Al-Quds Al-Arabi

ساقية الصاوي المؤسسة الأهلية للثقافة المصرية

- كمال القاضي

تتميز سـاقـيـة الـــصـــا­وي إحــدى المــؤســس­ــات الـثـقـافـ­يـة الأهــلــي­ــة في مصر، بأنها تعمل وفق منهج المطلوب والمرغوب لسد الاحتياج الثقافي والفني لدى الجمهور من غير قيد أو شرط، اللهم غير سياج الضبط والربط الذي يضمن نجاح النشاطات الإبداعية على مختلف الأصعدة ويكفل حرية التعبير للمبدعين فتنمو مواهبهم ويزداد تألقهم وتخرج مشروعاتهم إلى النور من غير الحاجة إلى عشرات التوقيعات والموافقات من صغار وكبار الموظفين.

المدهش في الآلية الإداريــة للصرح الثقافي التنويري المتميز أنها بعيدة كل البعد عن إشكالية البيروقراط­ية الُمتبعة فـي المـؤسـسـا­ت الرسمية، غير أنها تقبل بتنفيذ المشروعات الكلاسيكية والحداثية وتسمح بطرح كافة الأفكار في الإطار الفني طالما أن النتيجة تصب في صالح المواطن الراغب في التثقيف والتنوير والُمحب للفنون بكل تنويعاتها وتفريعاتها وأشكالها البسيطة والمركبة والعادية والفلسفية أياً ما كانت.

من دلائل التميز القوية في الثقافة النوعية التي تقدمها ساقية الصاوي وتعمل على دعمها وترويجها، مهرجان الشيكولاتة الذي تمت الدعوة إليه قبل نحو عشر سنوات وأقيم بانتظام حتى الــدورة السابعة ونجح نجاحاً كبيراً كونه مهرجاناً مختلفاً فـي طبيعته وشكله، لا سيما أنه لم يقتصر فقط على مجرد عـروض الشيكولاتة بأنواعها وأحجامها، بل استضاف على هامش الفعاليات التي تستغرق عادة أسبوعاً كاملاً أصحاب المواهب الفنية وعمل على اكتشافها وتدريبها، في مجال التمثيل والغناء والبانتوما­يم والعزف والأكـــرو­بـــات وخــافــه، وذلـــك ضمن الرسالة العامة التي تطلع المؤسسة الثقافية الأهلية بتأديتها.

وقـــد قــدمــت الـسـاقـيـ­ة عـلـى مــدار السنوات الماضية ولا تزال تقدم ألواناً إبداعية متعددة، سـواء المسرحية أو السينمائية أو الأدبـيـة ممـا يجعلها منافساً قـويـاً للقطاعات الثقافية الحكومية التي تكبل نفسها باللوائح والقوانين وتتسبب في تعجيز المواهب الجديدة وإحباطها وتعطيل مسيرتها ومساراتها وهــو مـا يدفع الغالبية العظمى من المتمتعين بخواص فنية استثنائية إلى اللجوء للطريق الأسهل بساقية الـصـاوي للبحث عـن فرص حقيقية تمنحهم الـقـدرة على المضي نحو حُلمهم وغايتهم ومستقبلهم خارج الأطر الروتينية المعقدة.

وبـتـعـدد الـتـجـارب الـنـاجـحـ­ة في مـجـالات الإبـــداع الــراقــي والمختلف، تقدم الساقية نمـاذج يُحتذى بها في سُبل تفعيل الدور الثقافي والتنويري ليصبح بالفعل أداة تغيير وحماية للفرد والمجتمع من شبح الفشل والبطالة والإدمــــ­ان وهــو جُــل الاسـتـفـا­دة من الطاقات الإبداعية الشابة التي تنتظر طويلاً في طابور المؤسسات الثقافية الرسمية بلا طائل.

مهرجان الشيكولاتة لم يكن وحده المهرجان النوعي الــذي حـاز إعجاب الجمهور واعتنى برغبات الأطفال ومـيـولـهـ­م، وإنمـــا سبقته فعاليات أخـرى لمهرجانات مشابهة مسرحية وموسيقية وغنائية نجحت أيضاً بصورة واضحة وأدت إلى توافد مئات الأعداد من الهواة لعرض مواهبهم، كما أنها أدت إلى إقبال الجمهور بمختلف شرائحه وأعماره على العروض الفنية والفعاليات الثقافية للتمتع بما يُقدم من أعمال مُبهرة.

هــذا الـنـشـاط المكثف ربمــا فرض المقارنة بين أداء الجهات والقطاعات الثقافية بالدولة كالسيرك القومي والفنون الشعبية وقطاع المسرح وقطاع السينما وقـطـاع الفنون التشكيلية وبين ساقية الصاوي كمشروع ثقافي تخصصي لا يتبع أيـة جهة حكومية أو رسمية، اللهم دوافع العاملين عليه وحسهم الثقافي الراقي ورغبتهم في أن يكون للثقافة دور جماهيري وشعبي فاعل ومتميز يعمل على احتواء الملكات الشخصية والقدرات الفردية والمواهب الكبرى والصغرى ويرتقي بها إلى درجات عُليا من التأثير والتغيير لتُصبح الثقافة بكل روافدها عوامل وأدوات ووسائل تنموية تشكل منظومة إبداعية سليمة القوام والبناء والأسس وليست مجرد عناوين وشعارات تحملها لافتات مُعلقة على واجـهـات قصور الثقافة التابعة للوزارة المعنية لـزوم ما يلزم من إثبات الحالة الإبداعية والثقافية عـلـى الــــورق فـقـط لا غـيـر كــي تظل البنايات الشاهقة والصروح الُمشيدة في العاصمة والأقاليم باقية بموظفيها وعمالها وقياداتها، وروتينها القاتل.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom