Al-Quds Al-Arabi

موقع فرنسي: دونالد ترامب والاقتصاد بين الاستمراري­ة والعمى

- باريس ـ «القدس العربي»: آدم جابر

في مقال تحت عنوان: «دونالد ترامب والاقــتــ­صــاد: الاسـتـمـر­اريـة والـعـمـى»؛ قـال موقع «ميديا بــارت» الاستقصائي الفرنسي، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يبدو غير قادر على استيعاب حجم الأزمــة الاقتصادية التي تمر بها بلاده ويحتمي خلف قناعاته الخاطئة، مشيرا إلى أن بلورة حصيلة اقتصادية للرؤساء الأمـريـكـ­يـن أمـــر صـعـب نتيجة لكون السياسات الاقتصادية الفدرالية لا تعكس سوى جزء يسير من سياسات البلاد وهي في الغالب ثمرة تفاهمات مباشرة بين الكونغرس والبيت الأبيض.

وأضـــاف المــوقــع أن رئــاســة دونـالـد ترامب الــذي خسر الأغلبية في مجلس الـنـواب الأمريكي خـال انتخابات عام 2018 ليست استثناء من القاعدة؛ وأن جائحة كورونا قلبت كافة الموازين. حيث إن الاقتصاد الأمريكي، وعلى غرار باقي اقتصادات العالم، دخل منذ آذار/مارس الماضي مرحلة من الاضطرابات القوية وشهد هــزات هي الأعنف منذ الكساد الكبير عام 1930 وهو ما تؤكده إحصائيات نهاية الفترة الرئاسية لدونالد ترامب الذي يحاول إعادة انتخابة للمرة الثانية والأخــيــ­رة فـي تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

وتابع الموقع التوضيح أن نسبة البطالة في الولايات المتحدة وصلت خلال ذروة أزمة جائحة كورونا نيسان/ إبريل الماضي 14.7في المئة من القوى العاملة، وهو أمر لم يحدث منذ 1929. ورغـم أن هذه النسبة تراجعت لتصبح 7.9 في المئة، إلا أنها تبقى مرتفعة وهـي من بين الأعلى في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تشهد نسبة أعلى سوى أربع مرات منذ 1950.

أما فيما يتعلق بالناتج الداخلي الخام، فقد كـان خـال الربع الثاني من العام الجاري أعلى بقليل من مستواه في نفس الفترة من عام 2017. وهذه المعطيات إذا ما أخذناه بعين الحسبان، سيكون دونالد ترامب من بين أســوأ الـرؤسـاء حصيلة اقتصادية منذ عهد هربيرت هوفر بين عامي 1928 و 1932.

ومــضــى مــوقــع «مــيــديــ­ا بــــارت» في الـتـوضـيـ­ح أن اذار/مـــــــار­س المـاضـي شكل بـدايـة دخـــول الاقـتـصـا­د العالمي مرحلة جديدة ومغايرة؛ لا يمكن تحميل مسؤوليتها كاملة لإدارة دونالد ترامب على اعتبار أنه يصعب الخـروج من أزمة بهذا الحجم في غضون أشهر. ومن ناحية أخــرى، لا تعتمد السياسة الصحية في الولايات المتحدة سوى بشكل جزئي على السلطات الفدرالية. ولأسباب عديدة؛ تبقى هذه الحصيلة في النهاية حصيلة إدارة ترامب كما كانت حصيلة عام 1932 حصيلة هوفر.

والسبب الأول في ذلــك، هو غموض تعامل الرئيس ترامب مع جائحة كورونا وتـــردده ورسائله الصحية المتضاربة ودعــوتــه للعودة سريعاً إلــى النشاط الـعـادي، وهـي عوامل كـان لها الأثـر في طريقة تعاطي الولايات المتحدة مع الأزمة بحجمها المــعــرو­ف. يـضـاف إلــى ذلـك، الاستجابة السياسية للأزمة عبر إعلان خطة شاملة بكلفة 2000 مليار دولار أي ما يعادل 20 في المئة من الناتج القومي الأمريكي. هذه الخطة ساهمت قطعاً في تخفيف حدة الأزمــة الاقتصادية؛ لكنها ونظرا لعدة عوامل خلقت نوعاً من التوارن الاقـتـصـا­دي الهش وبقي خطر تراجع الاقتصاد بشكل قوي قائما بحسب تحليل الخبير الاقتصادي فيرونيك ريش فلور.

ويــواصــل التوضيح أن الكونغرس الأمريكي، ظل منقسما بين الديمقراطي­ين والجمهوريي­ن، إذ لم يستطع الفريقان التوصل إلى أي تفاهم في ذروة الحملات الانتخابية، وكان كل طرف يقدم مقترحات بعيدة عن تلك المقدمة من الطرف الآخر حول الحماية الاجتماعية أحياناً وحول تقليص الضرائب أحياناً أخرى، وهو ما جعل التوصل إلى حل قبل الانتخابات الرئاسية المقبل شبه مستحيل، ودفع بالرئيس ترامب إلى تعليق المفاوضات

يوم السادس من تشرين الأول/اكتوبر الجاري.

ويشير الموقع إلى أن دونالد ترامب لم يغير مرتكزات خطابه الانتخابي في عام 2020 وما زال يركز على نفس المواضيع التي كان يتناولها في حملته الانتخابية عام 2016 وهي خفض الضرائب والحرب الاقتصادية مع الصين مع إضافة التعبير عن ارتياحه لما يصفه بالأرقام القياسية للأسواق المالية الأمريكية. ويعتبر «ميديا بــارت» أن ترامب في هـذه النقطة يشبه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث يعتقد كل منهما أن استراتيجية ما قبل أزمة وباء كورونا صالحة كذلك لما بعدها. غير أنه في الولايات المتحدة هناك قوى موازية تمتاز بالفعالية.

ويؤكد الموقع الاستقاصي أن الحصيلة الاقتصادية لإدارة دونالد ترامب حتى آذار/مـــارس 2020 محيرة؛ فهي لم تكن بذلك السوء الـذي توقعه البعض لكنها كذلك لم تكن استثنائية كما يصفها ترامب نفسه. وهـكـذا، فإنه وخــال السنوات الثلاث الأولـى من حكم الرئيس ترامب، كانت نسبة النمو الاقتصادي السنوية على التوالي 2.3 في المئة في 2017 و 3 في المئة عام 2018 و 2.2 في المئة خلال 2019. فحسب تقرير للكونغرس فإن نسبة النمو خـال الأربـــاع الإحــدى عشر الأولــى من حكم باراك أوباما هي ذاتها خلال نفس الفترة من حكم ترامب )2.6 في المئة( ويشير التقرير إلى نوع من الاستمراري­ة الاقتصادية بين الرئيسين.

وعلى صعيد التشغيل، يرى ترامب أنه نجح في تقليص نسبة البطالة لمستوى منخفض 3.5 في المئة في شباط/فبراير من العام الجاري وهو أدنى مستوى منذ نيسان/ابريل 1969. لكن هنا أيضاً، يبدو أن إنجاز ترامب كان استمرارا لفترة حكم باراك أوباما، الذي تمكن من خفض نسبة البطالة من 10 في المئة عام 2009 إلى 4.7 في المئة في كانون الثاني/يناير 2017.

وهكذا واصل الاقتصاد الأمريكي خلق الوظائف في فترة حكم ترامب قبل كارثة عام 2020 لكن سرعة وتيرة نمو الاقتصاد لم تكن نتيجة سياسة ترامب وخاصة السياسة التجارية. وتشير دراســات عديدة إلى أن الحرب التجارية مع الصين ساهمت في إبطاء وتيرة خلق فرص العمل عبر تقليص توقع وثقة مديري الشركات. وأغلب الدراسات تؤكد أن خلق الوظائف في القطاع الصناعي كان أكثر في عهد أوباما؛ بل إن بعض تلك الدراسات تتحدث عن تدمير للوظائف الصناعية بين 2017 و 2018. وباختصار لم يكن هناك تأثير اقتصادي للحرب مع الصين نتيجة عدم إدخـال تعديلات على البنية الاقتصادية الأمريكية.

العامل الأخير الـذي يمكن الحديث ـ يـوضـح «ميديا بـــارت» - هـو الـفـوارق العرقية التي أحدثتها الليبرالية الجديدة فـي الــولايــ­ات المتحدة، فبالرغم مـن أن تحسن سوق العمل سمح بتقليص البطالة إلـى 12.9 في المئة العام الماضي؛ إلا أن مؤشرات الفوارق قبل الضرائب بين 2017 و 2019 استقرت مرتفعة. وخلال السنوات الثلاث الماضية ظلت نسبة 1 في المئة من أثرياء البلاد تستحوذ على نسبة 20.5 في المئة من العائدات الإجمالية؛ مقابل 12.7 في المئة للفقراء الذين يمثلون نسبة 50 في المئة وهذا الفارق هو الأعلى منذ 1915.

ويمكن القول إن سياسة إدارة ترامب ظلت حتى اذار/مـــارس الماضي سياسة استمرارية اقتصادية، لكن أزمة كورونا غيرت كافة المعطيات وخلطت الأوراق. ففي بلد يمتاز بتفشي الفوارق يفترض أن تـدار هذه الأزمـة بطريقة تحافظ على مستوى معين من جـودة الحياة وهو ما يتطلب تغييرا شاملا للنموذج الاقتصادي الذي كان سائدا في سنوات 1936-1934 وهذا التحدي لا يمكن الجزم بأن ترامب قادر على رفعه.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom