Al-Quds Al-Arabi

موريتانيا: ساسة ومفكرون وأحزاب يتصدون لأقوال ماكرون حول الإسلام السياسي

- نواكشوط-«القدس العربي» من عبد الله مولود:

واصل ساســة موريتانيــ­ا ومفكروها ومدونوهــا، الأحد، ردودهم التي لــم تنقطع منذ الجمعة، على تصريحات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، التي أكد فيها الجمعة الماضي، "أن الإسلام يعيش اليوم أزمة في كل مكان في العالم، وعلى فرنسا التصدي لما وصفها بالانعزالي­ة الإســامية الساعية إلى إقامة نظام مواز وإنكار للجمهورية الفرنسية".

وكان إســاميو حزب التجمع الوطنــي للإصلاح والتنمية )التيار الإســامي( في مقدمة من تصدوا لتصريحات الرئيس الفرنسي، حيث أكدوا في بيان أمس "أن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية المعتز بهويته الإسلامية الملهمة لقيم الحرية والعدل والتســامح يدين بقوة هذه التصريحات المســتفزة، ويطالب الرئيس الفرنسي بالتراجع عنها، والاعتذار لمواطنيه الفرنســيي­ن أولاً، ولمليار وثلاثمائة مليون مسلم عبر العالم تم التعريض بمعتقداتهم الدينية علناً ضمن حســابات انتخابية ارتهنت، بكل أسف، لخطابات اليمين المتطرف".

وأكد البيان "حاجة الجميع وفرنســا والعالم الإسلامي منه لنشــر خطابات التســامح، والاعتراف بالتعددية، واحترام التنــوع، والكف عن المزايــدا­ت المغذية للقطيعــة، وخطابات العنف والإسلاموف­وبيا".

أمــا المفكر والأســتاذ الجامعي أبــو العباس أبرهــام، فقد علق على التصريحــا­ت قائلاً: "أثار ماكــرون ضجّة بقولِه إنّ الإســام يعيش اليوم أزمة في كلّ العالم، للأمانة لم تكن هذه هي رســالة كلامِه، كان ماكــرون، الذي لم يقل أحــدٌ إنّه لبِقٌ بالخصــوص مع الإســام، يتكلّم عن قانــون أطلقَه للتصدِّي لما ســمّاه بـ"الانفصاليّة الإســاموي­ة"، وهي مرحلة أخرى من صراع الوطنيّة الفرنسيّة الراديكاليّة مع الدِّين، وبالأخصِّ مع النشاط الإسلامي في فرنسا".

وقال: "أراد ماكرون في خطابِــه القيام بحيلة فكريّة للربط بين الخصوصيّة الإســاميّة في فرنسا، والأصوليات المتطرّفة في العالم الإســامي التــي عدّد منهــا الوهابيّة والســلفيّة والإخوان المســلمين، وليس الحديث عن أزمة الإســام، فهو يُطرحُ من كلّ الطيف السياســي: الاستشراق طرحه من خلال كتاب برنارد لويس "أزمة الإســام" وهو الخطاب نفسه الذي يطرحُه ماكــرون ومن قبلِه بــوش، وهو أنّ الإســام يُعاني من كــرهٍ للآخرين ومن ميــلٍ للعُنــف، وفــي المقابِل طرحت الإصلاحيات القُطبيّة فكرة أنّ المســلمين انسلخوا من الإسلام وأنّ الإسلام يعيش أزمة متمثِّلة في "جاهليّة القرن العِشرين".

وأضاف أبو العباس: "ليس الإســام في أزمة في كلّ مكانٍ كما زعم ماكرون، هنالك مئات الحيوات الإســاميّة الُمعاصِرة المتصالِحة مع ذاتِها؛ فالإســام ليس إســام الأخبار العاجِلة وإنّما هو إسلام الحياة اليوميّة، إلاّ أنّ هنالك أزماتٍ في الإسلام المعاصِر. أزمة الإسلام برأيي ليست هي العُنف أو التناقض مع الحداثة التي يُقال بأنّهــا غربيّة؛ صحيح أنّ التطرّف الأصولي صار يطرَح مشكلة في الاعتناق الإسلامي الُمعاصِر، بل ويطرح حتّى مشــكلة أمنية، إلى حدّ الآن أكبــر المتضرّرين من العنف الدِّيني هم مسلمون".

"إلاّ أن العقل والممارسّــة الُمسلِمة، يقول أبو العباس، تعيش اليوم في أزمــة؛ فالناظِر فــي التاريخ الفكــري والاجتماعي للإسلام لا يُغفِل رؤية أزمة، فالإسلام كان واثِقاً من نفسِه وكان يُفكِّر بجديّة في مســألة القانون والأخلاق، والإســام اليوم اختطف؛ وقد اســتُبدِل فيه الفِقه والأصــول بالوعظ؛ والورَع بالريــاء؛ والمعنى بالمبنــى، هنالك اليوم قطيعــة بين التعليل الإســامي والتقاليد النظريّة والفكرية التي كان يستمدّ منها، والإســام حُوِّل في إطار تجريد العولمة للثقافة إلى مقولات لا مساسيّة، المعرِفة الدِّينية التي كانت في القرون القديمة تُشجِّع على اكتشاف العالم صارت اليوم تهرُب من العالم منتجة سيلاً

من الخرافات في كلّ مكان".

وقال: "الإســام دين يمتلــك تاريخاً غنياً؛ وســيتحرّر من الوجــل والرهاب الذي أدخِل فيه، وكما عرف أوائل المســلمين فإنّ المعرِفة والعَقل سيكونان طريق الناس في التحرّر".

وفي عجاج هذه الردود، علــق القاضي محمد مختار فقيه، قائلاً: "لو أن الرئيس الفرنســي قال لنا إن المســلمين في أزمة لقلنــا له نعم صدقت! بلــى، وأجل، نحن في أزمــة لكنكم أنتم الأزمة، أنتم من خلق الأزمة، وأنتم من يريد استمرار الأزمة".

وقــال: "نحن فــي أزمة منذ أن دنســت جيوشــكم أرضنا، نحن في أزمة منذ أن جعلتم مــن برنا وبحرنا حقولاً لتجارب أسلحتكم المحظورة، نحن في أزمة منذ أن أحللتم لغاتكم محل لغتنا، نحن في أزمة منذ فرضتم علينا نمط حكمكم وعيشــكم، نحن في أزمــة منذ زرعتــم طابوركم الخامس فــي مجتمعنا ومفاصــل دولنا، نحن فــي أزمة منذ أن جمعتم شــذاذ الآفاق وزرعتموهم في قلب الأمة الإسلامية: فلسطين!؛ نحن في أزمة، وهذا مربط الفرس، منذ أن خلقتم، ومولتم، ودربتم، ووجهتم، تنظيمات إرهابية أطلقتم عليها أسماء متغيرة بتغير أجنداتكم، وتكتيكاتكم، وخططكم، لإدامة اســتحواذك­م على ثرواتنا، ثم حشدتمونا لمحاربتها نيابة عنكم ليقتل بعضنا بعضاً".

وزاد: "نحــن فــي أزمــة لأنكم وضعتــم خطوطــاً حمراء للديمقراطي­ــة وللتقــدم العلمي: حــال عليكــم أن تتمتعوا بثمارهما، حــرام على المســلمين أن ينالوا إلا من قشــورهما وأشكالهما".

وخاطب وزير الإعلام الســابق سيدي محمد محم، الرئيس الفرنسي قائلاً: "كنت أتوقع ممن هو في مكانتكم رئيساً لأحدث نسخة من الجمهورية الفرنسية الخامسة أن يميز ضرورةً بين الإسلام كدين ورســالة قيمٍ ومثُل وتعاليمَ لا تموت تحث على العدل والإحسان وبناء الإنسان وإعمار الأرض ونشر السلام فيها، وبين تجربة المســلمين وتطبيقاتهم في الماضي والحاضر، تمامــاً كما ندرك نحن فــي هذا المنكب مــن الأرض مدى البون الشاســع والفرق الهائل بين مبادئ وقيم الثورة الفرنســية والسياســا­ت الاستعماري­ة لفرنســا وما أحدثت من تدمير في الجزائــر والمغرب وســوريا وما خلفت من ضحايا وخســائر ببلادنا ومناطق عديدة من العالم".

وقال: "تماماً كما ندرك الفرق بين العلمانية الفرنســية التي تتعالى على صــراع الأديان وتقف على مســافة واحدة منها، وبين النسخة الفرنسية الحديثة التي تمنع مسلمة فرنسية من حقها في ارتداء حجابها وتعطــي نفس الحق لراهبات الدير، فرنسا التي تسُــن القوانين ضد معاداة الســامية، وهو عمل جيد ورائــد، لكنها تحرُم مواطنيها المســلمين من تلك الحماية حين تكون معتقداتهم ومقدســاته­م مستهدفة وبأعمال عدائية لا غبار عليها".

وقــال: "إن اســتنزاف خيــرات الشــعوب المســتضعف­ة

والاســتيل­اء على مواردها ومقدراتها بقوة الدولة وشركاتها القابضــة والذي ما زال مســتمراً لحد الســاعة فــي إفريقيا والشرق الأوسط، هو عمل فرنسي نفذته وشاركت في تنفيذه فرنســا وما زالت تنفذه وتشــارك في تنفيذه إلى جانب قوى دولية حليفة لها، لذلك لا نجد غضاضة في الاعتراف بأن لدينا كمســلمين أزمات متعددة، لكن أغلبها -حتى نكون منصفينمن صنعكم وبرعايتكم ولمصلحتكــ­م، ورغم ذلك لا نزال ندرك الفرق بين الَمثل وتطبيقاته وتجلياتــه القاصرة على الأرض؛ أعتقد يا فخامة الرئيس أن لديكم بالفعل أزماتكم".

وجــاء تصريح ماكرون الــذي ردت عليه جميــع الهيئات الإسلامية الدولية، متزامناً مع استعداده لطرح مشروع قانون ضد "الانفصال الشعوري" بهدف "مكافحة من يوظفون الدين للتشكيك في قيم الجمهورية".

 ??  ?? الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون
الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom