تطبيع الإمارات والبحرين مع إسرائيل هل يدخل الأردن في مأزق سياسي متعدد الأبعاد؟
فـي الخـامـس والعشرين من الـشـهـر الجــــاري تحــل الــذكــرى السادسة والعشرون لتوقيع اتفاق السلام «وادي عربة» بين إسرائيل والأردن، بعد عام من توقيع اتفاق أوسلو مع السلطة الفلسطينية والذي فتح باب التطبيع مع دول عربية وإسـامـيـة وبـعـض دول عدم الانحياز سابقا. هذا السلام كـمـا هــو الحـــال مــع مـصـر بقي باردا ورسميا ويكاد ينحصر في التعاون الأمني وربما الاقتصادي، بل تعرض لهزات في السنوات الأخيرة نتيجة عدة عوامل منها عــدم اكــتــراث حكومة الاحـتـال بالعلاقات مع المملكة الأردنية ما انعكس على العلاقات الشخصية بــن رئــيــس حـكـومـة الاحــتــال بنيامين نتنياهو والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وتعميق أزمة الثقة المتراكمة بينهما بعكس ما كان بين والده الملك الراحل حسين بن طلال ورئيس حكومة الاحتلال الراحل اسحق رابـن، الـذي وقع معه اتفاق وادي عربة وتميزت علاقاتها بالصداقة الشخصية. ومن المسائل التي نقلت العلاقات بينهما من البرود للتوتر حادثة السفارة الإسرائيلية في عمان ومقتل أردنيين برصاص حارس إسرائيلي عام 2017 تبعتها وعلى خلفيتها عملية استعادة الأردن لأراضي الغمر والباقورة في وادي عربة وجنوب بحيرة طبرية ورفض تمـديـد اتفاقية الاسـتـئـجـار مع إسرائيل في نهاية العام الماضي. كما أخذت العلاقات الثنائية تزداد توترا بعد أن بدأ اليمين الإسرائيلي يُصعد من خطاب ضم الأراضـي الفلسطينية المحتلة من جهة، ومن خـطـاب تهويد الـقـدس وتعزيز السيطرة على المسجد الأقصى من جهة أخــرى. عـاوة على ذلك تـأزمـت العلاقات بسبب اتخاذ الحكومة الإسرائيلية خطوات لم تحمل احتراماً لـأردن وحكومته وقيادته، كما حدث مثلاً في حادثة اعتقال المواطنيّن الأردنيين إدارياً وما رافق ذلك من حملة احتجاج شعبية عارمة في الأردن تطالب بــالإفــراج عـن الأســـرى ومعاقبة إسرائيل على ذلــك لـدرجـة قطع العلاقات بين البلدين. بعد ذلك تفاقم التوتر بعد الكشف في مطلع العام الحالي عن «صفقة القرن» التي تضمنت ضمّ الأغوار للسيادة الإسرائيلية مما أثار حنق الأردن الذي يرى بذلك تهديدا استراتيجيا لمـصـالحـه خــاصــة أنـــه يخشى مخططا إسرائيليا قديما غير معلن وهـو الرهان على تحويله لدولة
فلسطينية شرقي النهر. وعلى خلفية ذلــك جــاء توقيع اتفاقي التطبيع بين إسرائيل والإمــارات والبحرين مع احتمال انضمام دول أخرى وهذا تحول بالغ الأثر على الأردن ومكانته كوسيط ولاعب إقليمي بعدما بـدا وكــأن أسهمه قد تدنت في البورصة السياسية الإسرائيلية بالأساس.
رغم ذلك وقع الأردن وإسرائيل قـبـل أســبــوع بـعـد مـفـاوضـات استمرت لسنوات، اتفاقا يتيح تسيير رحـــات جــويــة تجـاريـة عـبـر المجــــال الجــــوي للجانبين بعد أسابيع من تطبيع الإمــارات والبحرين العلاقات مع إسرائيل. لكن مثل هــذا الاتـفـاق لا يعكس تحـــولا جـوهـريـا فــي الـعـاقـات المــتــوتــرة بينهما إنمـــا هــو لقاء على مصلحة مشتركة. وقالت إسرائيل إنها وقعت اتفاقا مع الأردن سيسمح للرحلات الجوية من الإمـارات والبحرين بالتحليق عبر الأجواء الإسرائيلية الأردنية. وقالت وزارة النقل الإسرائيلية إن الاتفاق نوقش على مدى سنوات، لكن البلدين لم يتمكنا من إتمامه إلا بعد أن وقعت إسرائيل اتفاقين تاريخيين الشهر الماضي لتطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين. وأضــافــت إن الاتــفــاق سيسمح للطائرات التجارية التي تطير عبر
مسار إسرائيل الأردن باختصار أوقـات الطيران لبعض المسارات بــن آســيــا وأوروبــــــا وأمـريـكـا الشمالية، بما في ذلك الرحلات من البحرين والإمارات.
وبشأن موقف الأردن من اتفاق التطبيع مع الإمـــارات والبحرين فقد تم إعلانه بوضوح على لسان وزيــر الخـارجـيـة أيمــن الصفدي الــذي قــال إن «التغيير المطلوب والخــطــوة الأسـاسـيـة» لتحقيق اتفاق السلام في الشرق الأوسط «يجب أن يأتيا من قبل إسرائيل» عبر «زوال الاحـتـال». وأضـاف الـصـفـدي، فـي بـيـان للخارجية الأردنــيــة فـي الشهر المـاضـي أن على إسرائيل «وقـف إجراءاتها التي تقوض حل الدولتين وتنهي الاحــتــال الـاشـرعـي لـأراضـي الفلسطينية». وأكد أن «أثر اتفاق تطبيع الـعـاقـات البحرينيةالإسرائيلية وكل اتفاقات السلام مع إسرائيل يعتمد على ما ستقوم به إسرائيل، فـإن بقي الاحتلال واستمرت إسرائيل في إجراءاتها سيتفاقم الصراع وسيتعمق ولن تنعم المنطقة بالسلام العادل الذي تقبله الشعوب ويمثل ضــرورة إقليمية ودولـــيـــة». مضيفا إن السلام «لن يكون شاملاً ودائماً إلا إذا قبلته الشعوب وتبنته، وذاك شرطه تلبية جميع حقوق الشعب الفلسطيني». ومن وقتها لم يتغير موقف الأردن رسميا من اتفاقي التطبيع وذلك استنادا على
فهمه بأن التطبيع يؤخر قيام دولة فلسطينية التي تخدم مصلحة عليا بالنسبة له ولاستقراره الداخلي، ولإدراكه بأن انضمام دول عربية للتطبيع المجاني قد قلّص هامش مناورته السياسية ومسّ بدوره كوسيط بصفته طـرفـا مرتبطا باتفاقية سلام مع إسرائيل جاءت بعد حالة حرب معها فعلا بعكس ما هو موجود في الحالة الإماراتية والبحرينية.
لا تخفي دراســة أعدها باحث أكــاديمــي قلق الأردن مـن حالة التقارب الإسرائيلي الخليجي، خـاصـة الإمــــارات والسعودية، فهذا التقارب يُفقد الأردن موقعه الجيوسياسي ويلغي الحاجة الخليجية له، ويحمل معه جملة من التحديات والمتاعب الاستراتيجية للمملكة. الصعوبات المتوقع أن يواجهها الأردن في مقبل الأيام تتمثل في شقين - بحسب الدراسة الأكاديمية التي أعدها الباحث حسن الـبـراري لصالح مؤسسة فردريش إيبرت الألمانية، أولهما أن صفقة الـسـام الإسرائيلية الإماراتية لا تلزم إسرائيل بإلغاء قرارها ضم مناطق الأغــوار، مما يبقي مخاوف الضم قائمة أمام الأردن. وفي شقها الثاني، تتخوف المملكة في رأيه من المس بدورها فــي رعــايــة الــقــدس والمـقـدسـات الإسلامية والمسيحية، من خلال لعب الإمـــارات والسعودية دورا جديدا هناك، خاصة أن أبو ظبي ستتولى نقل الحجاج المسلمين إلى القدس عبر مطار بن غوريون دون استخدام الأردن كقناة أو الاسـتـفـادة مـن موقعها كدولة مجاورة لإسرائيل.
لكن هناك تقييمات مغايرة في الأردن تخفف حدة تبعات التطبيع الخليجي على الأردن كما عبر عن ذلك الدكتور في الاقتصاد جواد العناني، نـائـب رئـيـس الـــوزراء الأردنـي السابق الذي لا يتفق مع البراري على أن الأردن تأخر بتنويع تحالفاته، مؤكدا أن الأردن حافظ على علاقات متوازنة مع مختلف الــــدول الـكـبـرى شـرقـا وغـربـا، من روسيا والصين وتركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وبقي متمسكا بالتحالف الأمريكي العربي. وأكد في حديث لـ»الجزيرة» أن علاقات الأردن مـع الإمــــارات والبحرين لم تتدهور مع توقيع اتفاقيات السلام مع إسرائيل، مستبعدا أن تمـارس هذه الـدول ضغوطا على الأردن خاصة في قضية الرعاية الهاشمية على القدس والمقدسات. وحــــول فــقــدان الأردن لـــدوره الجيوسياسي وكونه وسيطا بين الخليج وإسرائيل، قال العناني إن الأردن لم يكن يلعب دور الوسيط بين الخليج وإسرائيل، ولم يعمل على دمج إسرائيل بمنطقة الشرق الأوســط، من سعى في ذلـك هي الولايات المتحدة ومنظمات دولية.
وفي المقابل تختلف تقييمات مراقبين إسرائيليين أيـضـا في قراءة منظومة العلاقات الثنائية والإقليمية بعد اتفاقي التطبيع المذكورين، فيرى على سبيل المثال محلل الشؤون العربية في القناة الإسرائيلية 12 إيهود يعاري، أن اتفاق التطبيع سيعمق اللامبالاة الإسرائيلية التي يقودها نتنياهو في توجهاته بالتعامل مع الأردن المنطلقة من رفضه لتسوية الصراع بحجة كــونــه غـيـر قــابــل للحل وبالتالي فهو يسعى لإبطال الفيتو الفلسطيني على نسج علاقات مع دول عربية مختلفة. ويحذر رئــيــس وحـــدة الأبـــحـــاث داخــل الاستخبارات العسكرية سابقا الجـنـرال فـي الاحتياط عاموس غلعاد، من مواصلة الاستخفاف بالأردن رغم توقيع اتفاقات تطبيع مع دول عربية. وأوضح غلعاد في تصريحات إعلامية آخرها للإذاعة العبرية العامة أنه، مع كل الاحترام والأهـمـيـة لاتفاقي التطبيع مع الإمارات والبحرين تبقى علاقات التنسيق الأمني والاستراتيجي مع الأردن هي الأهم، منوها لوجود حـدود بطول مئات الكيلومترات مــعــه. ويـضـيـف «الأردن وقـف ويقف حاجزا بيننا وبين العراق ويحول دون توتر الجبهة الطويلة في الأغوار وهذا أمر مهم وحيوي بالنسبة لإسرائيل».
ودول
أوروبية