Al-Quds Al-Arabi

العصابات الصهيونية داهمت البيوت والحوانيت الفلسطينية في النكبة وسرقت الرخيص قبل النفيس

اعترافات موثقة عن أكبر عملية سطو مسلح في التاريخ

- الناصرة ـ «القدس العربي» من وديع عواودة:

كشــفت صحيفة "هآرتــس" بعض مــاء جاء في كتاب إســرائيلي جديد يرصد جرائم الســلب والنهب لكل الممتلكات المتنقلة في فلســطين خلال وعقب نكبة1948 .

ويروي الكتاب مشــاهد أكبر ســطو مسلح في التاريخ ويقدم اعترافــات تاريخية عن الفضيحة المثيرة للخجل التي تعكس "حضيضا أخلاقيا".

الكتاب الجديد صادر عن دار النشــر "كرميل" لآدم راز الــذي يقــول إنــه عبــارة عن دراســة واسعة تكشف مقدار الســلب والنهب للممتلكات الفلسطينية من قبل الإسرائيلي­ين في نكبة 1948 .

راز الذي يتجاهل سرقة الوطن أولا قبل سرقة محتويات منازل وحوانيت أصحابها يقدم وثيقة تاريخية مهمة على غرار "وشهد شاهد من أهله".

على سبيل المثال لا الحصر يشير راز الى ما قاله رئيس حكومة الاحتــال الأول دافيد بن غوريون إن معظم اليهود لصوص.

وتستند دراسة المؤرخ الإسرائيلي على وثائق من عشــرات الأرشــيفا­ت ومقاطع مــن الصحف العبريــة، وهو يؤكد أن الحديث عن حدث فريد ما زالت تبعاته وآثاره تستشــعر حتى اليوم. ومن ضمن مشاهد الســلب قيام إســرائيلي­ين بسرقة خزانة من خشــب المهاغوني في حيفا تم تحويلها لاحقا لقــن دجاج. وفــي وثيقة أخــرى يتحدث آخرون عن ســرقة أدوات منزلية وحلي وســرقة عشرة آلاف علبة " كافيار" من أحد مخازن حيفا.

اعترافات بن غوريون

ويســتذكر المؤرخ راز ما قالــه بن غوريون في 24 يوليو/ تموز1948 عن الإســرائي­ليين ويشكل دليلا قاطعا على أكبر عملية ســطو مســلح ربما في التاريخ، وذلك في وثيقة داخل أرشــيف حزب "العمل" توثق إحدى جلسات حزب "مباي".

متجاهــا طبيعــة الصهيونيــ­ة التي ســلبت وطن الفلســطين­يين يشــير بن غوريون الى قيام الإســرائي­ليين بسلب الفلســطين­يين دون ذكرهم

بالاســم:" اتضح لي أن معظم اليهود هم لصوص وأنا أقول ذلك ببســاطة وعن قصــد لأن هذه هي الحقيقة للأســف، رجالنا في مــرج بن عامر رواد المســتوطن­ين آباء الجنود في الهغاناه شــاركوا كافتهم في الســلب والنهب. هــذه ظاهرة مرعبة لأنها تكشف عن خلل أساسي. من أين جاء السلب والنهب؟ لماذا يســرق أبناء البلاد وبناتها ورواد استيطانها؟… ما الذي حدث لهم؟".

من طبرية إلى بئر السبع

ويقول مراسل الشؤون التاريخية في صحيفة "هآرتس" عوفر أديرت إن المؤرخ آدم راز عثر على هــذه الوثيقة النــادرة ضمن الدراســة الجديدة الصــادرة فــي كتاب بعنــوان "ســلب الممتلكات العربية في حرب الاستقلال"، منوها الى أن عملية جمع أعمال السلب في فلسطين من طبرية إلى بئر الســبع ومن يافا إلى القدس عبر ســرقة المساجد والكنائس والقرى المنتشرة بطول وعرض البلاد في كتاب واحد مسألة حساسة وصعبة".

ويؤكد فــي حديث لـ "هآرتــس" على غرار بن غوريون أن أوســاطا واســعة من الإسرائيلي­ين جنــودا ومدنيين شــاركوا في عمليات الســلب والنهــب التي انتشــرت كالنار في الهشــيم لدى اليهود. موضحا أن الســلب والنهب طال عشرات آلاف المنــازل والحوانيــ­ت والأجهــزة والمصانع والمنتوجات الزراعية وغيرها.

وفي واحد من فصول الكتــاب يتحدث راز عن ســرقة البيانوهــ­ات والكتب والملابــس والحلي والموائد والأجهــزة الكهربائيـ­ـة والمراكب، تاركا سرقة أراضي نحو 800 ألف لاجئ لدراسات أخرى متركزا في الأملاك المتنقلة. لكن بن غوريون ليس وحيدا فالمؤرخ يقتبس من قادة إسرائيليين آخرين في هذا السياق، فيشــير مثلا لما قاله يتسحاق بن تســفي الرئيس الثاني لإســرائيل. ويستدل من أقوال بن تســفي أن "يهودا نزيهين" شــاركوا في السلب الذي اعتبروه عملا طبيعيا مباحا" .

في رســالة لبن غوريون يقول بن تســفي: "ما يجري في القدس يشــكلّ مســا بكرامــة اليهود وبالقوى المحاربة. لا يمكن الســكوت على السلب المنظم مــن قبل مجموعــات غير منظمــة وأفراد

غيــر منظمين. ما يفعلــه اللصوص فــي الأحياء الفلســطين­ية الغربية في القدس هو كفعل الجراد في الحقول" .

يشــار الى أن مــا تعرضت له منــازل وقصور وممتلكات الفلســطين­يين في الأحياء الفاخرة في الشطر الغربي في القدس، مثل القطمون والبقعة والطالبية والمصرارة وغيرهــا كانت مروعة وتم توثيق بعضها في عدة دراســات منها إسرائيلية أيضا.

لصوص يأكلون كل شيء كالجراد

وحســب "هآرتس" يتضمن الكتاب اعترافات جنود إســرائيلي­ين. وقد عثر راز في أرشيف "ياد طبينكين"على وثيقة تشــمل شهادة حاييم كريمر ضابط صهيوني تم إرســاله لطبرية لوقف أعمال الســلب، وفيها يقــول: "داهم اليهــود في طبرية بيــوت الفلســطين­يين بعــد مغادرتهــم كالجراد فاضطررنا لاستخدام الهراوات لإبعادهم" . وطبعا كان الهدف من محاولة منع السلب هو قيام الدولة الجديدة بذلك ولصالحها بدلا من الأفراد، وهذا ما يغفله راز.

كمــا يقتبــس مــن دفتــر يوميــات يوســف نحماني، يهودي من طبرية، أول مدينة فلسطينية تســقط فــي النكبة، وهــو من مؤسســي تنظيم "هشــومير" الصهيوني، وفيه يقــول: "في 1948 انقض عدد كبير مــن اليهود علــى بيوت العرب ومحالهــم التجاريــة… مجموعــات كثيــرة كل مجموعة فيها عشرات الأشــخاص. ووقف رجال الشرطة عاجزين عن منع ذلك وحتى من تم ضبطه فرض عليــه حكم مخفف. وهذا مــا يؤكده نحوم عبو قائد القــوات اليهودية في طبرية القديمة من جهة "الهغاناه" في كتــاب مذكراته، فيصف كيف حاول جنود إســرائيلي­ون منع عمليات الســلب، لكن جماهير اليهود هاجمــت طيلة اليوم حواجز الشرطة كي يقوموا بالسلب والنهب" .

فعلنا بالفلسطيني­ين ما فعله النازيون بنا

ويكشــف راز عن وجود مســابقات بين أقسام مختلفــة في "الهغاناه" ممن وصلوا في ســيارات

وزوارق وحملــوا كل مــا وجــدوه فــي منــازل الفلسطينيي­ن في طبرية : ثلاجات وأسرة وغيرها. وعن ذلك يقول كريمر: تركت هذه المشاهد مفعولا ســلبيا جدا في داخلي فهذه ظاهرة بشعة وتلطخ رايتنا وقــد تعرض نضالنا لــأذى أخلاقيا.هذه فضيحة مثيرة للخجل وحضيض أخلاقي".

وعن صورة المدينة المجاورة للبحيرة الساحرة يتابع عبو في مذكراته "في ليلة وضحاها تحولت مدينة طبرية إلى مدينة أشــباح مسلوبة، أبواب حوانيتهــا مشــرعة وبيوتها خاويــة خالية من سكانها، وكان مشهد الأشــخاص الذين ينبشون في أكوام الأغــراض المتبقية بعد الســلب الكبير مشهدا مخجلا. وشاهدت في كل مكان مشاهد مذلّة وفي داخلي فكــرت كيف صار ذلك وكان يحظر أن يحدث ذلك" .

أمــا ناتيفا بن يهودا التي شــاركت في احتلال طبريــة ضمــن القــوات الضاربة لـــ "الهغاناه" )البلماح( فقد وصفت مأســاة طبريــة عام 1948 بقول أوضح وحاد: "هذه المشــاهد كانت معروفة لنــا. فعلوا بنا ذلــك خلال الكارثــة طيلة الحرب العالميــة الثانيــة؟… كيف نفعل بغيرنــا ما فعله النازيون؟".

أيدينا ترتجف

ناتيفــا بن يهودا التي فضحت في شــهادة ســابقة مجزرة قرية عين الزيتون قضاء صفد تتابع "في طبرية حملنا كل شــيء في سيارة وكانــت أيدينا ترتجف. لم يكــن هذا محترما. حتــى الآن وأنا أكتب هذه الشــهادة ترتجف أصابعي".

ويوضــح راز أن مــا شــاهدته طبريــة فوراحتلاله­ــا فــي ابريل/ نيســان194­8 كان إشارة مبكرة لما تشهده بقية المدن الفلسطينية لاحقا، لافتا إلى أنه لم يعثر في دراســته على معطيات رســمية حول حجم الســلب وقيمته المالية، ولكن هذا ما شهدته كل واحدة من المدن وبمقادير كبيرة".وفعلا تكررت مشاهد السلب والنهب فــي المدينة الثانية التي تســقط بيد الصهيونية، حيفا، فقــد كان الجنود يحتلون بيــد واحدة وفــي اليــد الأخرى يســرقون الكثير، ومن ضمن السرقات ماكينات خياطة، وماكينات حفر، وأدوات موسيقية كالبيتفون والثيــاب وغيرهــا كما يؤكد الجنــدي زئيف يتسحاقي في شهادته عن مشاركته في القتال في حي الحليصة في " عــروس الكرمل" التي استبيحت في النكبة.

وتقول شــهادة أخرى لتســادوق إيشــب - جنــدي آخــر فــي وحــدة " كرميلــي عن ذلك:"ســادت حالة من الفوضى وتمت سرقة منــازل وحوانيــت من صــاروا لاجئين وكان مشهد الجموع المتحمسة للسرقة صادما" .

دمية وسرير أطفال في ساحة البيت

فــي مذكراتــه كتب يوســف نحمانــي انه فــور زيارته حيفــا بعــد احتلالها:"تشــارك الإسرائيلي­ون في الســرقة رجالا ونساء شيبا وشــبانا متدينين وعلمانيين، ولــم يبادر أحد لمنــع ذلك، وقد اســتبد بي الخجــل وراودتني رغبــة بأن أبصــق عليهم وأغــادر المدينة. هذا ســيمس بنا ويعود علينا كيدا مرتدا في تربية الأبنــاء والشــبيبة. فالأشــخاص فقــدوا كل إحساس بالخجل وأفعالهم هذه تضرب الأسس الأخلاقية للمجتمع.

ويقــول كرميلــي في شــهادته عــن حيقا: "البيوت الفلسطينية في حيفا منهوبة وأبوابها مفتوحة ومحطمة، على جانبي كل شارع وعلى الأرصفة كانوا يجمعون ما يفرغونه من المنازل. في ساحة أحد المنازل شاهدت سرير طفل مقلوبا على جانبــه وبجواره دمية ملقــاة أرضا على وجهها. أين أصبحت الطفلة صاحبة الســرير. في أي مخيم لاجئين هي اليوم؟".

وتشــير "هآرتس" الى أن عدة جهات أنذرت ونبهت من أعمال الســلب والنهب منها الحزب الشــيوعي، وتطــرق بــن غوريــون لذلك في مذكراته بعــد احتلال حيفا: "الســلب والنهب بيد رجال "الهغاناه" و "الايتســل" واســع في حي وادي النســناس"".أما غولــدا مئير فقالت في واحدة من جلسات الوكالة اليهودية وقتها: "في الأيام الأولى من الاحتلال كانت الحالة في المناطق المحتلة قاســية خاصة في المواقع التي كانت بيد "الايتســل" إذ لم يبق خيط واحد في البيت. كنت شــاهدة على عمليات سلب ونهب نفّذها يهود" .

سرقة الرخيص قبل النفيس

وتشــير "هآرتس" أن بعض الصحف العبرية نشــرت عن تلك الظاهرة ومنها "هآرتس" ذاتها التي نشــرت في نهايــة 1948 مقــالا بقلم آرييه نيشر مراســلها في حيفا الذي اســتخدم كلمات قاسية في وصف ما جرى: يبدو أن بني إسرائيل تعلموا هذه المهنة، والســرقة، وعلى الأصول كما هو مألوف لدى اليهود ومنذ الآن يســود في هذا المجال "العمل العبري" وقد شــاركت في السرقة كل الفئات من غربيين وشــرقيين، متســائلا أين الشرطة؟

وكذلك صحيفة" معاريــف" تطرقت للظاهرة مســتخدمة لهجة عنصرية استعلائية مبطنة كما في "هآرتس" بقولها " تجولت في القدس الغربية في يوليــو/ تمــوز 1948 ولا بد من اســتحضار القضاة ورجال الشــرطة فقد صرنا ككل الأغيار. على طــول الطريق لا يوجد بيتــا أو حانوتا في الأحياء الفلسطينية لم يتعرض للسلب ولسرقة كل شــيء الرخيص قبل النفيس. مشاهد الركام والخراب يتنقل بينها إســرائيلي­ون للاســتمتا­ع بالفوضى تترك أثرا صادما" .

وفي كتابهما الصادر عن مؤسســة الدراسات الفلســطين­ية في بيروت عام 2013 "أســرى بلا جراب" كشــف مصطفى كبها ووديع عواودة أن الكثير من البيوت والمحال الفلسطينية نهبت من قبل إسرائيليين وبواســطة سجناء فلسطينيين اعتبروا "أســرى" وأجبروا تحت تهديد السلاح علــى تفريغ المقدرات والأغراض مــن منازل يافا وحيفا واسدود وعسقلان والقدس وغيرها.

وفي شــهادته قال الشــيخ محمد البطراوي من اسدود أن الجنود الإســرائي­ليين أخذوه من معتقله في الرملة إلى مدينته المحتلة أسدود، وشاء القدر ان يدفعوه لتفريغ بيت عائلتــه فيها. ونوه البطراوي في شــهادته أنه فعل ذلك بقلب ثقيــل، ولم تكن له خيارات أخرى لكنه انكســر وتوقف عن ذلك عندما عثر على ألبوم صور عائلته.

 ??  ??
 ??  ?? أرشيفية للنهب والسطو والسلب الصهيوني للممتلكات الفلسطينية خلال النكبة
أرشيفية للنهب والسطو والسلب الصهيوني للممتلكات الفلسطينية خلال النكبة
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom