Al-Quds Al-Arabi

الأردن والعلاقات الدولية: فوبيا «أوسلو 2» واستسلام لحمى التطبيع ومخاوف من «أنيميا الدور الإقليمي»

- عمان ـ «القدس العربي»: إبراهيم نوار

يقف مفكر سياسي بارز في الأردن من وزن عدنان أبو عودة بصيغة عميقة على محطة الاستفسار أو الشغف الملموس نخبويا في طرح سؤال «الدور الأردني».

الانطباع قوي في الأوساط السياسية الأردنية بأن القلق ينمو أو ينبغي ان ينمو أكثر من جراء التداعيات الإقليمية الأخيرة على تلك الحصة التي كانت مألوفة للأردن في هوامش ملفات الإقليم والمنطقة.

يزيد الخـوف ويلمس أطــراف العديد من أدوات الحكم والإدارة السياسية في الأردن بعدما لاحظ الجميع أن الخارجية الأردنية بدأت تستعين بأبو ظبي والقاهرة لاستقبال وايصال الرسائل إلى شريك السلام الإسرائيلي القديم ضمن معطيات تبديل لا يمكن انــكــار حساسيتها أو أهميتها.

وزاد الـقـلـق عـنـدمـا بـــدأ الـشـريـك الفلسطيني الرسمي بدوره وبعد أيام قليلة مما يسمى بلقاء أريحا في تفعيل وتنشيط ملف المصالحة الفلسطينية الداخلية عبر

بوابتي تركيا وقطر ومن دون وضع الجار الأردني بصورة التفاصيل أو إظهار لهجة متشددة فـي مواجهة سلسلة نصائح أردنـيـة تحــذر مـن تـدحـرج وتسلل ملف المصالحة ضمن معادلة تؤدي إلى تمكين حركة حماس والإخـــوا­ن المسلمين فقط بالنتيجة.

القيادي الفلسطيني الذي أدار كواليس لقاءات المصالحة مع حماس اللواء جبريل الــرجــوب، تلمس ولــو عـن بعد مظاهر التحفظ الأردني على غياب المعلومات.

الأهـــم هـو مـا يـلـي: سمعت «الـقـدس العربي» في موقع سيادي أردني سؤالا بمنتهى الـغـرابـة، فعلها الفلسطينيو­ن سابقا في أوسلو فهل يوجد ما يمنع اليوم ان نتفاجأ كأردنيين بعد مرحلة التطبيع الابراهيمي بنسخة ثانية من أوسلو وراء ظهرنا؟

يبدو السؤال مؤشرا على أزمة الحاصلة بين عمان وسلطة رام الله.

لكنه أيـضـا ســـؤال يعكس مستوى الضيق والقلق وسط النخبة الأردنية فيما يسمى اليوم بأزمة غياب الدور.

الخيارات الاقتصادية للناخب وللحكومة الأردنية الجديدة مليئة بالتحديات؛ فـالأردن هو أكثر الدول العربية انكشافا على الحقائق الجيوسياسي­ة لمنطقة الشرق الأوسط، حتى بالمقارنة مع لبنان الذي يعتبره المحللون مرآة سياسية للتوازنات الإقليمية. ويترك هذا الانكشاف آثارا عميقة على الحالة الاقتصادية للأردن، فهو يزدهر في فترات الاستقرار، ويتعرض لأضرار في أوقات التوتر والتقلبات. وبسبب التطورات الراهنة، التي تنطوي على إعــادة رسم خريطة التوازنات الإقليمية، فإنه يواجه تحديات اقتصادية وسياسية كبيرة، تحتاج مواجهتها إلى الإنطلاق على أساس رؤية إقليمية واضحة، جنبا إلى جنب مع رؤية محلية تسترشد بمؤشرات حقيقية لضمان تحفيز النمو الاقتصادي، وزيادة فرص العمل، وتحقيق العدالة والقضاء على التفاوت المناطقي والاجتماعي. الثقة

وزراء خارجية الأردن ومصر وفرنسا

لا يرى أبو عودة عندما كانت «القدس العربي» تناقشه من زاوية تحليلية، مبررا للهلع السياسي ليس لأسـبـاب تتعلق بالتاريخ أو الجغرافيا فقط ولكن لأن أدوار الجميع في المنطقة لا يحددها لا الأردني ولا الفلسطيني للأسف الشديد.

يقترح أبو عودة مجددا مقاربة فكرية عميقة تنهي حالة الجهل بجوهر المشروع الإسرائيلي، معتبرا ان الأدوار مهما كانت ليست بصدد التعرض للخطر وان القلق مبالغ فيه.

لكن على هامش نقاش مع عدد قليل من المثقفين والساسة سمعت «القدس العربي» وزيــر الـبـاط الأردنـــي الأسـبـق الدكتور مروان المعشر يعتبر أن غياب أو تغييب أو عدم وجود دور أساسي ومفصلي لبلاده في قضايا الإقليم مسألة ينبغي أن تناقش وبعمق وصراحة وعلى أساس انها تشكل تحديا اليوم لا يليق بتراث الأردن ودوره. يقولها المعشر بكل صراحة «لا أحد اليوم يهتم ويتحدث معنا».

وفي الواقع لا أحد يتحدث مع النظام الرسمي العربي برمته وليس مع الأردن

ويزيد من خطورة الوضع الاقتصادي الراهن أن العالم كله يمر بفترة خانقة شديدة الصعوبة، بسبب تداعيات جائحة كورونا وما صاحبها حتى الآن من انكماش معدلات النمو والتجارة والاستثمار، وتعثر خطط تحفيز الاقتصاد في الكثير من دول العالم. ومهما كانت محاولات تحقيق الاستقرار السياسي، فإن الأمر سيتوقف على مدى النجاح في حل معضلة النمو، وتوفير الفرص الكافية للعمل، خصوصا للشباب، الذي يعاني من معدل بطالة يرتفع إلى أكثر من ضعف المعدل العام البطالة في البلاد.

ومثل غيره من اقتصادات العالم، كان لابد أن تلعب الحكومة دورا ماليا محوريا في مواجهة تداعيات انتشار وبـاء كورونا، وهو ما ساعد على تخفيض معدلات الإصابة والوفيات. لكن تكلفة التمويل، وعدم اليقين بشأن إمكانات تعافي الاقتصاد خلال النصف الثاني من العام الحالي، واحتمال ظهور موجة ثانية من الإصابات، يسبب حالة من الغموض بشأن الوضع

فقط. لكن المخاوف جدية وضميريا ينبغي التوقف عن انكارها على المصالح الأردنية العليا والأساسية وأحيانا الوجودية في راي رجل الدولة والسياسة طاهر المصري، إذا لم تحصل وقفة وطنية مع التفاصيل تعيد إنتاج الـدور الأردنـي الإقليمي وبما يحافظ على مصالح الأردنــيـ­ـن دولــة وشعبا.

المصري وبقية الفرقاء متفقون على ضرورة عدم استسهال التحول البراغماتي الأخير الذي بدأته الإمارات ضمن ما يسمى «حمى التطبيع» المباغتة والتي تخدم في النهاية طرفا واحدا فقط هو إسرائيل.

الإشــــار­ات بهذا المعنى تتوالى على تهديد محتمل للمصالح والأدوار الأردنية فـي العمق الإقليمي خصوصا فـي ظل تمسك الأردن بخيار الدولتين وتشدده في مسألتي القدس والمسجد الأقصى وحماسه الفاتر جدا لمشاريع مؤتمر المنامة وتعبيرات صفقة القرن التي قـال وزير الخارجية أيمن الصفدي مبكرا ومباشرة لـ«القدس العربي» إن أحدا لم يتحدث مع بلاده بشأن تفاصيلها.

الانطباع أشبه بعقيدة داخــل مركز ودوائـر القرار الأردنية بأن البقاء ضمن المحور السعودي والمصري ليس خيارا، والابتعاد عن هذا المحور أشبه بالمستحيل أو الانتحار السياسي.

والقناعة تصل إلـى مستوى العقيدة أيضا بأن غياب العراق وإخــراج سوريا من الجغرافيا السياسية، عوامل ضغط أساسية تحسم حالة التموقع الأردنية مهما بلغت الكلف وتداعت النتائج وعلى أســـاس يـؤكـد أن الاقــتــر­اب مــن إيــران ومحور المقاومة هو المستحيل بحد ذاته، والاستراتي­جية الوحيدة الفعالة والتي لا تـزال معتمدة حتى اللحظة عند التفاعل مع الجار التركي هي تجنب النوم معه في فراش واحد.

بالتالي وبعد غياب بغداد ودمشق من مستوى التأثير والثقل يجد الأردن نفسه مضطرا للتعامل مع تركيا بالقطعة والتقصير ومع إيران بالجفاء والتنقيط.

ويجد الأردنــي نفسه بالنتيجة معنيا بتحمل كلفة البقاء في أحضان المحور المصري السعودي برفقة المحاولة على

أساس تجاري مع العراق الجديد والحسم فــي مشهد الـتـجـاذب اللبناني ضمن سياقات التحالف المنطقي، كما يجد نفسه في ظل أزمته النشطة والعميقة مع اليمين الإسرائيلي خارج نطاق أي خيار لا علاقة له بالعباءة الإماراتية تحديدا.

هـــذا الــتــعــ­دد والــتــنـ­ـوع فــي مظاهر وتعبيرات أزمـة العلاقات الدبلوماسي­ة والتحالفات السياسية الأردنية له دوما ما يبرره، ويمثل نتيجة لمسلسل مرحلة الاتفاقيات الابراهيمي­ة في توقيت سيئ زمنيا وسياسيا عنوانه حصار وضغط من اليمين الإسرائيلي وأزمة ثقة تجد دوما من ينفخ فيها مع السلطة الفلسطينية وقيادة حركة فتح والمنظمات.

كل تلك مستجدات حساسة بتقدير المـعـشـر والمــصــر­ي ومـعـهـا غـيـرهـا من المؤشرات التي أضعفت الدور الأردني.

وهي نفسها مؤشرات سبق ان قفزت بهذا الــدور لصالح أو في اتجــاه منطق يضغط بـشـدة لإبــقــاء الأردن محشوا ومــحــشــ­ورا فــي سـيـاق مـعـادلـة الـــدور الأمـنـي على المستوى الإقليمي. وهي معادلة لا يخفي السياسيون الأردنيون الــيــوم شغفهم بمراقبتها باعتبارها محصلة لأطنان من الاحتقان السياسي والانحباس الإقليمي وتزاحم الملفات، كما كانت محصلة للمبالغات والتهويلات السابقة التي كانت تبالغ في مسألة الدور وتتعامل مع تداعياته في إطـار سردي يميل إلى التهويل. « الأنيميا» الدبلوماسي­ة والسياسية الأردنية هذه الأيام محصلة للعديد من الاعتبارات، لكن الــدور الذي يتقلص في الهامش الإقليمي بوضوح وبـدون نكران يدفع ثمن مغامرات حمى التطبيع الخليجي المشار إليها.

ويعني ذلك ختاما بأن الفرصة لا تزال متاحة للاستدراك وتعويض الفاقد في الــدور، وتوسيع هوامش المـنـاورة قليلا باتجاه التنويع والتعدد والانفتاح الذي يقترحه سياسي خبير فـي العلاقات الدولية مثل الدكتور طالب الرفاعي، الــذي لا يجد مـا يمنع عمان مـن البحث في مصالحها ضمن جملة منضبطة غير مجازفة مع دمشق أو بغداد أو بيروت أو حتى مع طهران إذا لزم الأمر.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom