Al-Quds Al-Arabi

تباطؤ الكاظمي في ردع الميليشيات والتدخل الدولي: الدوافع والاحتمالا­ت

تردد الكاظمي في لجم الميليشيات المتمردة، وخاصة حزب الله، يعود إلى تخوفه من تحذيرات القوى الشيعية من نشوب حرب أهلية.

- بغداد ـ «القدس العربي»: مصطفى العبيدي

جدل وتساؤلات تملأ الشارع العراقي هذه الأيـام على خلفية وعود وإجـراءات حكومة الكاظمي لنزع سـاح الفصائل المنفلتة التي تتحدى الـدولـة والمجتمع الدولي، عبر تصعيد قصفها على المنطقة الخضراء ومطاري بغداد وأربيل، وسط تــســاؤلا­ت عــن الــــدور الأممـــي فــي لجم الميليشيات، وجدوى إجراءها الحوار مع قادة الفصائل وإيران من أجل التهدئة في العراق.

وفــي الـوقـت الــذي تتواصل الجهود الدبلوماسي­ة لتهدئة الـنـزاع الأمريكي الإيراني في العراق، سـواء عبر لقاءات الرئاسات الثلاث مع سفراء الولايات المتحدة وبريطانيا وإيـــران، إضافة إلى تحــركــات ممثلة الأمـــن الــعــام جينين بلاسخارت، فإن تحدي الفصائل المنفلتة متواصل عبر توجيه المزيد من صواريخ الـكـاتـيـ­وشـا عـلـى المـنـاطـق الحساسة والسكنية في بغداد وأربيل.

مــصــادر مطلعة أفــــادت أن السفير الأمــريــ­كــي أكـــد خـــال لـقـائـه برئيس الجمهورية برهم صالح، أن خطة نقل السفارة إلى أربيل في انتظار قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كما قدم السفير معلومات مهمة عن أسماء أبرز الفصائل التي تشن هجمات الكاتيوشا على السفارة والمعسكرات. ويشير خبراء أمنيون ان الـولايـات المتحدة تعرف الجـهـات التي تطلق الصواريخ، ولكنها تريد من الحكومة العراقية ان تعلن عنها، ليكون استهدافها سواء من القوات العراقية أو الأمريكية،

مقبولا وشرعيا.

الكاظمي، من جانبه، حاول في لقاء تلفزيوني أن يخفف القلق من الموقف الأمريكي ازاء القصف، فاشار إلى إنه «لم يستلم أي تهديد من أمريكا بشأن غلق سفارتها في العراق» بل وصله «انزعاج أمريكي بشأن أمن بعثاتهم في العراق». وحــذر الكاظمي مـن أن «غلق الـولايـات المتحدة ودول أخرى لسفارات بلادهم في العراق سيعزله دولياً ويتسبب بانهيار اقتصاده» مشددا أن «أمريكا دولة كبرى ويجب ان نحمي مصالحنا معها».

وعموما، تبدو تحـركـات وإجـــراءا­ت حكومة الكاظمي في التعامل مع الفصائل المنفلتة، مثيرة لحيرة العراقيين والكثير من المراقبين، فقد قرر الكاظمي، تشكيل لجنة للتحقيق في الهجمات على البعثات الدبلوماسي­ة، فيما يدرك العراقيون جيدا أن الجهات التي تطلق الصواريخ معروفة واعتقالها لا يحتاج إلى لجان، وهم يعرفون من خلال تجربتهم في التعامل مع حكومات ما بعد 2003 أن اللجان طريق لتسويف القضايا فـي الــعــراق، ومعظم اللجان التحقيقية حول القضايا الشائكة، عجزت عن إعـان نتائج عملها بسبب الضغوط السياسية. وبالتالي فإن تفسير مماطلة الحكومة في الكشف عن أسماء الجهات التي تقصف بالصواريخ، مـرده التردد وعـدم اتخاذ القرار الحاسم للمواجهة، رغم تأكيدات الإدارة الأمريكية استعدادها للوقوف مع بغداد للتصدي للميليشيات حسب المصادر المطلعة، إضافة إلى وجود الدعم الشعبي والسياسي الواسع لهذه الخطوة.

والحـقـيـق­ـة ان قـضـيـة الميليشيات ليست وحدها، التي تبدو فيها خطوات الكاظمي مــتــرددة، فهناك عــدم تنفيذ وعــــوده بـالـتـصـد­ي لحـيـتـان الـفـسـاد، وتراجعه مـؤخـرا فـي ملاحقة خاطفي نـاشـط فـي الناصرية بسبب تدخلات عشائرية وشيعية، وعجزه عن كشف قتلة الناشطين.

وفـي السياق، أثــارت تحركات ممثلة بعثة الأمم المتحدة فـي الـعـراق جينين بلاسخارت، ولقاءها المثير للاستغراب، بقيادي في كتائب حـزب الله والسفير الإيراني في بغداد، ردود أفعال سلبية، رغم الإعلان بأنها محاولة لتهدئة النزاع الأمريكي الإيراني المتصاعد على الساحة العراقية.

وقد تعرضت بلاسخارت إلى انتقادات واسـعـة مـن قبل سياسيين وناشطين عراقيين على منصات مواقع التواصل الاجتماعي، الذين اعتبروا تصرفها غير مقبول ويشجع الفصائل المتمردة، لأنه يعطي انطباعا بأن الأمم المتحدة تعترف بتأثيرها ووجودها. إضافة إلى أن تصدي الأمم المـتـحـدة لـلـخـاف بــن الحكومة والفصائل المـتـمـرد­ة، يعطي دليلا على ضعف الـدولـة العراقية، وعــدم قدرتها فرض القانون على الفصائل التي تتحداها بتوجيه من دول خارجية.

وفي خضم هذه التطورات السياسية، تبرز بعض المحطات ذات الصلة بالمشهد العام في العراق، ومنها اندلاع المواجهات بين زوار مرقد الإمام الحسين في كربلاء

وبــن الــقــوات الأمنية فـي ذروة زيــارة الأربعينية، حيث تصدت القوات الأمنية هناك لبعض الزوار الذين استغلوا موسم الـزيـارة ليطلقوا هتافات ضد الأحــزاب الفاسدة وأمريكا وإيــران. وقد أسفرت المواجهة عن حدوث إصابات بين الزوار واعتقال بعضهم، مما فجر تظاهرات في عدة محافظات للتضامن مع المتظاهرين واستنكار التصدي لهم. وقد رد المتظاهرون الغاضبون بمهاجمة مـقـرات الأحــزاب وأحرقوا بعضها في ذي قار التي زارها الكاظمي قبل أيام، كما قطع المتظاهرون شوارع وساحات في البصرة بالإطارات المشتعلة إضافة إلى ترديد هتافات ضد أحزاب السلطة، فيما تفجرت حملة إدانة وتـضـامـن مـع المتظاهرين فـي وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات التي اتهمت القوة التي تصدت للزوار بانها نفسها التي قتلت زملاءهم المتظاهرين. ويرى البعض ان مثل هذه الحـوادث وتضخيم ردود الأفعال عليها، هدفها إشغال الشارع عن العديد من القضايا الملحة مثل تعطيل قانون الانتخابات والأزمــة الاقتصادية وغيرها.

ومـن الـواضـح ان تــردد الكاظمي في لجم الميليشيات المتمردة، وخاصة حزب الله، يعود إلى تخوفه من تحذيرات القوى الشيعية من نشوب حرب أهلية شيعية، وهـي فرضية تحـرص إيــران على زرعها لدى حكومة الكاظمي عبر أدواتها. ولذا يسود اعتقاد بأن الكاظمي ربما يسعى إلى تحقيق هدفه سلميا بالتدريج بدون الدخول في صدام مباشر، وذلك من خلال كسب المزيد من القوى المؤثرة إلى جانبه قبل المواجهة، وليس الاعتماد فقط على الدعم الكردي والسني والشعبي والدولي، حيث يـحـرص لكسب بعض الأطـــراف الشيعية وخاصة تلك المرتبطة مصلحيا بالدولة ولا تريد خسارتها، إلا ان هذا السيناريو يبدو بعيد التحقيق، لأن جميع القوى الشيعية تتحد عندما تكون هناك مواجهة مصيرية وتنصاع لرغبات الحليف الشرقي، وبالتالي فلا خيار أمام الكاظمي سوى المواجهة أو خسارة كل شيء.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom