيطانية وسياسته العدوانية.
وأمـــام المـــأزق الفلسطيني، كــان لابد من توجه الحركتين نحو الحــوار من أجل المصالحة وتعزيز الـعـاقـات المشتركة لمواجهة المخاطر التي تتعرض لها القضية الفلسطينية بشكل عام.
وفي رأي الكاتب والباحث الفلسطيني الدكتور مـروان الخطيب أن المصالحة بين الفصائل الفلسطينية كانت وما زالت هدفا وطنيا، لكل إنسان مخلص لوطنه وشعبه، ويأسف كل شريف، كلما اشتدت الخلافات بين الفصائل وأصبح العداء بينهما يفوق العداء مع الاحتلال الإسرائيلي.
ويؤكد الخطيب لـ«القدس العربي» أن الشعب الفلسطيني ذاق الأمـريـن بسبب الخــافــات والــصــراعــات الجـانـبـيـة بين الفصائل السياسية طيلة السنوات الماضية، موضحا أن الانقسام الذي شهدته الساحة الفلسطينية بين حركتي «فتح» و«حماس» جــاء فـي مرحلة أشــد خـطـورة فـي تاريخ القضية الفلسطينية.
وفـي الوقت التي عبرت فيه الفصائل الفلسطينية عن ارتياحها لنتائج مؤتمر الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية واتفاق المصالحة بين حركتي «فتح» و«حماس» إلا أنها طالبت بـأن تكون المصالحة شاملة، وأن تؤسس لوحدة وطنية تحدد برنامجا واضــحــا مــن أجـــل مـواجـهـة التحديات والمخـــاطـــر الــتــي تـتـعـرض لـهـا القضية الفلسطينية. واعتبر عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، علي فيصل، أن اجتماع الأمناء العامين يوم 3 أيلول/سبتمبر الماضي، واتفاق المصالحة، خطوة متقدمة من أجل إنهاء حالة الانقسام ووحدة الموقف الفلسطيني، وإذا ما أحسنّت الفصائل استثمار هذه الفرصة، سيشكل فعلاً وطنياً هاماً في مواجهة التحالف التطبيعي العربي-الصهيوني-الأمريكي الهادف إلى فرض «صفقة القرن» وخطة الضم.
وأوضــح فيصل لـ«القدس العربي» أنّ الجبهة الديمقراطية سعت، ولا تزال، عبر لقاءات عديدة مع مختلف الفصائل المشاركة، لإنجاح هذا الاجتماع والتوافق على برنامج وطني يمثل المشروع الوطني الفلسطيني الذي يقطع السياسة السابقة ويخرج من أوسلو، ويمهد لسياسة فلسطينية موحدة تهدف إلى مجابهة السياسة الأمريكية.
وحول فحوى هذه الاستراتيجية، أشار فيصل إلى أنها تستند على نقاط رئيسية، هي:
-1 تجميع عناصر القوة الفلسطينية وإطلاق عنان المقاومة الفلسطينية الشاملة بما فيها المسلحة.
-2 تـوسـيـع دائــــرة الـعـمـل الشعبي والحركة الشعبية الفلسطينية وصولاً إلى انتفاضة شعبية شاملة وعصيان وطني، ما يتطلب تشكيل قيادة وطنية موحدة لإدارة الانتفاضة.
3- الخـــروج مـن مـسـار أوسـلـو وفقاً لــقــرارات التحلل مـن جميع الاتفاقيات والالتزامات مع الاحتلال والولايات المتحدة الأمريكية.
4- توسيع أشكال المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الإسرائيلية.
5- مـقـاضـاة الاحــتــال الإسـرائـيـلـي ومحاكمته على جرائم الحرب المرتكبة بحق الفلسطينيين وجميع الشعوب.
6- تدويل القضية الفلسطينية والحقوق الوطنية الفلسطينية والعمل على الاعتراف بفلسطين دولـة كاملة العضوية في الأمم المتحدة.
-7 تـفـعـيـل دور حـــركـــة الـاجـئـن الفلسطينيين في الوطن والشتات والمهاجر البعيدة.
أمـا المحــور الثاني الــذي سيرتكز عليه اللقاء بحسب فيصل، فهو الخروج من دائرة الانقسام إلى الوحدة، وذلك عبر بناء شراكة حقيقية في مؤسسات منظمة التحرير من خــال دخـــول حركتي حـمـاس والجـهـاد الإسلامي في اللجنة التنفيذية للمنظمة، لكي تأخذ دورها الأساسي إلى جانب باقي الفصائل، مطالبا توحيد مؤسسات السلطة الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حتى لا يتعمق الانقسام.
ويتمثل المحور الثالث والأخير في دعوة كل الشعوب العربية لكي تتحرك إلى جانب الشعب الفلسطيني لمواجهة سياسة التطبيع التي كان آخرها تطبيع الإمــارات العربية ومملكة البحرين مع الاحتلال الإسرائيلي.
وأكد فيصل أن نجاح مساعي المصالحة بين الفصائل الفلسطينية تشكل رافعة من روافع النهوض الفلسطيني.
وأكد القيادي في حركة «حماس» أيمن شناعة، لـ«القدس العربي» أنّ الاجتماع بين الأمناء العامين للفصائل والمصالحة بين حركتي «فتح» و«حماس» شكل خطوة هامة نحو شراكة حقيقية لمواجهة مشاريع التصفية للقضية الفلسطينية و«صفقة القرن» ومشروع الضم والتطبيع.
مشددا على أن مشروع حركة «حماس» سيستمر مع كافة الفصائل الفلسطينية نحو وحدة وطنية ورؤية فلسطينية موحدة يكون خيارها الأول المقاومة، وكافة الطرق التي يقاوم بها الشعب الفلسطيني تحت تكون تحت راية هذه الوحدة الفلسطينية.
ورحبت القطاعات السياسية والشعبية الفلسطينية المختلفة، باجتماع الفصائل واتفاق المصالحة، ولم تبد هذه القطاعات مخاوف محددة من هـذه الخطوة، لكنها أعربت عن أملها أن تكون جــادة وفاعلة من أجـل وحــدة الموقف الفلسطيني أمام الـتـحـديـات والمخــاطــر الـتـي تتعرض لها القضية الفلسطينية. وفـي رأي الكاتب الفلسطيني، أحمد الحـاج، أن لقاء الأمناء العامين للفصائل واتـفـاق المصالحة بين «فتح» و«حماس» ترك ارتياحاً عاما في أوســـاط الـاجـئـن الفلسطينيين، وفي أوساط الفلسطينيين في الداخل والخارج، لأن الانقسام خلال السنوات الماضية، ترك جرحاً غائرا في الجسد الفلسطيني وكاد يقضي على هذا الجسد تماماً.
وأشار الحاج إلى أنه، وبعد تسع سنوات من الانقطاع بين الأمناء العامين أو شبه الانقطاع، أحيا هذا الاجتماع الأمل بإنهاء الانقسام.
ولم ينف وجـود عوائق كثيرة لتحقيق المصالحة، لكنه اعتبر أن المصالحة، بمثابة
مخيم عين الحلوة الفلسطيني في لبنان كسر الجليد في الحـدود الدنيا ويمكن أن تبني على مشتركات كثيرة ، مؤكدا أن البيان الختامي الــذي صـدر عن اجتماع الأمناء العامين للفصائل «عبر الفيديو كونفرس» فيه الكثير من الإيجابيات، منها الحديث عن المقاومة الشعبية وهـي خطوة مهمة للأمام، والحد الأدنى الذي يمكن أن نتفق عليه في ظل الانسداد السياسي، وانهيار المفاوضات.
وتابع: «من الممكن أن يكون )الاجتماع( أساسا لبناء المشروع الفلسطيني، مع ذلك هناك تفاصيل تبقى معلقة وبحاجة إلى الغوص فيها، مع تقديرنا لتشكيل عدة لجان من شخصيات وازنة».
وذكــر أن الاجتماع واتـفـاق المصالحة بحد ذاته يدعو إلى التفاؤل، لكن بالعموم يجب أن يكون هذا التفاؤل حـذراً، لأنه في الماضي كانت هناك عدة اتفاقات لم تؤد إلى النتائج المرجوة منها. وأوضح أنه فيما يتعلق باللاجئين، فإن هناك إيجابية لانعقاد جزء من هذا المؤتمر في بيروت، وكلمات تحدثت عن معاناة اللاجئين الفلسطينيين، معربا عن أمله أن تكون خطوة لمساعدة اللاجئين والضغط على السلطات اللبنانية لسن قوانين تعيد للفلسطيني بعض حقوقه الإنسانية على الأقل.
آراء فلسطينية متعددة ومختلفة حول مرحلة مـا بعد اجتماع الأمـنـاء العامين للفصائل، واتـفـاق المصالحة بين «فتح» و«حماس» عبرت عن أملها بأن تكون خطوة من أجل مصالحة شاملة، تؤسس لوحدة وطنية بين الفصائل بعد أن وصلت الأوضاع داخـل الساحة الفلسطينية وعلى امتداد المنطقة العربية إلى مرحلة تنذر بمخاطر تؤدي إلى تصفية القضية.