الاقتصاد الموريتاني: أزمة جفاف متواصلة وأزمة ميزانية متراكمة
إن الأوضـــاع الاقتصادية التي تشهدها موريتانيا منذ أواخــر العشرية الماضية ومطلع العشرية الحــالــيــة مــع بــدايــة سـنـة 2020 تعد في مجملها نذير خطر داهم نظرا للجفاف الــذي ضـرب جميع المرافق الحيوية للبلاد وشل جميع قطاعاتها الاقتصادية الحيوية. إذ من المعروف أن الاقتصاد الموريتاني هو بالأساس ريعي وهـش بطبعه نظرا لقلة الامكانيات المادية والنقص في البنية التحتية في قطاع الصناعة والـتـجـارة، بحيث تبقى الفلاحة هي القطاع الهام المنتج والمشغل والشريان الحيوي للاقتصاد المحلي والمـــورد المالي الأسـاسـي لميزانية الدولة.
كما أن معظم الشعب الموريتاني تمثل لـه الــزراعــة وتربية الماشية أسـاس مـورد رزقـه المالي. بالتالي تعتبر عاصفة الجفاف التي حلت مؤخرا بين سنة 2019 و 2020 في أنحاء موريتانيا كارثة إنسانية حقيقية إذ عطلت جميع المصالح الاقتصادية ووضعت البلاد والعباد في أزمة اجتماعية خانقة.
تمثل الزراعة الموريتانية الجزء الأهم في المعاملات التجارية والمالية بــالأســواق المحلية وتعتبر تربية الماشية المــزود الأساسي للتغذية المحلية مثل اللحوم البيضاء من الدواجن والطيور واللحوم الحمراء من الأغنام والأبقار وأيضا المواد الأساسية مثل الحليب والبيض. كما تعتبر أكبر قطاع مشغل لليد العاملة نظرا لتوفر أجزاء كبرى من الأراضي الفلاحية في كامل أرجاء موريتانيا وخاصة انفتاحها على جنوب غرب أفريقيا الذي سهل لها عملية تطوير هـذا القطاع وتخصص الاقتصاد الوطني الموريتاني في هذا القطاع الفلاحي مما يجعلها بالنتيجة موردا ماليا هاما جدا.
إلا أن أزمـــة الجـفـاف الأخـيـرة أصبحت كابوسا وطنيا وعائقا حقيقيا أمـــام التنمية المستدامة بحيث شلت النمو الاقتصادي للبلاد وبالتالي ارتفعت نسبة البطالة وحل عجز في المـيـزان التجاري نتيجة تقلص المبادلات التجارية الفلاحية. كما أصبح الهم الـبـارز للحكومة الموريتانية إيجاد مخرج لهذه الأزمة الزراعية التي تمثل الحـدث البارز لدي مختلف الطبقات الاجتماعية الموريتانية التي تسترزق من عوائد الفلاحة. إذ في هذا الإطار سارعت الحـكـومـة بـالاسـتـنـجـاد بــالــدول الأوروبـــيـــة فــي سـيـاق الـشـراكـة الأورومـتـوسـطـيـة لإيــجــاد حلول جذرية لهذه الأزمة.
وخـــصـــصـــت بـــعـــض الـــــدول الأوروبـيـة مشروع مساعدة مالية لتحفيز الاقتصاد الموريتاني لتجاوز محنته 10 مليون دولار سنة 2019 كدعم مـادي لهذا القطاع الحيوي والأساسي. كما يعد هطول الأمطار أساسيا في الفلاحة الموريتانية التي تسهل جميع المرافق الحيوية وتسهل عملية تسيير المنظومة الزراعية مثل البيع والـشـراء في الأسـواق خاصة في قطاع الماشية كالأغنام والدواجن والأبقار. لكن هذا العامل لا يمثل حلا جذريا لهذه الأزمة نظرا للظروف المناخية لذلك تسعى الحكومة لإيجاد بدائل لمصدر مياه الري.
إن الاستثمار في قطاع الفلاحة العصرية يعتبر هو البديل الوحيد ويشكل أهم مخطط لبرامج التنمية الاقتصادية الموريتانية، نظرا لأزمة المياه التي هي مرتبطة بالأساس بـهـطـول الأمــطــار وبـالـتـالـي غير مضمونة نـظـرا للتغير المناخي ولعوامل طبيعية وافتقار موريتانيا للمياه الجوفية. لذلك يجب وفق التخطيط الاستراتيجي والتنموي تقليص الاعتماد على هـذا القطاع وتنويع المجـــال الاقـتـصـادي مثل تعزيز المبادلات التجارية في بعض المـواد الأولية وجلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتركيز على قطاع الصناعة وتطوير مهارات اليد العاملة كمثال المغرب وتونس.
كـمـا أن الأراضـــــي الشاسعة الموريتانية والقريبة من العاصمة نـواكـشـوط تمثل عـامـا ايجابيا لتركيز أقــطــاب صناعية كبرى وتجارية هامة من أجل تنويع موارد الدولة المالية وتحفيز التنمية وتقوية الاقــتــصــاد لينفتح عـلـى محيطه الإقليمي والـدولـي. أما بخصوص الزراعة وتربية الماشية فيجب على الحكومة اتخاذ تدابير عصرية في هذا المجال والاستفادة من الشراكة الأوروبية خاصة مع فرنسا وألمانيا وجلب التقنيات الحديثة للتنقيب عن آبار مائية أو إنشاء أنهار اصطناعية
أو تحلية مياه البحر وتحويلها إلى قنوات سقوية عملاقة.
إن الاســتــثــمــار فــي مـثـل تلك المــشــاريــع الضخمة فــي القطاع الــزراعــي الموريتاني يشكل ثـورة حقيقية فـي المجــال ويحولها إلى دولـة خضراء وأكبر منتج للحوم والزراعة في منطقة شمال أفريقيا. وللتذكير بأكبر المشاريع التنموية في مجال الزراعة العربية نذكر منها السودان الذي يحتل المرتبة الأولى عربيا المستثمرة في قطاع الفلاحة بالتعاون مع بعض الدول الخليجية والصين حيث تم استغلال الأراضي للزراعة العصرية التي تعتمد تقنيات سقوية حديثة وبالتالي تم كسر عائق الفلاحة الرعوية التي تعتمد بالأساس على هطول الأمطار.
إن أزمـــة الجــفــاف الــتــي حلت
بموريتانيا تعد عامل تطوير لمراجعة مخططاتها التنموية الـزراعـيـة ورسم خطوط عريضة بعيدة الأمد للاستفادة من الامكانيات المحلية لتجعلها قطبا ايجابيا للإنتاج والقدرة التنافسية محليا أو عالميا. وبالتالي توفر النجاعة والمردودية للمنتجات الزراعية وتربية الماشية في المنطقة العربية. كما أن بعض الدول الخليجية التي ما زالت تشكو من عجز في الـزراعـة يمكن جلبها للاستثمار فـي الـقـطـاع الـزراعـي الموريتاني الواعد والذي يعد بدوره رافدا من روافد التنمية الاقتصادية ويـشـكـل مــصــدرا هــامــا للعوائد للميزانية الموريتانية التي ما زالت تعاني من تراكم العجز المالي. إذ تعد قطر والإمـارات العربية المتحدة من أبرز المستثمرين في المجال الزراعي خاصة في مصر والــســودان، أما الصين فهي أيضا عملاق إنشاء الأنهار المائية الاصطناعية وخاصة مشاريع تحلية مياه البحار وتحويلها إلى أنهار سقوية وممكن الإستفادة مـن برامجها فـي المجــال الـزراعـي لمواجهة أزمة الجفاف المتواصلة.
إن الرهان المستقبلي للحكومة الموريتانية يرتكز على إيجاد حلول جــذريــة لـلـخـروج مــن هــذه الأزمــة الخانقة بحيث تتطلب دراسة شاملة وكاملة من أجل استغلال المساعدات المالية التي تقدر بما يقارب 10 مليون دولار للتنمية الـزراعــيـة وكذلك الاستفادة من برامج البنك الدولي في مجال التنمية الفلاحية وتطوير إنــتــاج الـلـحـوم والحـلـيـب وحتى تحويلها إلى صــادرات، إذا حققت فيها فائضا إنتاجيا.