Al-Quds Al-Arabi

أمام وعد بالانتخابا­ت: فتح وحماس... مصالحة حقيقية أم ضمان لبقاء «النخب السياسية»؟

- عميرة هاس

■ تردد في الشهر الأخير عبر وســائل الإعلام الفلسطينية وعد بإجراء انتخابات عامة «قريباً». مع كل الرغبة في تصديق، فقد صدق الوعد هذه المرة، ولا يمكن تجاهل النموذج الســائد في الـ 11 ســنة الأخيرة: الشــخصيات الرفيعة في الســلطة الفلســطين­ية وفي حركة فتح يخلقون ضجــة ترفع التوقعات والتجند العــام للمهمة الديمقراطي­ة المقدســة. بعــد ذلك، في اللحظة الأخيرة أو قبل الأخيرة، فإن ســبباً معينــاً أو تبريراً معيناً سيكون كافياً لتجميد هذه العملية.

وكما في الســابق، ثمة استنتاج بأن هذا الوعد الذي يسمع الآن فــي كل نشــرات الأخبار هــو بديل للفعل نفســه. وبناء توقعــات الانتخابات وســيلة للحفاظ على شــرعية النخبة السياســية وكبــار الموظفــن الذيــن يحتفظــون بالوظائف لمقربيهم. واســتبدال الفعل بأقــوال موصى بها هــو الطريقة لضمــان مكانتها وضمان ألا تكون هناك اضطرابات سياســية كبيرة جداً تحتج عليها. وبدون أن يقصدوا هذا عمداً، فإن هذه النخبة في فتح وحماس، على حد ســواء، تعدان بالحفاظ على الوضع. أي وجود الجيوب الفلســطين­ية، لأنهما لا تستطيعان منع إســرائيل من الدفع قدماً بخطوات كبيرة، ومشــروعها في النهب الاستيطاني. قبل نحو 16 سنة جرت الانتخابات الثانية والأخيرة لرئاسة الســلطة الفلســطين­ية. وقبل نحو 15 سنة جرت انتخابات المجلس التشريعي للســلطة والذي شُل عمله بســرعة لأن إســرائيل اعتقلت العديد مــن أعضائه، ورفضت حركة فتح قبول حكم الناخب الذي أصعد حماس إلى الســلطة )أعضاء حماس في المجلس فــي غزة يواصلون الاجتماع حتى الآن للتحادث وسن تشريعات تشبه القوانين(.

ومثلمــا هي الحال دائماً في الـ 11 ســنة الأخيرة، فإن وعد الانتخابــ­ات القريبة ترافقه خطوات مصالحــة مغطاة إعلامياً بــن فتح وحماس. ولكــن تمت جهود المصالحة هــذه المرة في ظل الضربات الدبلوماسـ­ـية التي وقعت على الفلسطينيي­ن. لا يوجد هنا على الأقل نفاق: الطرفان الفلسطينيا­ن المتخاصمان موحدان في معارضة صفقة القرن وتطبيع علاقات دول عربية

مع إســرائيل. مع ذلك، يبدو هذا مثل رد: مثلما في أيلول 2019 عندما وعد محمود عباس بإجراء انتخابات «خلال ستة أشهر» ففــي أيلول 2020 ها هو الوعد بإرســال الناخبين إلى صناديق الاقتراع خلال نصف سنة، وكذلك إلى ثلاثة تصويتات منفصلة وليس في الوقت نفســه: أولًا للمجلس التشريعي، وبعد ذلك للرئاســة، ثــم للمجلس الوطنــي )برلمــان م.ت.ف( – أي في الجاليــات الفلســطين­ية الموجودة في الشــتات. وكل ذلك في زمن كورونا مع خزينة فارغة وسفارات متعثرة. تبدو خطوات المصالحة بين حماس وفتح دراماتيكية وسريعة، وبشكل خاص في الشــهر الأخير. ويشــرف عليها مثلما في الســابق جبريل الرجوب، السكرتير العام للجنة المركزية في فتح ورئيس اتحاد كرة القدم الفلســطين­ي. بعد بضع مكالمــات هاتفية بين عباس وهنية، ولقــاء احتفالي عبــر الإنترنت لرؤســاء التنظيمات الفلسطينية، في الأسبوع الأخير من أيلول، خرج الرجوب إلى جولات مكوكية التقى فيها كبار قادة حماس: صالح العاروري في إســطنبول، وخالد مشــعل وموســى أبو مرزوق في قطر. تركيا وقطر لا تستضيفان فقط، بل وتدفعان الطرفين للتصالح

أيضاً، وهما مع إيران يشكلون محور المعارضة للتقارب العربي – الإســرائي­لي. بعد ذلــك، واصل الرجوب عقــد اللقاءات في مصر والأردن، وهما الدولتان اللتان لا يمكن أن تســير الأمور مــن دونهما، رغم أنهما لــم تعارضا اتفاقات التطبيع. حســب التقاريــر، تم الحديث في اللقــاءات عن انتخابات وتشــكيل حكومــة وحدة وطنية بعدها. اقتــرح ممثلو حماس أن تجري أولاً انتخابات فلســطينية شــاملة للمجلــس الوطني – وهي فكرة منــذ العــام 2011 )منذ أيــام الربيع العربــي( يطرحها ممثلو التنظيمات الفلســطين­ية الأصغر ونشطاء اجتماعيون – سياســيون يعملون خارج الأطر الرســمية والصدئة. ولكن موقــف «فتح» تغلب على ذلك. في هــذه الأثناء وجهت الجبهة الشعبية انتقاداً. هي بالطبع تؤيد الانتخابات، خاصة للمجلس الوطني، ولكنها تخاف من أن تؤدي النزاعات بين فتح وحماس إلى إبقاء التنظيمات الأخرى خارج الإطار، وتفضل أولاً تشكيل حكومة وحدة تتولى هي مهمتها.

وعدوا بأن تكون هناك جلســة ثانية عبر الإنترنت للأمناء العامــن للفصائل )عقدت أمس( لمناقشــة التفاهمات والإعداد

للانتخابات. والخميــس، تنكر المتحدثون باســم «فتح» لهذا الوعد. في مســاء اليوم نفسه اجتمعت «مركزية فتح» وتم فيها مناقشــة الانتخابات. ولكن تقرر أيضاً، حسب أقوال الرجوب «تشــكيل قيادة موحــدة تتحمل مســؤولية تطويــر المقاومة الشــعبية والنشــاطا­ت الوطنية في الوطن والخــارج». هذه الصياغة الضبابية والشــعاري­ة وتأجيل اللقاء عبر الإنترنت، تدل على وجود خلافات في الرأي.

لا شــك في أن الشــعب يريد المصالحة. ولكــن الحديث عن المصالحة ســيف مــن كرتون تلوح به الســلطة الفلســطين­ية بين حين وآخر تجاه إســرائيل. وإســرائيل والإســرائ­يليون لا يتأثــرون مــن التطورات التي تــراوح مكانها في الســاحة الفلســطين­ية. ثمة إشــارة واحدة للاهتمام بهــا، مع ذلك، من الجيش الإسرائيلي والشــاباك: في يوم الجمعة اعتقل حسن يوســف مرة أخرى، من قــادة حماس في الضفــة. في كل مرة تبدأ فيها عملية مصالحة معينة، تحرص إســرائيل على اعتقال أعضاء حماس المشاركين فيها.

هآرتس 2020/10/4

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom