Al-Quds Al-Arabi

الأردن الحائر بين مخاطر الانتخاب ومحاذير التأجيل

«كوفيد - 19» يتحكم بمصير انتخابات مجلس النواب المقررة في 10 نوفمبر المقبل:

- وليد حسني

لا تزال الحيرة تحكم الأردنيين جميعهم تجــاه إمكانية إجــراء الانتخابات البرلمانية لانتخاب مجلس النواب التاسع عشر، وبين تأجيل موعد الاقتراع الذي حددته الهيئة المستقلة للانتخاب في العاشر من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.

تلك الحيرة العامة لا تتعلق فقط بجمهور الناخبين البالغ عددهم وفق الجداول النهائية 4.647.835 مليون ناخب وناخبة، بل تعدتها لتصبح مـوضـوعـا ضاغطا ظل مفتوحا على طـاولـة حكومتين أحداهما استقالت قبل أقـل من أسبوعين، حكومة د. عمر الرزاز، وحـكـومـة جـديـدة أعـلـن العاهل الأردنـي الملك عبد الله الثاني عن تكليف رئيسها د. بشر الخصاونة بتشكيلها مساء السابع من تشرين الأول/اكتوبر الجاري، وهي التي ستشرف من خلال الهيئة المستقلة على إجراء الانتخابات.

ومـن يحكم أي قـــرارات مقبلة تجاه الاستمرار قدما في الوصول إلى صناديق الاقتراع في العاشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل أو تأجيلها إلى سنة 2021 ليست الهيئة المستقلة أو حتى الحكومة بالقدر الــذي ستكون الكلمة النهائية فيها لفيروس كـورونـا المستجد «كـوفـيـد-19 « الذي لا يزال يسجل ارتفاعا خطرا بانتشاره المجتمعي في الأردن بعد ان تجـاوز عدد الإصابات حاجز عشرين ألف إصابة وتسجيل 131 حالة وفاة منذ شهر آذار/مــارس الماضي.

ووفقا لتوقعات اللجنة الوبائية ووزارة الصحة الأردنــيـ­ـة فإن احتمال ارتفاع الإصابات اليومي في الأسابيع القليلة المقبلة الذي قد يصل إلى أربعة آلاف إصابة يوميا سيعني وبالضرورة انهيارا كاملا للمنظومة الصحية المحلية، وبما يوحي ضمنا بــأن تأجيل موعد الاقتراع يصبح ضرورة ملحة، مع أن اللجنة الوبائية لم تتطرق لهذا الأمر.

وبالرغم من أن رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات د. خالد الـــكـــا­لـــدة لـــم يــشــر فـــي كـامـل تصريحاته لأية معلومات مؤكدة عن فتح خيار تأجيل الانتخابات إلا انه أصبح أكثر ميلا للتلميح إلى هذا الاحتمال مع تمسكه المتكرر بالتأكيد ان إجـراء الانتخابات لا يزال في موعده الذي قررته الهيئة في تموز/يوليو الماضي، وقبل نحو شهرين مـن حـل مجلس النواب الثامن عشر في السابع والعشرين من أيلول/سبتمبر الماضي.

فــي ظــل كــل تـلـك التخوفات فإن جائحة كورونا التي تضرب بعمق في المجتمع الأردني لم تؤثر بالمطلق على إجراءات الانتخابات التي تسير وفقا للجداول الزمنية المحـددة حسب قانون الانتخاب، وقد أنهت الهيئة المستقلة مرحلة تسجيل قوائم المرشحين، إيذانا بانطلاق الحملة الانتخابية التي تستمر حتى الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر ليدخل الأردن في يوم الصمت الانتخابي وهو اليوم الــذي يسبق يـوم الاقتراع وفيه تتوقف كل أعمال الدعاية الانتخابية وتمنع فيه أي مظاهر انتخابية للمرشحين وللناخبين على حد سواء.

وتجري الانتخابات على أساس قـانـون الانـتـخـا­ب الــصــادر سنة 2016 الـذي يعتمد نظام القوائم النسبية المغلقة لانـتـخـاب 130 نائبا منها 115 مقعدا وزعت على 23 دائــرة انتخابية، و15 مقعدا خصصت للكوتا النسائية بواقع مقعد واحـــد لكل محافظة 12« محافظة» و3 مقاعد لدوائر البدو المغلقة موزعة على بـدو الشمال والوسط والجنوب.

ويلاحظ أن انتخابات المجلس النيابي التاسع عشر المقبل سجلت ارتـفـاعـا واضـحـا بعدد القوائم المرشحة بخلاف التوقعات، في الوقت الذي تم فيه تشكيل العديد من القوائم لتقوم بوظيفة تشتيت الأصوات وليس المنافسة للوصول إلى مقاعد البرلمان.

ويثير تشكيل القوائم الـرأي الـعـام الأردنــــ­ي الـــذي يعتقد ان معظمها اعتمد على مـا يسميه «الحشوات» من أجل ضمان فوز مرشح رئيسي في القائمة يتولى عادة الإشراف على تشكيل قائمته ويـخـتـار لعضويتها مرشحين يعملون لديه كجامعي أصـوات لتعزيز فـــرص قائمته بالفوز والتصويت لــه، وهــو مـن يتولى عادة الصرف المالي على القائمة

ودعم مرشحيها، وفي أحيان يقدم دعما ماليا شخصيا للمرشحين، بما يشبه شراء الذمم ولكنه يظهر للحكومة ولــلــرأي الـعـام بوجه قانوني مشروع لا يعاقب القانون عليه ولا يجرمه.

ولا تختلف الانتخابات النيابية المقبلة في الأردن عن سابقاتها لمجالس النواب الماضية، إذ يبقى الــنــاخـ­ـب مـحـكـومـا لاتجــاهــ­ات الـتـصـويـ­ت للعشيرة بـالـدرجـة الأولـــــ­ى، حـتـى ان الــعــديـ­ـد من مرشحي الأحزاب قليلة الانتشار تطرح مرشحيها باسم عشائرهم ولا تقدمهم للجمهور كمرشحين بـاسـم الحــــزب، لـكـون الناخب الأردنـــي لا يختار مرشحه على أســـاس بـرامـجـي أو حـزبـي أو سياسي، حتى ان حــزب جبهة العمل الإسـامـي أكبر الأحــزاب الأردنية وأوسعها انتشارا لجأ إلى بناء قوائمه الانتخابية على أساس تحـالـفـات محلية مــع مرشحين آخرين سواء أكانوا عشائريين أو يمثلون قيادات مجتمعية محلية في دوائرهم الانتخابية وهو ما بدأ بالعمل به منذ انتخابات المجلس الثامن عشر السابق سنة 2016 وأعــاد ذات التجربة والنهج في الانتخابات الحالية.

ووفقا لتوقعات مراقبين فإن نسبة المشاركة العامة في انتخابات المجلس النيابي التاسع عشر لن تزيد في أحسن أحوالها عن نسبة المشاركة في الانتخابات السابقة البالغة 36 فـي المئة بالرغم من ارتفاع عدد من يحق لهم الانتخاب

هذه السنة بحوالي نصف مليون نـاخـب ونـاخـبـة عــن انتخابات 2016 إلا أن الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعيشها الأردنيون في مختلف قطاعاتهم المهنية والوظيفية منذ آذار/مارس الماضي والسياسات الحكومية الرامية لاحتواء جائحة كورونا قد أثرت سلبا على المواطنين، وعلى مدى استجابتهم وانخراطهم في الأجــواء والنشاطات الانتخابية بسبب قــــرارات الحـكـومـة بمنع التجمهر والاخــتــ­اط لأكـثـر من عشرين شخصا، وأدت بالنتيجة إلى اختفاء المظاهر الاحتفالية التي ترافق عادة أي موسم انتخابي، ممــا أثـــر سـلـبـا عـلـى مــا يعرف بـ«اقتصاد الانـتـخـا­بـات» الـذي يمر بحالة سبات وانكماش غير مسبوقين.

تلك الأجـواء التي يهيمن عليها تماما الخوف من اتساع الانتشار المجتمعي لفيروس كـورونـا من المــرجــح لــه أن يـؤثـر على حجم ونسبة المشاركة للناخبين يوم الاقتراع، وهي تخوفات وضعت على طاولة الدولة والهيئة المستقلة فـي حالة انتظار إلــى أن تتضح مسارات الجائحة وعندها ستحدد الاتجاهات.

وتكشف قوائم المرشحين عن العديد من المفارقات لعل من أبرزها لجـوء سيدات لتشكيل قائمتين فــي كــل مــن محافظتي الـكـرك وعجلون تضم نساء فقط، وهي ظاهرة تتكرر للمرة الثانية بعد أن قامت سيدات في انتخابات 2016

بتشكيل قائمة خالصة من النساء لم تنجح أي منهن بالوصول إلى قبة البرلمان.

ومــن أبـــرز المعطيات الأولـيـة أن حزب جبهة العمل الإسلامي شكل قوائمه الانتخابية تحت عنوانه القديم «قائمة الإصلاح» في العديد من الدوائر الانتخابية، أعاد فيها طرح معظم نوابه السابقين في المجلس الثامن عشر الماضي، مشكلا قـوائـمـه مـن «حـشـوات» تعمل كجامعي أصـــوات لمرشح الحزب الرئيسي.

ويـعـانـي حــزب جبهة العمل الإسلامي في الانتخابات الحالية من منافسة واسعة من مرشحي أحــزاب خرجوا من رحم الحركة الإسلامية الأم، على نحو حزب «زمـــزم» الــذي يطرح العديد من مرشحيه دون الكشف عن هويتهم الحزبية، وكذلك جمعية الإخوان المسلمين المــرخــص­ــة، والـوسـط الإســـامـ­ــي ..الـــــخ، وجميعهم يطرحون مرشحيهم بدون الإعلان عن هوياتهم الحزبية.

ومـــا يجعل مـرشـحـي العمل الإسلامي في أزمة تنافس أن معظم مرشحي تلك الأحزاب يتنافسون على سلة أصــوات واحــدة وذات لون واحد مما يبقي المنافسة بينهم على أشدها.

وفي الوقت الذي يردد البعض فيه رغبة الدولة بدعم مرشحين إسلاميين يمثلون أحزابا أخرى لـلـتـأثـي­ـر عـلـى فـــرص مرشحي حزب العمل الإسلامي، فإن هذه التقولات تحتاج لمن يؤكدها أو ينفيها، وهي أقرب إلى الإشاعات منها إلى الحقائق.

لــم يبق على مـوعـد الاقــتــر­اع الانتخابي الكبير في الأردن غير قرابة الشهر إلا ان الحيرة لا تزال تحكم المشهد بكامل تفاصيله بدءا من الدولة وانتهاء بالناخبين والمراقبين، ولا يزال فيروس كوفيد المستجد هو من يحكم الانتخابات الأردنـــي­ـــة ووحــــده مــن سيقرر الاقـتـراع في العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، أو التأجيل لمطالع اذار/مارس المقبل.

وأيا يكن قرار كوفيد-19 فإن كل الإجــراءا­ت القانونية الناظمة للعملية الانتخابية قد انتهت ولم يتبق غير استكمال مرحلة الدعاية ثم الاقتراع والفرز وإعلان النتائج، وتلك مواعيد لا تزال في ملف خطر مفتوح على طاولة تحسب موعد الاقتراع بعدد المصابين بكورونا، ولا تنظر لعدد مـن سيقاطعون الانتخابات أو عدد من سيشاركون فيها.

وتـلـك معضــلة ستــكــشف عن مراســيها قـــابلات الأياـــم الـــتـي سيـظــل يحكمها الخوف والانتظار.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom