Al-Quds Al-Arabi

الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني: جولة أخرى أم صحوة عميقة؟

- غزة ـ «القدس العربي»: أشرف الهور

تكررت في الماضي حوارات القيادات الفلسطينية المختلفة لتجاوز الخلافات والتوصل إلى وحدة وطنية وإجماع يتكفل بتحصين الصمود الفلسطيني في وجه الاحتلال ويعيد وضع الحقوق الفلسطينية في قلب المعادلة. وإذا كانت مختلف الفصائل قد شاركت في الحوارات، فإن الدور المركزي فيها ظلّ منعقداً للسلطة الوطنية وحركة «فتح» من جهة أولى وحكومة غزّة وحركة «حماس» من جهة ثانية. وبعد جولات سابقة شهدتها القاهرة والدوحة ومكة وصنعاء، احتضنت القنصلية الفلسطينية في اسطنبول جولة جديدة عُقدت على خلفية اتفاقيات التطبيع بين عدد من الأنظمة العربية ودولة الاحتلال، الأمر الذي قرع ناقوس الخطر ووضع على عاتق المتحاورين مسؤولية متجددة في التوصل إلى نتائج ملموسة تلاقي حال التدهور العربية الراهنة.

تستعد الـقـيـادة الفلسطينية والفصائل، لعقد لقاء ثاني للأمناء العامين للفصائل خلال الأيام المقبلة، من أجل إقرار جملة من التفاهمات التي جــرت خــال لـقـاءات مطولة دامـت على مـدار يومين بين وفدين مـن «فـتـح» و«حــمــاس» عقدت في القنصلية الفلسطينية في اسطنبول، وأطلعت عليها بـاقـي الفصائل، مـن أجــل طـي سـنـوات الانقسام، تكون ركيزتها الأساسية إجــراء الانتخابات العامة بشكل متتالي، وذلــك بعد أن قـرر الفلسطينيو­ن، الخروج من عباءات الرعاية العربية للمصالحة.

تفاهمات وأجواء إيجابية

وفي هذه الأوقات تسود الشارع الفلسطيني أجواء إيجابية، لم تعهد من قبل، جاءت على ضوء التفاهمات الأخيرة بين حركتي فتح وحماس، في مدينة اسطنبول التركية، والتي يتطلع الفلسطينيو­ن لأن تطوي سنوات من الخلافات، وتمهد لوحدة وطنية، ستكون المتغيرات الإقليمية وأولها تطبيع أنظمة عربية علاقاتها مــع الاحـــتــ­ـال، وخــطــط التوسع الاستيطاني والضم، سببا رئيسيا فيها.

والمعروف أن التقارب الحاصل حاليا بـن فتح وحــمــاس، كبرى التنظيمات الفلسطينية، جاء بعد جملة اتــصــالا­ت بــن فريقين من قــيــاديـ­ـن، حـيـث نجــم فــي بـدايـة التوافقات ترتيب فعاليات وطنية جماهيرية منددة بـ «صفقة القرن» الأمريكية، وبخطط التطبيع العربية، حـتـى نضجت تـلـك الاتــصــا­لات، لتتلوها مشاركة حماس في اجتماع الـقـيـادة الفلسطينية، المـعـارض لاتفاقيات التطبيع، قبل أن يجري الاتفاق بعد غياب دام سبع سنوات، ترتيب عقد لقاء للأمناء العامين للفصائل، برئاسة الرئيس محمود عباس ما بين رام الله وبيروت، وما تخلله من توافقات على تشكيل لجنة تقدم رؤية للمصالحة الشاملة.

وفــي خضم الترتيب لتشكيل اللجنة، ومـن أجـل إنجــاح عملها، عقدت حركتا فتح وحماس في مقر السفارة الفلسطينية في اسطنبول، وبعيدا عن أي رعاية سـواء عربية أو إقليمية، جلسات حوار أساسها العمل الثنائي، وقــد تمكنتا هذه المـرة، ورغـم عدم تضمن الجلسات للمرة الأولى وجود وسطاء، تقريب وجهات النظر كثيرا حيال العديد من المسائل التي كانت تشكل سابقا «برميل بارود» كان الجميع يخشى الاقـتـراب منه خوفا من الانفجار، علاوة عن توافقهم على عقد اجتماع جـديـد وقــريــب لـأمـنـاء العامين، لإقـرار التفاهمات لتخرج في شكل وطني موحد، ضمن رؤية المصالحة، التي تهدف إلى تسوية الخلافات، ودخول حماس في منظمة التحرير الفلسطينية.

وفـي هـذا السباق، قـال جبريل الـــرجـــ­وب رئــيــس وفـــد فــتــح في حــوارات اسطنبول، وهـو يتحدث عما حصل في تركيا، أنه تم التوافق مع قيادة حركة حماس على إجراء الانتخابات الفلسطينية متتابعة، مجلس تشريعي، تليها الانتخابات الرئاسية، ثـم انتخابات المجلس الوطني، لافتا إلى أن الانتخابات سـتـكــون عــلــى أســــاس التمثيل النسبي، ووفــق تــدرج مترابط لا

يتجاوز الـ6 أشهر، وقال «توافقنا على أن الانتخابات بالتمثيل النسبي هي الطريق لبناء النظام السياسي وتحقيق الشراكة السياسية».

الانتخابات أساس الحل

وأشـــار وهــو يـشـرح مــا حصل هناك على مــدار يومين، أنـه جرى حــوار وطني استراتيجي مكثف، وتم التوصل لرؤية واضحة لآليات بناء الشراكة الوطنية مـن خلال انتخابات وفـق التمثيل النسبي، لافتا إلى أنه سيصار خلال الأيام المقبلة تطوير آليات لبناء الشراكة من خلال انتخابات عامة. وحول نتائج الانتخابات، حال أجريت، أوضح الرجوب أن فتح متمسكة بمخرجات الانتخابات التشريعية التي قال إنه يتوجب أن «تُشكل حكومة ائتلاف وطني».

وفي المقابل، تشابهت تصريحات ومــواقــف قــادة حماس تماما مع تصريحات قيادة حركة فتح حيال المصالحة، في مشهد يعكس مدى الـتـقـارب الحـاصـل حاليا بينهم، وقال عضو المكتب السياسي لحركة حماس حسام بـدران، الذي شارك في الحـوارات الأخيرة، إنها ركزت على مناقشة كيفية تطبيق مخرجات اجتماع الأمناء العامين، و«استكمال هيكلية القيادة الموحدة للمقاومة الشعبية التي اتفقنا على تشكيلها، والوصول إلى شراكة وطنية كاملة في جميع الملفات.»

وأكـد أن الحــوار في اسطنبول

هو «استكمال لما اتفقنا عليه في اجتماع الأمناء وأنـه جـرى خلاله الــتــواف­ــق عـلـى ضــــرورة الــعــودة للشعب الفلسطيني صاحب الحق الأصــلــي والــوحــي­ــد فــي اخـتـيـار قيادته، وتمثيلها في المؤسسات من خلال الانتخابات». وأضاف «نريد الذهاب إلى الانتخابات بقدر كبير من التوافق، يتبعها تشكيل وحدة وطنية فلسطينية يشارك فيها كل أطياف الشعب الفلسطيني، الذين فازوا في الانتخابات وغيرهم» وأكد أن الحركتين توافقتا على تنفيذ خطوات لتهيئة الأجـواء، وألا تنظم هـذه الانتخابات إلا بعدما يشعر

شعبنا بالثقة في نجاح هذه الخطوة.

يشار إلى أن التفاهمات التي جرى التوصل إليها بـن فتح وحماس في اسطنبول، بشأن الانتخابات، جاءت امتدادا لتلك التفاهمات التي جــرى التوصل إليها فـي تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، عقب جولة محادثات قادها وقتها رئيس لجنة الانتخابات المركزية حنا ناصر، بتكليف من الرئيس عباس، وحصلت على موافقة من الفصائل بمـا فيها حماس على انتخابات

بالنسبية الكاملة، تكون البداية للتشريعية منها، ثم الرئاسية، بمدة ثلاثة أشهر، حيث تعثرت بعد ذلك الاتصالات حول الأمر، بسبب وجود خلافات فنية بين الطرفين، ولعدم حصول القيادة الفلسطينية على ضمانات لعقدها في القدس المحتلة.

وينتظر حاليا لأن يـصـار إلى عقد اجتماع قريب للأمناء العامين للفصائل، يخطط لأن يـكـون في بــدايــات تـشـريـن الأول/أكــتــوبـ­ـر الجـــاري، ليعقد عبر تقنية الربط التلفزيوني ما بين رام الله وعاصمة خارجية، ربما تكون بيروت، أو من خلال مشاركة الأمناء العامين كل حسب مكان إقامته الحالية، ليجري خلاله طرح ما جرى التوافق عليه مــؤخــرا بــن فـتـح وحــمــاس، بعد أن عـقـدت الحـركـتـا­ن اجتماعات ومـشـاورات داخلية ناقشت بدقة تفاهمات اسطنبول، حيث أعلنت قيادة حركة فتح مصادقتها على تلك التفاهمات.

وأكـــد عـضـو اللجنة المـركـزيـ­ة لحركة فتح، عـزام الأحمد، إنـه تم الاتــفــا­ق مــع حـركـة حـمـاس على تفاصيل الانتخابات وفقا لاتفاق المصالحة عام 2011 وأشـار إلى أن الرئيس عباس دعا الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية لاجتماع، تمهيدا لإصدار مرسوم رئاسي يحدد موعدا للانتخابات التي ستعقبها «حكومة شراكة وطنية» ومعالجة آثـــار الانــقــس­ــام، مــؤكــدا أن هـذا الاتفاق يأتي للتصدي إلى «صفقة القرن» ومواجهة الهرولة للتطبيع مع الاحتلال من قبل بعض الدول العربية، ولفت إلــى أن الاحتلال سيضع كافة العراقيل في مواجهة اتفاق المصالحة الفلسطينية، وفي وجه إقامة الانتخابات التشريعية.

ترحيب واسع

ولاقــــت الـتـفـاهـ­مـات الأخــيــر­ة الــتــي جـــرت بــعــيــد­ا عـــن أجـــواء الرعاية، ترحيبا من كافة الأطراف الفلسطينية، وأكد إسماعيل هنية رئـيـس المكتب السياسي لحركة حـمـاس، أن حركته أولــت تحقيق الوحدة الوطنية اهتماما استثنائيا، خـاصـة وأن الـقـاعـدة السياسية للحوار الجاري انطلقت من الموقف الفلسطيني الموحد برفض «صفقة القرن» وخطة الضم ومسار التطبيع، وسـبـل مـواجـهـة هــذه التحديات الخطيرة ميدانيا وسياسيا في إطار بناء جبهة فلسطينية موحدة تتصدى للتهديدات الاستراتيج­ية التي تحيط بقضيتنا الفلسطينية، وتستهدف ركـائـزهـا الأساسية المـتـمـثـ­لـة فـــي الـــقـــد­س والأرض واللاجئين، وأشار إلى أن «التفاهم الإيـجـابـ­ي» الــذي أنجــز فـي تركيا «مستند فـي مــحــاوره الأساسية لاتفاقيات الـقـاهـرة الـتـي وقعت في مـدد سابقة، وخاصة الاتفاق الشامل 2011 .»

وكان رئيس الحكومة الفلسطينية حـمـد اشـتـيـة رحـــب بـــ «الأجــــوا­ء الإيــجــا­بــيــة » بــن فـتـح وحــمــاس، وأعلن استعداد الحكومة لتوفير كل متطلبات إنجـاح تلك الانتخابات، باعتبارها «بوابة لتجديد الحياة الــديمــق­ــراطــيــ­ة، وتـصـلـيـب جــدار الوحدة الوطنية» وفي هذا السباق أيضا أكـد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح حسين الشيخ، على أن الرئيس محمود عباس، مصر على انجــاز الـوحـدة الوطنية وتحقيق الـشـراكـة السياسية على أسس واضحة ومتفق عليها، لمواجهة كل المؤامرات ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية، وشدد على أن الفرصة التي تأتي ربما لا تعود، والاجماع الفلسطيني الـــذي تجلى برفض «صفقة القرن» هو الذي أعطى بارقة الأمــل والـضـوء والاستشعار عند الرئيس، ومباشرة دعـا لاجتماع الأمناء العامين ليبني بمجموعة من الخطوات لتمتين الجبهة الداخلية والــوحــد­ة والـشـراكـ­ة السياسية، وبعث الشيخ برسالة طمأنينة، وقـــال «نـحـن ذاهــبــون للشراكة، والانـتـخـ­ابـات، ورســالــة نوجهها لحماس والتنظيمات، وإذا نحن فزنا بالانتخابا­ت ذاهبون إلى حكومة وحـدة، وإذا غيرنا فاز فهم أحرار، وإذا دعونا لحكومة وحدة سنذهب معهم .»

كما رحـبـت اللجنة التنفيذية

لمنظمة التحرير الفلسطينية على لسان حنان عـشـراوي، بالأجواء الإيجابية التي طغت على الحـوار بـن حركتي فتح وحــمــاس، وما انبثق عنها مـن مخرجات تهدف لبناء شراكة وطنية تنهي الانقسام وتــقــود نحو إجـــراء الانتخابات باعتبارها سبيلاً لتجديد الشرعية الديمقراطي­ة للمنظومة السياسية، وقالت في تصريح صحافي «هذا التطور الإيجابي خطوة على طريق إنهاء حالة التشرذم، واستعادة الوحدة الوطنية وتحقيق المصالحة باعتبارها مطلبا شعبيا، وطريقا نحو توحيد العمل الفلسطيني المشترك» في مواجهة الخطر المحدق الذي يهدد القضية الفلسطينية.

انزعاج الجامعة العربية

وقد بدا عقد الاجتماعات بدون رعاية وعلى أراضي تركيا، مزعجا لأطـــراف عـربـيـة، عبر عنه الأمـن العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط الذي توجهت بسبب مواقفه هذه وتلك التي أيد فيها اتفاقيات التطبيع، انــتــقــ­ادات فلسطينية حـادة، شككت في أمانته للجامعة العربية ودعت لاستقالته، وقد ظهر الأمـن العام على أحد الفضائيات الإمارتية وقال «كنت أتصور أن وفد حماس يسافر إلى رام الله ويجتمع بالأخوة في رام الله، أو وفد السلطة يسافر إلى غزة ويجتمع هناك أو في القاهرة أو أي دولة عربية مستعدة لاستضافة هذا الاجتماع» منتقدا عقده في تركيا.

وقد جاء الرد بشكل متوافق من فتح وحماس، خاصة بعد أن قام وفـد من الحركة بـزيـارات لكل من قطر ومصر، بعد لقاءات اسطنبول، لإطــاع قــادة البلدين على نتائج الحـوارات من أجل دعم المصالحة، حيث قال الرجوب باسم حركتي فتح وحماس أنه لا خلاف على دور مصر اطـاقـا، وقــال «لا نستطيع ان نستغني عـن دورهـــا الإقليمي فيما يتعلق بالوحدة الفلسطينية، والاتفاق على آليات المتابعة، وفي مشروعنا الوطني» لكنه قال إن هناك «منهجية جديدة» تتم الآن بـ «الحوار الثنائي الفلسطيني، وبدون وصاية ورعاية وبدون تدخل من أي كان» وأضاف الرجوب «إن حركة حماس متفقة معنا على دور مصر الريادي، وأبلغنا المسؤولين المصريين بذلك، وأن حوارنا فلسطيني-فلسطيني».

وقـد أكـد الموقف ذاتــه القيادي فـي حـمـاس، حسام بـــدران، حين قــال إن اللقاء بـن حركته وفتح كان «في ضيافة الإخـوة في تركيا ولم نكن تحت رعايتهم، بمعنى أنّ الحـوار كان فلسطينيا-فلسطينيا خالصا» وأضاف «نحن نقيم حوارا فلسطينيا-فلسطينيا صرفًا بدون تدخّل من أحــد، والـلـقـاء­ات جرت في مقري السفارة الفلسطينية في بـيـروت، والقنصلية الفلسطينية في إسطنبول» وأوضــح بــدران أن التقارب مع حركة فتح بدأ قبل ثلاثة أشهر، وأن ما سرّع هذا التقارب هو ما وصلت له القضية من محاولة تصفية مـن خــال صفقة الـقـرن، ومخطط الضم، ومشاريع التطبيع.

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom