Al-Quds Al-Arabi

خمس إشارات لاتفاق سلام السودان

-

إن مشــوار البحــث عن الســام الشــامل في الســودان ما زال طويلا ولم يصل بعد إلى نهاياته وغاياته المرجوة. فالاتفــاق الموقع في مدينة جوبا في الثالث من الشهر الجاري بين الحكومة الانتقالية وقوى الكفاح المســلح والمجموعات المنضوية تحت لواء الجبهة الثورية، لا يشــمل الحركة الشــعبية لتحريــر الســودان بقيادة عبد العزيــز الحلو ولا حركة تحرير الســودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، إضافة إلى أن عدة جهات، كالمجلس الأعلى لنظارات البجا في شــرق السودان وحركة قوات أسود الوطن التي أعلنت عن نفسها مؤخرا في غرب كردفان، اعلنــت رفضها لمجمل ما تم في جوبا من تفاوض وإتفاق. لكن رغما عن ذلك، ورغم أي ملاحظات ناقدة لنصوص وثيقة الإتفاق، ورغم أن درجة حماس وتفاعل الشارع السوداني مع الإتفاق كانت ضعيفة، أو لا ترقى إلى مســتوى الحدث، ربما بسبب تفشــي الإحباط والمعاناة الخانقة من جراء الوضــع الاقتصادي المنهــار والأداء الضعيف للحكومــة الإنتقالية لدرجة إهتزاز الثقة حيالها وإنغلاق الأفق مرة أخرى أمام الطموحات والآمال، فإن إتفاق جوبا لسلام الســودان يُعد نصرا وطنيا كبيرا ما دام سينهي الحرب الأهليــة ويوقف التقتيل والدمــار، ولو جزئيا، وما دام ســيفتح الطريق، ولو جزئيا أيضا، لمواجهة حلقات الأزمة الســوداني­ة المزمنة، والتي ازدادت اســتفحالا في ظل النظام البائد. إن تنفيذ إتفاق الســام، غالبا ما سيكون أصعب وأكثر تعقيدا من عملية التفاوض التي أنتجته، وســتواجهه الكثير من التحديــات وتضاريس الانتكاس، ولكن كلها يمكــن تخطيها وهزيمتها متى ما تســلحنا بالإرادة القوية وحسن الإدارة. وفي هذا الإتجاه، عَنَّتْ لي بعض الملاحظات والإشــارا­ت الأولية الســريعة، أطرحها لمزيد من النقاش والحوار، وبحث إمكانية إتخاذ خطوات عملية وملموسة بشأنها:

الإشارة الأولى، تســتند إلى حيثية يرددها الكثيرون، وهي أن السلام ســيظل منقوصا ومهددا بالإنتكاس ما لم يستكمل، وبأقصى سرعة، بجهد مماثل مــع الحركة الشــعبية شــمال/عبد العزيز الحلــو، وحركة تحرير الســودان/عبدالواحد محمد نور. هذا الجهد المماثل، أعتقد يجب أن تبذله الحكومة ســعيا للتوصل إلى إتفاق مع الحركتين، ومــن ثم العمل على عقد مؤتمر جامع يســتصحب كل الاتفاقات الســابقة الموقعة إبان عهد الإنقاذ، والحركات التي وقعت عليها، مثلما يســتصحب القوى السياسية والمدنية الأخرى، للخروج بمشــروع للســام الشامل في الســودان، مجمع عليه، يحقق الإســتقرا­ر السياســي والأمني، ويخلق واقعا جديــدا يوفر مناخا ملائما للتفاعل السياسي الســلمي في البلاد، يجب أن تستثمره كل القوى السياســية والإجتماعي­ة المناضلة من أجل تحقيق أهداف ثورة ديســمبر/ كانون الأول العظيمة، ولصالح المواطن الســوداني الــذي ظل، ولا يزال، يحصد البؤس والشقاء.

ونقول في الإشارة الثانية، أن المنطق السليم يدفع بأن ينصب كل إهتمام وجهد الموقعين على الإتفاقية، في مخاطبــة القضايا الجوهرية والمصيرية التي تضمنتها، والتي هي ســبب غياب الســام، وعــدم قصر الاتفاق على مجرد التغيير السطحي والشكلي، وحصره في المحاصصة وتوزيع كراسي الســلطة بين القوى الموقعة عليه. وفي هذا الصدد، ومباشرة بعد عودتهم إلى البــاد، أرى أن يتوجه قادة الحركات الموقعة إلى مناطقهم التي إكتوت بنيران الحرب، للتبشــير بإتفاق الســام، وللإســتما­ع إلى آراء ومطالب سكان تلك المناطق التي كان التفاوض يتم بإسمها.

من الطبيعي أن تصبح القوى الموقعة على اتفاق الســام جزءا أساسيا في الحاضنة السياســية الحاكمــة للفترة الإنتقالية. وهــذا يتطلب إعادة النظر في هيكل وتركيبة الحاضنة السياسية الحالية، تحالف قوى الحرية والتغيير، وذلك في إتجاه توسيعها وإعادة هيكلتها لتقوم بدورها المنشود في متابعة أداء أجهزة الحكم الإنتقالي، ومتابعة تنفيذ الترتيبات الإنتقالية، بما في ذلك ما هو متوقع من إعادة النظر في الوثيقة الدســتوري­ة وتعديلها، لا لتشــمل ما جاء في اتفاق السلام وحســب، بل لتتم مراجعتها على ضوء التجربة والممارسة خلال المرحلة السابقة من عمر الفترة الإنتقالية وما برز من ســلبيات وقصور في الوثيقة. وهذه هي إشــارتنا الثالثة، وفيها نقول أيضا إذا ما أردنا تفادي، أو التقليل من، ســلبيات أداء الأجهزة الإنتقالية، فليكن تكوين المجلس التشــريعي والمفوضيات القومية فــي قمة أولويات تنفيذ الإتفاق.

أما بالنسبة لإشارتنا الرابعة، فما دام الاتفاق أقر بتميد الفترة الإنتقالية ابتــداءً من تاريخ التوقيع النهائي، وأن القوى الموقعة على الاتفاق ســيتم تمثيلها في أجهزة الحكم الانتقالــ­ي، وأن عمر هذه الأجهزة قد تخطى العام في إدارة البلاد بأداء ضعيف وغير مقبول في تنفيذ أهداف الثورة، أرى أن تكون ضربة البداية عند دخول الاتفاقية حيز التنفيذ هي تقييم وتقويم أداء الاجهزة الانتقالية وإعادة هيكلتها، تعديلا أو تغييرا كليا. فبالنســبة لعدد أعضاء مجلس الســيادة، أرى الإبقاء على ما أقر في الوثيقة الدســتوري­ة، 11 عضــوا، وإن كنت أتمنى تقليص هــذا العدد، ولا معنــى لإضافة ثلاثة أعضاء جــدد لننتهي بمجلس ســيادة/رأس دولة مترهل مــن 14 عضوا، وربما 16، لن يجلب لنا ســوى اســتنزاف الموارد والســخرية! فإذا كان لا بــد من إلحاق ثلاثة من قيادات الحركات بمجلس الســيادة، فالصحيح في نظري هو استبدال ثلاثة بثلاثة. أما مجلس الوزراء، فإن أداءه يكاد يؤول إلى الصفر، حتى وصلت معاناة الناس حــدا لا يطاق، وربما تخرجهم إلى الشارع قريبا، في ظل غياب المجلس التشــريعي الذي كان يمكن أن يراقب أداء الحكومة ويســحب الثقة منها، وفي ظل الضعف والشــلل المتمكن من قوى الحرية والتغيير، الحزب الحاكم، وفي ظل أن وجود أو غياب ســبعة وزراء أساســيين لأكثر من شهرين لم يفرق. أعتقد لا بد من إعفاء كل مجلس الوزراء، وإعادة تشــكيله بدماء جديدة. الإشارة الخامسة والأخيرة، هي أن تتجه جهود كل المسؤولين في التركيبة الجديدة للفترة الإنتقالية، قدامى وجددا، لعلاج الوضع الاقتصــاد­ي المتردي إلى درجة خطيرة، وأن يتصدر هذا الأمر قمة الأولويات، إذ لا سلام مع إقتصاد منهار!.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom