Al-Quds Al-Arabi

لماذا يتجاهل الإسرائيلي­ون إسهامات الوسط العربي ويغضون أبصارهم عن أضرار اليهود؟

بسبب تجزيء الضفة وعودة آلاف العاملين من إسرائيل أسبوعياً إلى بيوتهم... و42 ألف إصابة مؤكدة ونحو 350 وفاة

- جدعون ليفي هآرتس 2020/10/8

■ لقد كان الأصوليون على مدى الســنين هدفاً لكراهية العلمانيين. اختلافهم، انغلاقهم، عاداتهم الغريبــة، زعماؤهم المتململون، لباســهم القديم، موقفهــم من النســاء، الإكراه الديني، وأساســاً حقيقة أنهــم لا يخدمون في الجيش، ولا يتعلمون المواضيع الأساسية بل وبعضهم لا يعمل أساساً... كل هذه أشعلت ناراً عظمى ضدهم. كانت الكراهية ضدهم عمياء، لاذعة، مبالغاً فيها وغير مناســبة. وكانت أحياناً تشبه اللاســامي­ة. وكانت التعابير التي اتخذت تجاههم من أبشــع التعابير وأكثرها تنفيراً. وإلى جانب مساهمتهم السلبية في تصميم الموقف منهم كانوا أيضاً ضحايا مشــاعر ظلامية بل وفاشــية أحياناً أيضاً. لقد أحب الإسرائيلي­ون المســتوطن­ين الذين ألحقوا أضراراً أكثر مصيرية بهم، وكرهوا الحريديين.

عــرب إســرائيل مكروهون، مقصيــون، مميز ضدهم، مظلومون، مهانون ومنبوذون أكثر بكثير. بخلاف الحريديين، اشــتبه بهم أيضــاً على نحو دائم كطابور خامس، يتآمر على شــخصية الدولة ويتطلع إلى تخريبها من الداخل. وكان إخلاصهم موضع شــك، ولم يعترف بمســاهمته­م للمجتمع وسدت طريقهم واشــترطت حريتهم. هم ضحايا واضحــون لنزعة القومية المتطرفــة والعنصرية المغروسة عميقاً في الدولة.

في أعقاب كورونا كانت هناك حاجة إلى إعادة تنظيم علاقة المجتمع بهذه التجمعات الســكانية وتقديرها. هذا هو الوقت للبدء، لإجراء حســاب متشدد مع الحريديين على سلوكهم السائب وعديم المراعاة والتغيير الجــذري للموقف تجاه العرب بفضل مساهمتهم.

إذا ما ظهر طابــور خامس في هذه المعركة فإنه الطائفة الحريدية، مع كل التعميمات المرافقة لذلك. لأول مرة في تاريخها، ســلوكها يقوض شخصية المجتمــع ويلحق به ضرراً عظيمــاً. فالتحلل التام لجماعات واســعة في هذه الطائفة مــن العبء، وتعالــي الحريديين علــى باقي الإســرائي­ليين: تجاهلهــم الفظ والوقــح بأزماتهــم، ومصاعبهم ومعاناتهم، ووضعهم في مكان جديد في المجتمع.

وحتــى من كن لهــم عطفاً واحترامــاً واعتقد بأن الموقف منهــم غير نزيه ومثيــر للحفيظة، لم يعد بوســعه أن يتجاهل ســلوكهم المعيب. هكذا يبدو الطابور الخامس. هكــذا تتصرف طائفة لا تراعي أحــداً غيــر ذاتهــا، واحتياجاته­ــا، ومعتقداتها وجنوناتهــ­ا. الحريديــو­ن ســيدفعون ثمناً على ذلك. ولن ينسى الإســرائي­ليون بسرعة سلوكهم بــذور الكراهيــة التــي زرعها الحريديــو­ن الآن خلقت بأيديهــم وضعاً لن توافق فيه الأغلبية بعد اليوم على مواصلة قواعد اللعب السابقة. فغياب التضامــن يجب أن يترافق وشــارة ثمــن. إدارة ظهورهم للمجتمع يجب ألا تنسى في ظل تعريض حياة وصحة الكثيرين للخطــر. وهذا لن يحصل في يوم واحد، ولكنهم سيشتاقون للواقع الحالي. فالكراهية تجاههم ستتعاظم وتتفجر.

بالمقابــل، يجــب أن تكــون هذه هي الســاعة الجميلــة للطائفــة المقصية والأكثــر ولاء، عرب إسرائيل. هذه الطائفة تصرفت في البداية بشكل معيب وفاشــل في ضوء الوباء. في ظل التجاهل الفــظ للقواعــد والاحتياجا­ت، ولكــن مع مرور الزمن صحــت وغيرت الاتجاه. بعد أشــهر كانت فيها معدلات الإصابة في الوســط العربي تشــبه تلك لــدى الحريديــن، تعلموا الدرس وشــبهوا معدلات الإصابة بالمتوســط القطري. هذا هو زمن الاعتراف بالإصــاح الذي أجــروه في موضوع كورونا بل ولتقدير مســاهمتهم المبهرة في الحرب ضده. هذا ليس طابوراً خامســاً، هذا طابور أول أو ثانٍ. بســبب مســاهماته­م الأخــرى للمجتمع وللاقتصاد التي يضيــق المكان عن تفصيلها، على الإســرائي­ليين اليهود الرجوع عن موقفهم الناكر للجميل تجاههم.

في لحظة تلفزيونية نادرة ومثيرة، استضاف عراد نير هذا الأسبوع في أخبار 12 طبيبَي كورونا مــن مستشــفى «هعيمق» فــي العفولة، وشــهد اسماهما على انتمائهما الوطني: د. نائل بشارات، ود. إيهود باز، وتجادلا على شــدة الوباء. لم يكن لاصطلاح المســاواة بــن اليهود والعــرب تعبير أجمل من هذه اللحظة التلفزيوني­ة الساحرة. فمن يدري لعلها تبشر ببداية التغيير.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom