Al-Quds Al-Arabi

مؤشرات متزايدة على وجود اتصالات وإمكانية التوصل إلى تفاهمات بين تركيا ومصر

- إسطنبول - «القدس العربي» من إسماعيل جمال:

يوماً بعد يوم تتزايد المؤشــرات على وجود اتصالات بين مصر وتركيــا وإن كان ذلك على مســتويات منخفضــة يعتقد أنها لــم تتجاوز مســتوى أجهزة المخابرات والدبلوماس­يين من المســتويا­ت الدنيا، لكنها تؤشــر إلى إمكانية حصول تقارب سياســي خــال المرحلة المقبلة وذلك من خــال التوصل إلى بعض التفاهمات التي قد تنتج في المرحلة الأولى توافقات تتعلق بالأزمة الليبية وملف ترسيم الحدود البحرية شرق المتوسط.

وفي أحدث المؤشــرات، قــال إبراهيم قالن، المتحدث باســم الرئاســة التركية في لقاء مع محطــة تلفزيونية تركيــة محليــة، الثلاثاء: "مصر دولة من الدول المهمة في المنطقة والعالم العربي، وبالطبع لا يمكننا تجاهل كيفية وصول السيسي إلى الســلطة، والانقلاب الذي حصل هنــاك، والأنــاس الذين تعرضــوا للقتل، وما حدث في ميدان رابعة، والاعتقالا­ت السياسية

لاحقاً، ووفاة مرســي". وأضاف قالن: "بالرغم من ذلك، إذا أظهرت مصر إرادة التحرك بأجندة إيجابية فــي القضايــا الإقليمية، فــإن تركيا مستعدة للتجاوب مع ذلك"، ومضى قائلاً: "في حال تشــكلت أرضية للتحرك معاً في مواضيع ليبيا وفلســطين وشــرق المتوســط وغيرها من القضايــا، فإن تركيا لا يمكنهــا إلا أن تنظر بإيجابية إلى ذلك وتقدم إسهاماً إيجابياً".

والثلاثاء، تناولت وسائل إعلام تركية خبراً عــن بعض المواقــع العربية يقول إن وســائل إعلام مصرية كبــرى تلقت تعليمات شــفهية مــن الأجهزة الســيادية في الدولــة بضرورة تخفيف حدة الهجوم الإعلامي على تركيا خلال الفترة المقبلة وخاصة ضد الرئيس رجب طيب اردوغان.

والشــهر الماضي، ألمح عدد من المســؤولي­ن الأتراك إلى وجــود اتصالات على "المســتوى الاستخباري" بين مسؤولين من البلدين، وذلك على الرغم من الخلافات الحادة جداً والتراجع الكبير التي وصلت إليــه العلاقة بين الجانبين حول ملفات مختلفة، أبرزها الانقلاب العسكري فــي مصر ودعــم تنظيــم الإخوان المســلمين

والموقــف من الثــورات العربيــة والتطورات العسكرية الأخيرة في ليبيا إلى جانب الصراع القائم شرق البحر المتوسط.

وفي آب/أغســطس الماضي، قــال اردوغان رداً على ســؤال حول وجود اتصالات مع مصر وإمكانية توقيع اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين البلدين: "إجراء محادثات استخباراتي­ة مع مصر أمر مختلف وممكــن وليس هناك ما يمنع ذلك، لكن اتفاقها مع اليونان أحزننا". وســبق ذلك، تصريح وزير الخارجيــة مولود جاوش أوغلو بعدم وجود اتصالات سياسية مع مصر "فقط مباحثات على مســتوى الاستخبارا­ت"، وهو ما اعتبر بمثابة أول تأكيد رســمي بوجود الاتصالات على هذا المستوى.

كما بعــث الوزير رســائل إيجابية بتأكيده أن اليونان وقبرص الجنوبيــة و"ليس مصر" هما اللتان انتهكتا الجــرف القاري التركي في الاتفاقيات الثنائيــة التي تم التوقيع عليها بين الجانبين. وقــال الوزير: "لقــد احترمت مصر حقوقنا فــي هذا الصــدد، ومن ثــم لا أريد أن أبخســها حقها بدعوى أن العلاقات السياسية بيننا ليســت جيدة للغاية، وبالتالي فإن إبرام اتفاق مع مصر بهذا الخصوص يقتضي تحسن تلك العلاقات السياسية".

وفي الإطار ذاته أيضــاً، جاءت تصريحات ياســن أقطــاي، مستشــار الرئيــس التركي لشــؤون الحزب الــذي أكد في لقــاء صحافي على ضرورة أن يكــون هناك تواصل بين مصر وتركيا، بغض النظر عن أي خلافات سياســية قائمة، لافتاً إلى أن "الحكومتين والشعبين يجب أن تتقاربا بغــض النظر عــن أي خلافات بين الرئيسين".

يعتقــد أن الاتصــالا­ت التركيــة المصريــة الجارية على المســتوى الدبلوماسـ­ـي المتدني ومســتوى المخابــرا­ت انطلقت عقــب تصاعد الأزمة فــي ليبيا، وذلك في إطــار جهود دولية لمنع صدام كان محتملاً بين القاهرة وأنقرة على خط سرت الجفرة، إلى جانب الاتصالات حول إمكانيــة التوصل إلى اتفاق لترســيم الحدود البحرية بين البلدين.

وترى تركيا أن مصر خســرت مناطق كبيرة من حقوقها في شرق المتوسط لصالح اليونان وقبرص الجنوبية وأنها -في حال وقعت على اتفاق لترســيم الحدود البحرية مــع تركيا

ستســتعيد مناطق شاســعة وســوف توسع مناطقها الاقتصاديـ­ـة الخالصة في البحر وهي النقطة التي يبدو أن المحاولات التركية تستند عليها في محاولــة إقناع القاهرة بالتوقيع على اتفاق لتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة بين البلدين.

وقبل أيام، نشرت الجريدة الرسمية المصرية نص اتفاق تعيين الحدود البحرية بين القاهرة أثينــا، وكشــفت بعــض البنود عمــا اعتبره محللون أنها إشــارات وثغرات تعطي رسائل واضحة بإمكانيــة تعديل الاتفــاق والتوصل لاتفاق آخر مــع تركيا، حيث كشــف لأول مرة - وعلــى عكس ما روج الإعــام المصري- أن الاتفاق مع اليونانــي "جزئي وليس كلياً" وأنه "سيتم اســتكمال التعيين فيما بعد، كما تضمن بنــداً يشــدد علــى أن الاتفاق يمكــن تعديله مســتقبلاً "إذا دخلت إحدى الدولتين الموقعتين فــي مفاوضــات مــع دول أخرى تشــترك مع الطرفين في مناطق بحرية"، في إشارة واضحة إلى تركيا.

وخلال الســنوات الماضية، أظهرت أرقام عن إجمالي حجم التبادل التجاري بين تركيا ومصر

وصوله إلى مستوى تاريخي غير مسبوق وذلك على الرغم من تعاظم الخلافات السياســية بين البلديــن وتشــعبها إلى ملفات أخــرى تتعلق بالخلاف على الغاز في شــرقي البحر المتوسط والنفــوذ في ليبيا والســودان بعــد أن كانت محصورة في ملــف الانقلاب العســكري على الرئيس المصري السابق محمد مرسي.

ومنذ تصاعــد الخلافات عــام 2013، قررت مصر طرد الســفير التركي في القاهرة وخفض مســتوى التمثيل الدبلوماسـ­ـي إلى مستوى القائــم بالأعمال، وهــو ما ردت عليــه تركيا بخطوة مماثلة، ومنذ ذلك التاريخي لم تحصل أي لقــاءات سياســية أو وســاطات لاحتواء الأزمة بين البلدين باستثناء التحسن المتنامي في العلاقات الاقتصادية.

ومــا زالت تركيا تشــترط بدرجة أساســية حصول تغيير سياسي حقيقي في مصر يمكن أن يكون على شــكل مصالحة وطنية توقف تهميش المعارضــة ووصفها بالإرهاب إلــى جانب وقف الاعتقالات السياســية والإعدامات للمعارضين من أجل التقارب مع النظام المصري الحالي، وهو ما لا يبدو وارداً في الأفق.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom