Al-Quds Al-Arabi

قضية الإنتاج السينمائي أزمة عربية بطلها الممول الأجنبي

- كمال القاضي

لــم يـعـد الحــديــث عــن أزمــــة الإنــتــا­ج السينمائي مقصوراً فقط على الدول العربية الفقيرة، لكن المشكلة امتدت آثارها للدول القادرة اقتصادياً بما فيها الدول النفطية التي بدأت فيها صناعة السينما منذ تاريخ قريب، ومع ذلك باتت تئن من أزمات الإنتاج المتوالية نتيجة الركود في سوق التوزيع وإغـاق المنافذ أمام الفيلم العربي لدواع سياسية وأمنية وخـافـات دبلوماسية وغير ذلك.

ما كان يخص دولة أو دولتين في المنطقة العربية صار مُنسحباً على كافة الـدول، ومن ثم تعقدت المشكلة ولم يعد من سبيل لإنقاذ الصناعة السينمائية غير إيجاد حلول جوهرية تعيد الـتـوازن مـره أخرى لعملية الإنتاج وتفتح منافذ التوزيع مجدداً أمام الُمنتج الفني لترويج الحركة التجارية وتنشيطها لتعود إلى سابق عهدها.

الشواهد كلها تؤكد أن هناك عوامل مستجدة أدت إلى تفاقم الأزمـة من بينها اهتمام بعض الفضائيات العربية بإنتاج الأعمال الدرامية التلفزيوني­ة وقيامها بضخ كمية من الأموال في هذا الاتجاه، ما ترتب عليه انسحاب الكتلة الجماهيرية من محبي السينما إلى الشاشة الصغيرة، وبناءً علية تـراجـع معدل الإقـبـال على دور العرض السينمائية وانخفضت الإيــرادا­ت بشكل ملحوظ، فضلاً عن التأثر السلبي الواضح للجهات الإنتاجية الرسمية في معظم الدول العربية بدخول المحطات الفضائية الخاصة سوق الإنتاج التلفزيوني وتركيزها على المسلسلات متعددة الأجزاء والإنفاق عليها بسخاء لحساب جهات معينة تشجع على استمرار الظاهرة الدرامية وتدعم الفكرة السلبية الرامية إلى سحب البساط من تحت أقدام السينما، لتظل الرؤى الفنية خاضعة لوجهات نظر بعينها تسعى لإعادة تشكيل الخريطة الثقافية العربية بمقاييس جديدة.

ولأن السينما تتمتع بـقـدر كبير من الاســتــق­ــال فــي اخــتــيــ­ار موضوعاتها وقضاياها ولها مـن الحـريـة مـا يؤهلها لمناقشة الأزمـــات والمـشـكـا­ت فـي ضوء الوعي المتراكم لديها عبر سنوات طويلة، فقد أدى ذلك إلى استهدافها والعمل على إضعافها كونها مُستعصية على التطويع والانقياد للموجات الطارئة من التلون والتغير على مستوى الشكل والمضمون، ويأبى صُناعها أن يتحولوا إلى دُمى في أيدي الدخلاء من المستثمرين في صناعة الأدب والثقافة والفن.

وتـعـود مسألة التركيز على السينما ومـحـاولـة توجيهها إلــى خصوصيتها وطبيعة جمهورها الذي يتميز أغلبه بالذكاء والإلمام بكافة المحاور الفكرية، إضافة إلى تمتعه بقدر وفير من الثقافة السياسية، الأمـــر الـــذي يجعله نقطة مـحـوريـة في حسابات التشكيل الجديد وإعــادة رسم الخريطة وفق مقاييس عالمية يهتم أصحابها بتفريغ العقلية العربية من المحتوى الثقافي والإبداعي الراقي ليعاد ملأها بالسطحي والتافه والمستورد من الأفكار الهدامة. عاطف سالم

ولا يمـكـن فـصـل هـــذه المحــــاو­لات عن مخططات الـــدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا، الساعية إلى تحقيق حُلم التطبيع الثقافي والفني مع بعض الـدول العربية لـصـالـح إســرائــي­ــل، ليتسنى لـهـا إذابـــة الرواسب التاريخية وفرض منهجية جديدة مفادها إعــادة النظر في مسألة الصراع الـعـربـي الإسـرائـي­ـلـي وإقــنــاع الشعوب بالتخلي عن ثوابتها الوطنية، وهو المخطط الذي دخل حيز التنفيذ بالفعل بترحيب من بعض الدول البترولية الصغيرة التي تجتهد في أن يكون لها تاريخاً ثقافياً وإبداعياً تباهي به الأمم!

وعلى هذه الخلفية بدأت منذ فترة حزمة من النشاطات المثيرة للتساؤل، يأتي على رأسها مبادرات التمويل الأجنبي للأفلام ذات الطبيعة الخاصة ومنح الجوائز لكل ما هو مُلتبس ومغاير من الإبداعات الفنية الغريبة، وتشجيع المهرجانات النوعية التي تغازل الغرب وتطرح الأفكار الثقافية غير التقليدية في إطــارات مختلفة تشير فـي ظاهرها إلــى تـيـارات الفن الحداثي وعلاقتها بنهضة الشعوب في ربط تعسفي مُربك بين مفهوم الحداثة وتمييع الهوية كهدف استراتيجي لجهات التمويل التي تنفذ مشروعاتها عبر مؤسسات غامضة. وقد بدأت مبادرات التمويل الأجنبي قبل سنوات قليلة في القاهرة بأشكال متعددة بإيهام التثقيف والتواصل مع الآخر، وتحت هـذه الـدعـاوى جــاءت فكرة المهرجانات والاحتفالي­ات وكرنفالات السينما العربية التي طافت معظم العالم العربي لتبشر بالثقافة النوعية الجديدة وتُفعل الـدور السينمائي داخــل السياقات المدروسة، تبعاً لسياسة الراعي الرسمي للأنشطة وتمويلاتها وأطرها.

وبـــرغـــ­م تـــوقـــف هــــذه الــنــوعـ­ـيــة من المهرجانات، إلا أن التمويل لا يزال مستمراً بشكل غـيـر مُـعـلـن وفـــي حـــدود ضيقة لأسباب، قد تعود إلى ضخامة ما تم إنفاقه على مـدار السنوات الماضية بغير حدوث نتائج مُرضية أدت إلى تغيير الخُطة، أو أن ما حدث كان مجرد مرحلة تمهيدية جرى خلالها حرث التربة الثقافية قبل زراعتها بما يلائم المشروع الثقافي - التطبيعي - التوسعي - الأجنبي - الكبير!

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom