Al-Quds Al-Arabi

لماذا استعجلت أمريكا و«إسرائيل» ترسيم الحدود مع لبنان؟

- *كاتب لبناني

أعلــن رئيس مجلــس النواب نبيه بري منتصفَ الأســبوع الماضي، عــن اتفاق إطار لبدء مفاوضات بين لبنان و»إســرائيل» بشــأن ترسيم الحدود البريــة والبحريــة بينهمــا، تحــت رعايــة الأمم المتحدة، وبوســاطة الولايات المتحدة، مؤكداً على انــه ليس اتفاقاً نهائيــاً، وأن الجيش اللبناني ســيتولى المفاوضات برعاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وأي حكومة عتيدة.

ملف المفاوضات بين لبنان ودولة العدو فُتح ســنة 2010، وتواصلت بشأنه اتصالات متقطعة نحو عشر سنوات، إلى أن وافــق الطرفان، بفعل وســاطة أمريكية،على اتفاق إطار في 7/2020/9 يُحدد الأســس التي تبدأ بموجبها المفاوضات في 14 الشــهر الجاري، تحت علم الأمم المتحدة في مقر قوات الطــوارئ الدولية «يونيفيل» في بلــدة الناقورة الحدودية اللبنانية.

أســئلة كثيــرة طُرحت حــول الدوافــع والمرامــي التي حملت أمريكا، ومن ورائها «اســرائيل» علــى تعجيل البدء بالمفاوضات، قبل نحو شــهر من موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكيــ­ة، وفي غمرة جائحةٍ كورونيــة عاتية، ضربت كِلا الدولتين وتســبّبت باضطرابات سياسية وأمنية وبخسائر اقتصادية. لعل ابرز الدوافع والمرامي ثمانية:

*أولاً، فشلُ الضغوط التي مارســتها أمريكا لحمل لبنان على اعتمــاد خطةٍ طرحهــا مبعوثها فريدريك هوف ســنة 2012، لقسمة المنطقة البحرية المتنازع عليها ومساحتها 860 كيلومتراً مربعاً على أســاس أن تكون حصة لبنان منها 500 كيلومتر و»إسرائيل» 360 كيلومترا، لكن لبنان رفض الخطة لكون كامل المســاحة المذكــورة واقعة برمتهــا ضمن مياهه الإقليمية.

*ثانيــاً، فشــلُ الاعتــداء­ات العســكرية الإســرائي­لية طوال الســنوات العشر الماضية، ولاســيما حرب 2006، في حمل لبنان علــى تغيير موقفه الرافض لمطامع «إســرائيل» وضغوطها.

*ثالثاً، مباشرةُ «إسرائيل» في التنقيب عن النفط والغاز فــي المياه الإقليميــ­ة الفلســطين­ية المحاذية لحــدود لبنان الجنوبية، وإقامة منشــآت لاســتثمار الإنتــاج، والتلويح بتمديد عمليات التنقيب إلى المنطقــة الاقتصادية الخالصة اللبنانية، ما أدى إلى إعلان الســيد حســن نصرالله موقفاً صارمــاً بعزم المقاومة على الرد بقوة ســاحقة على العدوان الإســرائي­لي، ما يعني تدمير المنشــآت البحرية التي أقامها العدو.

*رابعاً، إقدامُ العدو، بعد إنجازه إقامة منشــآته النفطية البحرية، على عقد اتفاق مع قبرص واليونان ومصر، لإنشاء أنبوب بحري لنقل الغاز إلى اليونــان، ومن ثم إلى إيطاليا لتموين دول أوروبا بهذه المادة الاســترات­يجية، الأمر الذي يستدعي توفير حماية كاملة لمنشــآته البحرية، وذلك بحل الخلاف على ترسيم الحدود مع لبنان تفادياً لتدمير منشآته من قِبل حزب الله.

*خامســاً، تأكّــد العــدو الصهيوني من تعاظــم قدرات حزب اللــه، إذ أصبح في مقدور صواريخــه الدقيقة ضرب العمق الإســرائي­لي بما يحتويه من مرافــق حيوية كالموانئ والمطارات والمصانع والقواعد العسكرية. وكان لافتاً في هذا السياق تصريح لوزير الأمن بني غانتس، محذراً من فعالية قدرات حزب الله العسكرية وضرورة عدم الاستخفاف بها.

*سادســاً، لاحظ العدو أن لبنان يعاني منذ مطلع العام الجــاري، انهيــاراً اقتصاديــاً، واضطرابات سياســية، ما ينعكس ســلباً على مركزه التفاوضي ويتيح لـ»ِإســرائيل» فرصة نادرة لاســتغلال­ها في ســياق محاولاتها المتواصلة للاستيلاء على مساحة واسعة من المياه الإقليمية اللبنانية، حيث كميات هائلة من الغاز والنفط.

*ســابعاً، تُدرك «إســرائيل» أن دونالد ترامب هو أقوى وافضل رئيس أمريكي ســاندها وموّلها وســلحها بسخاء منقطع النظير، لكن بقاءه في البيت الأبيض غير مضمون، إذ قد يخســر أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن، لذا فالأفضل لها انتهاز وجوده في البيت الأبيض، واستغلال شبقه للبقاء فيه بإغرائه بتحقيق «انتصــارات» خارجية، لتوظيفها في الانتخابات الرئاســية، وبأن لبنان هو أحد المواقع المتاحة ـ في ظنّها ـ لتحقيق «انتصار مضمون». من هنا يمكن تفســير تدخــل إدارة ترامــب مع المســؤولي­ن اللبنانيــ­ن لإقناعهم بالقبول بإطارٍ للمفاوضات، يبدو مراعياً مصالح بلادهم.

*ثامناً، يصعب على المنظومة الحاكمة في لبنان، وســط الانهيار الاقتصادي والمالي الــذي تعانيه البلاد، أن ترفض عرضــاً للبدء بمفاوضــات أولية مع «إســرائيل» وفق إطار يراعي شــروط لبنان، وقد يؤدي إلى تمكينه من مباشــرة التنقيب عن الغــاز والنفط في منطقة غنيــة بهما، مع العلم أن المفاوضات قد تطول، وميزان القوى المائل حالياً لمصلحة خصوم أمريكا في المنطقة قد يميل أكثر لمصلحة أطراف محور المقاومــة، ما يؤدي إلى تعزيز مركز لبنــان التفاوضي حيال «إسرائيل».

غير أن إعلان الرئيس بري، حليــف حزب الله، للاتفاق ـ الإطــار، حمل خصوم الحــزب على انتقاد بــري من جهة، والتحذير من تداعيــات الاتفاق على حقوق لبنان في أرضه المحتلة من جهة أخرى، وذلك على النحو الآتي:

ــ جرى انتقاد بري لاســتعمال­ه مصطلح «إسرائيل» بدلاً من العدو أو الكيان الصهيونــي ما يوحي ـ في ظنّ الناقدين ـ أن رئيــس مجلس النواب بات متهاونــاً حيال عدوانيتها. والحال أن بري كشــف أســس الاتفاق ـ الإطــار الذي يضم أطرافاً عدةً، بينها «إسرائيل» فلا يعقل تضمينه مصطلحات عدائية ضد أحدها.

ــ أشــار منتقدون إلى تصريحٍ لوزير الطاقة الإسرائيلي

يوفال شــتاينتش حــول التوصل إلى إجــراء «مفاوضات مباشرة» مع لبنان، الأمر الذي يتعارض مع واقع أن لبنان ما زال في حال حرب مع «إسرائيل» وانه يعتبرها عدواً مغتصباً لفلسطين. والحال أن الاتفاق ـ الإطار الذي اعلنه بري، يشير إلى مفاوضات غير مباشرة وليس إلى مفاوضات مباشرة.

ــ أشــار منتقدون آخرون إلى أن الاتفاق ـ الإطار يشــير إلى التفاوض حول خلافــات على حدود بحرية، في حين أن الخلافات تتعلق بالحدود البرية أيضاً. والحال أن بري شدّد على التــازم في المفاوضات بين الحــدود البرية والبحرية، مع العلم أن الاتفاق المعلن تضمن إشــارة إلى تفاهم نيسان/ إبريــل وإلى قــرار مجلس الأمــن 1701 ســنة 2006 اللذين يتعلّقان أصلاً وفصلاً بالحدود البرية، وبالنقاط التي تحفّظ بشــأنها لبنان، كونها أراضي لبنانية، ما زالت «إســرائيل» تحتلها، وما زال لبنان يصرّ على إنهاء احتلالها.

ــ غير أن أبرز الملاحظات والتساؤلات انصبّت على مسألة تعهد حزب الله بالردّ على الاعتدائين الإسرائيلي­ين الأخيرين، اللذين أديا إلى ارتقاء شهداء من المقاومة. فهل سينفذ حزب الله وعــده ووعيده، بعد بدء المفاوضات غير المباشــرة، ما يؤدي إلــى تعطيلها؟ أم أنه سيســتنكف عن ذلك ما يشــي بوجود «صفقة» مــع أمريكا لإنجاح المفاوضــا­ت؟ قياديون في حزب الله أكــدوا على أنه ليس طرفاً في المفاوضات، وأن المقاومــة ما زالت في حال حرب مع العدو، وأن تعهد الســيد نصرالله بالــردّ على الإعتداءات الإســرائي­لية ما زال قائماً ومُلزماً، وسينفذ في الوقت الذي تراه القيادة مناسباً.

باختصــار، الإتفاق- الإطار، هو مجرد تحديد للأســس التي ســتجري المفاوضات بموجبها. فلا شــيء تحقق حتى الآن علــى صعيد المضمــون، ولا حدود جــرى التفاهم على ترســيمها في البرّ أو البحر. الإعداد للمفاوضات اســتغرق أكثر من عشــر ســنوات، ولا ينتظر المتابعون والمراقبون أن تنتهي إلى نتائج ايجابية في المستقبل المنظور، ولا بالتأكيد قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض.

الاتفاق- الإطار، مجرد تحديد للأسس التي ستجري المفاوضات بموجبها. فلا شيء تحقق للآن على صعيد المضمون ولا ترسيم للحدود البرية والبحرية

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom