Al-Quds Al-Arabi

ما قيمة الاحتجاجات ضد فساد نتنياهو إذا تجاهلت «المشاكل الأساسية»؟

منها الاحتلال وتهميش الوسط العربي:

- مطانس شحادة هآرتس 2020/10/11

■ لقد تم ارتــكاب خطأ كبيــر في الأشــهر الأخيرة من قبل منظمي الاحتجاج ضد رئيــس الحكومة نتنياهو: فهم يركزون على إسقاط الفاســد من بلفور وعلى حق التظاهر كأهداف مركزية لهــم. ومن الواضح أن هنــاك مجموعات صغيرة تتظاهر باســم أهداف أخرى، لكن جوهر المظاهرة يتركز علــى قيمــة الديمقراطي­ــة بالمعنى الرســمي فقط، وقد اختارت عدم مواجهة مســائل صغيــرة أخرى تتعلق بجوهرها وبجوهر النظام في إســرائيل. بهذا، تمنع حركة الاحتجــاج مجموعــات أخرى من المشــاركة فــي النضال والتعبير عن مطالبها، مجموعات تتجاوز المنسوب المشترك وتقتحم حــدود الاجماع فــي التيارات غيــر اليمينية في إسرائيل، مثل المجتمع العربي.

الاحتجاج الحالي يكرر الخطأ الــذي ارتكبه التيار غير اليميني الصهيوني الليبرالي، الذي يسمى «اليسار ـ وسط الصهيوني» بعد قتــل رئيس الحكومة إســحق رابين، في الصراع الذي أداره أمام التيار الصهيوني القومي المتطرف الديني. هذا كان عندما انتقل ذاك «اليســار ـ وســط» من تأييد فكرة أرض إسرائيل الكاملة إلى التجمع داخل حدود 1948، وتبنى بشكل جزئي مبادئ تطبيع المواطنة وتوسيع حقــوق المواطن والفــرد. وقد أهمل النضال حول مســائل الهوية الجماعية وجوهر النظــام، لصالح خطاب المواطنة القومية المتطرفة الدينية، والدفاع عــن الجماعة والدولة، والحوار حول استمرار الاحتلال اختفى.

بعد قتل رابين خفت الصــراع، واختار التجمع اليهودي القفز على مســائل جوهرية صعبة مرتبطة بمعنى استمرار الاحتلال والســيطرة على شــعب آخر ومكانــة المواطنين العرب ومســائل تتعلق بجوهر الديمقراطي­ة والنظام. بدلاً من ذلك، اكتفى بالمسائل الإجرائية للديمقراطي­ة مثل أهمية قرار الأغلبية ووحدة الشــعب ومنع الحــرب الأهلية، من خلال بذل الجهود لتعزيز المشــترك بين التيارات اليهودية المتنافسة وتقليص الفجوات بينها.

هــذه العملية أدت في نهاية المطــاف إلى تعزز الخطاب القومــي العنصري الاســتيطا­ني في مــوازاة تعزز المنحى الاقتصادي الليبرالــ­ي الجديد وتعزيز الهويــة اليهودية. هذه التوجهات هي التي ســاهمت فــي إضعاف تدريجي لا يمكن التراجع عنه للتيار الصهيونــي غير اليميني، تقريباً إلى درجة تصفيته النهائية عند فوز نتنياهو في انتخابات .2009

حرص حكم نتنياهو منذ عودته في 2009 على ترســيخ نفسه بتعزيز القيم القومية المتطرفة والتحالف مع التيارات الأصولية وتبني مشروع الاستيطان ـ المسيحاني والقضاء على احتمالية إقامة دولة فلسطينية. ويضاف إلى ذلك بذل الجهود ليفرض على الســلطة الفلســطين­ية قبول الوضع الحالي القائم في المناطق المحتلة وتقليص مجال النشــاط السياسي ـ المقلص أصلاً ـ للمواطنين العرب.

عمــل حكم نتنياهــو أيضاً مــن أجل إضعــاف الجهاز القضائي، وعزز المواقــف المناوئــة للديمقراطي­ة وكراهية الأجانب. بهذا يمكن القول إن حكم نتنياهو جسد نمو يمين جديد، شــعبي ومتطرف. مرات كثيرة تمت هــذه العملية بواسطة تشريع ومن خلال دعم علني وواضح. أو بصورة ضعيفة وصمت من قبل أحزاب كان عليها أن تكون معارضة.

هذا صحيح بشكل خاص في كل ما يتعلق بالاحتلال ومكانة المواطنين العرب في إسرائيل وتقليص الديمقراطي­ة.

يبــدأ هذا بمحاولة المــس بحقوق العرب في المشــاركة في السياســة الإســرائي­لية )تعديل 7أ في قانون الأساس: الكنيســت( عن طريق تجريم كل تأييد للنضال السياســي غير العنيــف ضد السياســة الإســرائي­لية، وحتى قانون النكبــة وقانون لجــان القبــول، وقانون العــزل وقانون المقاطعة ـ كل ذلك يقلص قدرة عمل منظمات المجتمع المدني التي تعارض خطاب اليمــن المتطرف. وهذا أيضاً دون ذكر توسيع المستوطنات وتغييرات التشريع لصالح السيطرة على أراضي الفلسطينيي­ن.

جميع الأحــزاب التي تفاخرت بطرح بديل عن نتنياهو، تبنت أجزاء من الخطاب الذي اقترحه نتنياهو نفسه. هكذا فعلت شــيلي يحيموفيتــ­ش عندما تنازلت عــن برنامجها السياســي في انتخابات 2009، وبعدها إســحق هرتسوغ الذي أســس «المعســكر الصهيوني». البرنامج السياسي لحزب «يوجد مســتقبل» في المسائل التي تتعلق بالاحتلال وهوية دولة إسرائيل، لا يختلف كثيراً عن برنامج الليكود، وفي «أزرق أبيض» الوضع مشابه.

يمكــن القــول بــأن كانت هنــاك وحدة بــن الأحزاب الرئيســية في الخلافــات التقليديــ­ة التي ميــزت النظام السياســي حتى التســعيني­ات، أي الاحتــال والاقتصاد. وبدلاً من ذلك، ظهرت خلافات جديدة في السنوات الأخيرة تتعلق بمسائل داخلية، مثل مكانة الأحزاب الدينية ومكانة الدين في الدولــة، ومكانة ودور الجهاز القضائي، والموقف من الممارســا­ت الديمقراطي­ة والأجانب والعمال المهاجرين. الاحتجاج الحالي يمكن تصنيفه على أنه صراع كهذا.

الاحتجاج الحالي مهما كان مهمــًا فهو يرتكز على رؤية أن إســرائيل يمكنها أن تكون يهودية وديمقراطية، ويمكنها أن تكــون محتلــة وديمقراطيـ­ـة، قامعة للســكان العرب وديمقراطية في الوقت نفسه.

العائق الأساســي هو نتنياهــو الفاســد. لذلك، يجب إزاحته وعندها سيســتقيم كل شــيء. الصراع بين التيار الصهيوني غير اليميني وبين اليمين الشــعبي الجديد الذي يتبنى مواقف ومبادئ فاشــية، رغم أهميته، يبقى صراعاً داخــل التجمع الصهيوني ومتمســكاً بقواعــد اللعب التي كانت سائدة حتى الآن وفي حدود الخطاب الصهيوني.

في النهاية، ســيكرر هذا النضال أخطاء ســابقة، وبهذا لن يــؤدي إلى تغييــر ديمقراطي ليبرالــي جوهري، ولن

يساهم في تغيير الواقع طالما لم يواجه المشاكل الأساسية: الاحتلال، الكولونيال­ية، مكانة المواطنين العرب، ديمقراطية جوهرية بدون امتيازات أو تفوق أي مجموعة.

هذا النضال لا يطرح حلاً للمشــاكل الأساســية للنظام القائم، ولا يســتطيع أن يشــكل قاعدة للنضــال من أجل ديمقراطية جوهرية حقيقية لكل المواطنين. مواجهة المشاكل الأساســية وتغيير جوهري فــي أهداف الاحتجــاج، إذا حدثت، ربما ســتمكن من بداية لنضال مختلف ومشــترك، يقوم على العدالة والأخلاق والقيم الديمقراطي­ة الجوهرية لكل المواطنين.

 ??  ?? مظاهرات مناهضة لنتنياهو في تل ابيب
مظاهرات مناهضة لنتنياهو في تل ابيب

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom