Al-Quds Al-Arabi

تأزم الوضع المالي للسلطة الفلسطينية يضع أموال المودعين في خطر

- إسماعيل عبدالهادي

تواجه السلطة الفلسطينية أزمـة مالية واقتصادية خانقة هي الأشد منذ تأسيسها، دفعت المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، إلـى تحذير المجتمع الدولي من أن السلطة على حافة الانهيار، وذلك بعد أن شهد حجم الاقتراض الداخلي من قبل السلطة ارتفاعاً كبيراً، حيث ساهم ارتفاع حجم الائتمان الممنوح للسلطة الفلسطينية من إجمالي التسهيلات المقدمة في السوق المحلية، في تقشف القطاع المصرفي وهـذا يضع المصارف والمؤسسات المقرضة، أمام تحديدات خاصة وإن تعذرت الحكومة عن تسديد الالتزامات المالية. كما أن ذلك يفوت على القطاع الخاص والأفراد فرص الاستفادة من التسهيلات الائتمانية، فيما سجلت القروض والتسهيلات المقدمة من القطاع المصرفي للحكومة، مستوى تاريخيا جديداً حتى نهاية تموز/يوليو، يتزامن ذلك مع أزمة مزدوجة تواجهها الحكومة ممثلة بالتبعات المالية السلبية لتفشي فيروس كورونا، كتراجع الايرادات المالية نتيجة تضرر الاقتصاد المحلي منذ اذار/ مارس الماضي وأزمة المقاصة منذ مطلع حزيران/يونيو 2020. وبلغ اجمالي القروض والتسهيلات غير المستحقة

من القطاع المصرفي للحكومة 1.93 مليار دولار حتى نهاية تموز/يوليو الماضي، بذلك تتجاوز الحكومة سقف الاقتراض المسموح للقطاع المصرفي تقديمه.

في سياق ذلك، طالب مختصون اقتصاديون القطاع المصرفي في السلطة بضرورة البحث عن بدائل من أجل تخطي أزماتها المالية، والضغط على الاحتلال من أجل استعادة أمـوال المقاصة وطـرق جميع الأبــواب العربية والدولية، للحفاظ على الوضع المالي من الانهيار.

يقول الخبير الاقتصادي معين رجب إن الأزمـة التي تعيشها السلطة والتي تهددها بالإنهيار ليست الأولى التي تواجهها، في حين أن الشعب الفلسطيني يدرك أن قرارات السلطة هي لحفظ الثوابت الوطنية، ولذلك صبر الموظف على عدم تلقيه الراتب، والقطاع الخاص مساند رغم ما لحق به من ضرر في ظل المساومة من قبل إسرائيل على الثوابت.

وأشـــار رجــب لــ«الـقـدس الـعـربـي» إلــى أن السلطة الفلسطينية لجأت إلى أسهل الطرق لتجاوز أزماتها المالية، وهي الاقتراض من البنوك وهـذا بلا شك ساعدها على تغطية جزء كبير من نفقاتها، لكن في ظل انسداد آفاق الحلول وارتفاع وتيرة الدين للبنوك، أصبحت البنوك مكشوفة ووصلت الديون حاجز السقف المحدد.

وبين أن البنوك لا تستطيع أن تقدم مزيداً من القروض

للحكومة، وذلك حفاظاً على أمـوال المودعين لا سيما إن تعثرت السلطة عن تسديد ما عليها من قـروض، كما أن الاستمرار في منح القروض يحرم القطاع الخاص والأفراد من الحصول على التسهيلات الائتمانية التي تقدمها البنوك.

وأوضـح أن البنوك حين تعطي الحكومة ديناً، فإنها تتحصل على فائدة عالية مقارنة بإقراضها الآخرين، داعياً الحكومة للضغط باتجاه حصولها على أموال المقاصة من دون أي شروط وعراقيل إسرائيلية، لأنها تغطي جزءاً كبيراً من نفقات السلطة.

وقــال الخبير الاقتصادى ماهر الطباع، إن السلطة الفلسطينية تحتاج شهرياً إلى ما يقرب من 150 مليون دولار لرواتب الموظفين ومصاريف تشغيلية، وهي الآن في مرحلة حرجة وعليها التزامات مالية تجاه الآخرين، والبدائل المتاحة أمامها محدودة جداً، لذلك لابد أن يكون لديها رؤية واسعة للخروج من هذه الأزمة بطرق جميع الأبواب.

وأضـاف لـ«القدس العربي» إن البنوك تعد شركات ربحية تضم أموال المساهمين والمودعين، وتقوم على وضع سقف سعري محدد لقروض قصيرة الأجل، وبالتالي إن العجز عن تسديد القروض يضر بالجهاز المصرفي، مشيراً في ذلك إلى أن فاتورة الحد من انتشار وباء كورونا في الأراضي الفلسطينية مرتفعة جداً، وأنها تزامنت مع وقت تواجه فيه السلطة حجزاً في أموال المقاصة منذ خمسة أشهر تقريباً.

وبين الطباع أن السلطة الفلسطينية تحاول البحث عن أي وسيلة لاستعادة أموال المقاصة، وذلك بطرق الأبواب العربية والأوروبية، لا سيما وأن باب الاقتراض من البنوك توقف نتيجة تراكم الديون المستحقة على السلطة.

ويرى أن تفعيل شبكة الأمان العربية وتوفير 100 مليون دولار شهرياً لدعم السلطة، أصبح ضرورة ملحة في الوقت الراهن، ولكنه يعتقد أن هذا الخيار صعب التحقيق، فكثير من الدول العربية لا تستطيع تقديم مساعدات للسلطة من دون موافقة أمريكية خاصة في ظل موجة التطبيع العربي.

وتشكل أمـوال المقاصة وهي الضرائب التي تجبيها إسرائيل نيابة عن السلطة بموجب بروتوكول باريس الاقـتـصـا­دي، نحو 60 في المئة من إجمالي مدخولات السلطة الشهرية، وتحاول إسرائيل بين الفينة والأخرى ابتزاز الفلسطينيي­ن بهذه الأموال لتحقيق مصالح سياسية عالقة، حيث لم تتسلم الحكومة أموال المقاصة منذ ايار/ مايو الماضي بمتوسط شهري 650 مليون شيقل، ما دفعها للتوجه إلى البنوك للحصول على سيولة لصرف أنصاف رواتب موظفيها وللنفقات الجارية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom