Al-Quds Al-Arabi

الحصن السورية قلعة تاريخية ذات هندسة عسكرية فريدة وموقع جغرافي استراتيجي

- حسام محمد

قلعة الحصن في سـوريـا، تعتبر من أشهر قـاع الـقـرون الوسطى، وواحــدة من أبــرز وأهــم القلاع الصليبية الأثرية فـي العالم، فالقلعة العظيمة بأبنيتها وهندستها الفريدة، تقع وسط المسافة بين ساحل البحر الأبيض المتوسط وحمص وسط سوريا، إلا أن موقعها الاستراتيج­ي جعل منها سببًا في نشوب العديد من الصراعات، ورغم الحقب التاريخية وتبدل الجهات المسيطرة عليها، بقيت قائمة منذ القرون الماضية حتى يومنا هـذا، حيث تم إدراجها عام 2006 على لائحة التراث العالمي.

قلعة الحصن، تحتوي على حصنين خارجي وداخلي، وكذلك داخل أسوارها خندق مائي، علاوة عن زخارفها المميزة بقوتها وهندستها الجميلة، واحتوائها على فتحات لرمي السهام والمقاذيف، وشرفات تعكس فنا معماريا مذهلا، فيما لا تزال إحدى جدران القلعة تحمل حكمة كُتبت باللغة اللاتينية، قيل فيها: «إذا مُنحت النعمة، ومُنِحت الحكمة وفوقها الجمال. لا تدع التعجرف يقترن بها لأنه يذهب بها جميعاً».

تحمل القلعة عدة أسماء، لعل أشهرها «قلعة الحصن» إلا أنها بجانب ذلـك لم تتخل عن بقية الأسماء التي حملتها خلال ما مضى كـ «حصن الأكراد، قلعة المعقل، الصفح، الكرك». وقد سيطر الصليبيون على القلعة خـال حملتهم الأولــى على الشرق سنة 1099 م، حتى 1102 بواسطة ريمون دو تولوز، ثم أعادوا السيطرة عليها مرة أخـرى سنة 1110 بواسطة تانكرد، صاحب أنطاكية، ثـم امتلكها فرسان الاسبتارية من عام 1142 وحتى عام 1271 بعد أن منحها لهم ريموند الثاني، صاحب طرابلس.

فيما يعتبر الأكـراد أول السكان الذي قطنوا القلعة، بعد أن جلبهم الإدريسون في القرن الحادي عشر بهدف حماية خطوط التجارة، فيما تشير الروايات التاريخية إلى أن إطلاق اسم «حصن الأكراد» عليها جـاء من هنا، ولا تــزال بعض العائلات الكردية تقطن في الأحـيـاء القريبة من القلعة حتى يومنا هذا، ووفق الجغرافيا السورية الحالية، فالقلعة تقع بين مدينتي حمص وطرطوس، وترقد على تلة مرتفعة حوالي 650 مترا عن سطح البحر. تملك التي لا القلعة العديد من الأجزاء الهامة تـزال موجودة حتى يومنا هذا،

ومنها الكنيسة الـتـي تم تحويلها في العهود الإسلامية إلى مسجد، والمخازن التي تخزن فيها المؤونة للجنود ويوجد فرن دائري الشكل لصناعة الخبز، وقاعة الفرسان المتميزة بالفن القوطي، والأبراج العلوية وفيها برج قائد الفرسان وبرج قائد القلعة وهو البرج الوحيد المبني على شكل دائـــري، والمـسـرح وهـو ذي شكل دائـري، وبرج بنت الملك، وقاعة الحرس المملوكي، ومهاجع نوم الجنود.

البناء المتنوع في القلعة سواء العسكري أو الخدمي وما سـواه، يرخي في ظلاله على امتزاج الحضارات الغربية والشرقية في بناء واحد.

لـقـلـعـة الحـــصـــ­ن حــصــنــن، داخـــل وخارجي، وكل حصن منهما له تسليح خاص على عدة جبهات، إضافة إلى خندق مائي يفصل بين الداخل والخارجي بطول 70 مترا.

في حـن، أن السور الداخلي للقلعة يتألف من خمسة أبراج دفاعية وحامية للسور الداخلي، أما السور الخارجي، فهو يتألف من ثلاثة عشر برجاً دفاعياً وحامية للسور الداخلي.

لم ينته تقسيم القلعة إلى هنا فحسب، فالحصن الداخلي بذاته قلعة داخلية مـحـاطـة بـخـنـدق يفصلها عــن الـسـور الخارجي، ولها بوابة رئيسية تتصل بباب القلعة الخارجي بواسطة دهليز طويل ينحدر تدريجيًا حتى الباب مؤلفًا منعطفًا دفاعيًا في منتصفه. ولهذا الحصن ثلاثة أبـــواب مفتوحة على الخــنــدق، ويمتاز بأبراجه العالية، ويتألف من طابقين: الأرضــي ويضم فسحة سماوية تحيط بها الأقبية والعنابر وقاعة الاجتماعات، والكنسية والمطعم والحجرات والمعاصر. والعلوي له أسطح مكشوفة ومهاجع وأبـــراج، في حين أن الخندق المحيط به محفور في الصخر.

انتقالا إلى الحصن الخارجي، والذي يعد أيضا حصنا قائما بذاته، فهو يتكون من عدة طوابق، ومزود بـ 13 برجا، منها الــدائــر­ي والمـربـع والمستطيل، ومحاط بخنادق، إضـافـة إلــى تـواجـد القاعات والإصطبلات، وغرف مخصصة للجلوس، وأخرى تستخدم كمستودعات.

ضمن مـئـات المــواقــ­ع الـسـوريـة التي تعرضت للتدمير الممنهج تـأتـي قلعة الحصن على رأسها، وهي تُعد من أجمل قلاع القرون الوسطى ومن أشهرها ليس في سوريا وحدها إنما في العالم، فهي مـن أفضل الـقـاع القائمة والمتماسكة

والتي تظهر فيها روعة العمارة العسكرية ودقتها، لما تكشفه وفق الباحث ملا رشيد، من تطورٍ كبير في فن التحصين والبناء والهندسة الفريدة من نوعها، كونها تتكون من حصنين اثنين، أولهما حصن داخلي وهو يشكل قلعة مستقلة عن الخارجية، ويتكون من طابقين اثنين، محاط بأبراج شاهقة، وبخندق مائي، يبلغ طوله سبعين متراً، أما القلعة الخارجية، فكانت مصممة وفق استراتيجيا­ت دفاعية رصينة، ففهيا 13 برجاً دفاعياً، بالإضافة إلـى خندق يحيطها.

الباحث السوري بدر ملا رشيد، قال في تصريحات لـ «القدس العربي»: «قلعة الحصن تمثل علامة فارقة وهامة للعلاقات التي تربط بين شعوب المنطقة، وهنا لا بد من التنويه إلى التواجد الكردي فيها، حيث تتفق تقريبا غالبية المصادر التاريخية حول سبب تسميتها بحصن الأكراد ومنهم ابن شداد، الذي يذكر الأمر على الشكل التالي )وأما حصن الأكراد فحكى منتجب الدين يحيى بن أبـي طـيء النجار الحلبي في تاريخه، في سبب نسبته إلى الأكراد: أن شبل الدولة نصر بن مرداس صاحب حلب وحمص أسكن فيه قوماً من الأكـراد في سنة 422 هجرية، فَنُسب إليهم)».

وأضـــاف، كذلك هـو الحــال بالنسبة للمصادر الرسمية السورية، التي تُرجع سبب تسمية هــذا الحصن إلــى تشييد القلعة الحالية على أنقاض حصن كُردي قديم، وهو بخلاف ما يعتقد البعض في أن سبب التسمية يعود لفترة حروب السلطان صلاح الدّين الأيّوبي، فبحسب ما ذكر ابن شداد تعود التسمية للعام )422 للهجرة( أي حوالي العام )1031 ميلادي( وهي الفترة التي تسبق بكثير حصار السلطان الأيّوبي للقلعة والذي كان في العام )1188 ميلادي(.

هذه الدلالات، إنما هي مؤشرات حقيقية وواقعية على تـواجـد تـواصـل وتفاعل قوميات المنطقة وبالأخص الكُرد والعرب، حتى في العهد السابق للدولة الأيوبية، وهـو أمـرٌ يتم تغييبه عن الـقـراءات التي تتم للتاريخ الخــاص بشعوب المنطقة وانتشارها وعلاقاتها.

قلعة الحصن، وسط سوريا عاصرت العديد من الأحداث الهامة، وفي مقتطفات موجزة سنذكر أبرزها: إخفاق نور الدين الزنكي في عام 1163 في استرداد القلعة

من الفرنجة، بعد التقائه بجيش الفرنجة في سهل البقيعة، ثم فشل مجددا بعد ثلاث سنوات من السيطرة عليها.

إلا أن الـقـلـعـة بـعـد أربــــع ســنــوات، وبالتحديد في عام 1170 تعرضت لزلزال مـدمـر، أدى إلــى تدمير أســوارهــ­ا، لكن

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom