Al-Quds Al-Arabi

محمد رضا شجريان: صوت لا يحويه قيد

- ٭ كاتب سوري

محمد رضا شــجريان كان ولا يزال استثنائيا في تاريخ الموســيقى الإيرانية، كان مغنيا مدهشا وأسطوريا، يسكب بمهارة صوته العالي والنادرة أشــجانه في أرواح المتحمسين المتعطشين للنغم الأصيل، ولم يكن بعيدا عن صوت الحريــة، بل كان قريبا من الناس ومعهم وبينهم وصوتهم، ولــم ينفصل عنهم وعن أوجاعهم، فكان صوته لوحات من الجمال قبالة بشــاعات الاســتبدا­د، ليغدو رمزا وطنيا يتمتع بجماهيرية واســعة وشعبية عارمة.

في 2008 كانــت الحركة الخضراء العفوية المعترضة على نتائج الانتخابــ­ات، اختبارا للمثقفــن والفنانين في إيران، بشــجاعة واضحة وبدون مواربة وقف شــجريان مــع الجماهير المعترضة، وانضم الى الميدان، ودعم بشكل لا لبس فيه إرادة الشعب والدفاع عن الشــباب، الذين وصفتهم الحكومة بـ«الحثالة» بعد ســنوات من نهجه المعارض خلف لغة مجازية، واجه استبداد السلطة بكل جرأة ووضوح.

في أحد مواقفــه ردا على تصريحات الرئيــس الإيراني آنذاك محمــود أحمــدي نجاد، كتــب في رســالة مفتوحة إلــى الإذاعة والتلفزيون الإيرانيين: «الناس محبطون، ووفقا لوصف الســيد أحمدي نجاد الشــباب المعترض: بالحثالة، فإن صوتي لا مكان له في الراديو والتلفزيون لديكــم، صوتي هو صوت هؤلاء الحثالة، وسيكون دائما للحثالة وفق زعمكم».

كان محمد رضا شــجريان قد قال في مقابلات، إنه في السنوات الأخيرة، تم رفض طلباته بإقامة حفل موســيقي في إيران بشــكل متكرر، وكان آخر حفل لشــجريان في إيــران عام 2008 حيث منع من إقامــة أي حفل داخل البلاد، وبث أي موســيقى له في الإعلام الرسمي. شجريان كما يلقب «أسطورة الغناء» رجل عظيم نادر في تاريخ الموسيقى الإيرانية، تعهد بنشر الثقافة الموسيقية الجميلة، والتصدي لمدعي الثقافة والفن والموسيقى، الذين يعملون ليل نهار تحت راية الفســاد، ويســدون الطريق أمام كل نفس جديد طامح للوصول إلى الإبداع.

في مقابلة مع صحيفة «الشــرق» المحلية، تحدث عمن يريد قتل الموســيقى الإيرانية بحصرها في صنف ولون واحد: «إذا قلنا إن الموســيقى الإيرانية يجب أن تقتصر على صنف واحد، فهذا أشبه بالقول إنه لا ينبغي لأحد أن يقول الشــعر بعد حافظ الشيرازي، لأن حافظ أفضلهم شــاعرية! موســيقانا ليســت مجــرد صراع يدافعون عنه باســتمرار، إنها جزء جميل من الموسيقى الإيرانية، لكن ينبغي أن لا نرى أنفســنا محاصرين في صف وصنف واحد، الموســيقي­ون ينبغي أن لا يســجنوا أنفســهم في صنــف واحد، إذا فعلوا ذلك وأطروا أنفســهم بصنف واحد فذلك لأنهم ليســوا مبدعين ولا مبتكرين، كل من يريد أن يبدع ليكتب وينتقد ويجدد». شــجريان لا يتحدث عن نفســه فقــط، إنه يعتقد لأنــه معروف ومحبوب لدى الناس، فإنه يعكس أيضا رأي الناس: «هذا المجتمع لا علاقة له بالمتعصبين، ويســلك طريقه الخاص، أعرف مجتمعي، أتحرك مع مجتمع يحتاج إلى أدوات وأصوات جديدة».

توفي محمد رضا شــجريان في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2020 في طهران بعد صراع طويل مع مرض السرطان، يتشابك اسم شجريان مع الموســيقى الإيرانية المعاصرة، لدرجة أنه قد لا يكون من المبالغة اعتباره الشــخصية الأكثر أهمية في تاريخ الموسيقى الإيرانية التقليدية. شــجريان كان جسرا بين القدماء والأجيال الحديثــة من المطربين الإيرانيين، عمل ودرّس معظم المطربــن البارزين في العقود الأربعة الماضية، ولعب دورا

مهمــا في عدة فترات اجتماعية من تاريخ إيران. لســنوات، كان صوته يتناغم مع كل غروب طوال شهر رمضان عشية أذان المغرب، بحلوله ضيفا في بيوت الإيرانين وهــو يصدح دعاء ربنا الشــهير، وبصوته أخذ «طائر الصبــاح» الذي ظل صامتا لعقود مــن الزمان، يصدح في فجر جديد، كان صوت « الشــعب» وراوي الشــعر الفارسي.

ولد محمد رضا شجريان في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 1940 في مدينة مشــهد، والده مهدي شــجريان، كان صاحب صوت جميــل، لكنه لم يتعلم، كان من أفضــل قراء القرآن في مشــهد، وبدأ محمد رضا البالغ من العمر ست سنوات، حضور جلســات تلاوة القــرآن مع والــده وبرع في تــاوة القرآن. استمرت جلســات تلاوة الأب والابن بشــكل مستمر لمدة 13 عاما، وحتى السنوات الأخيرة من حياة الأب، اعتبر شجريان أن أساس نجاحاته اللاحقة في الغناء هو أصل هذه اللقاءات وتعاليم والده. ومع ذلك، عندما أصبح شــجريان مطربا جادا في الموســيقى الإيرانية، لــم يكن والده يعلــم لفترة طويلة، ولســنوات عديدة إنه كان المغني الشاب الموهوب الذي عرف باسم «سيافاش بيدكاني» أو «ســيافاش» حتى تعرف والده على صوته ليواصل بعدها مسيرته الفنية باسمه شجريان.

حصــل على العديد مــن الجوائز والتقديــر العالمي أهمها: جائزة مؤسســة الآغا خان في إبريل/نيســان 2009 رمز كبير للفن من أجل الســام فــي ســبتمبر/أيلول 2017 مُنح محمد رضا شــجريان وثلاثة فنانين آخرين جائزة في مهرجان الفن الدولي الخامس للســام عام 2017. وســام الفارس وســام الاستحقاق الوطني الفرنســي 2014 من الحكومة الفرنسية، جائزة بيتا 2010 من جامعة ســتانفورد في الولايات المتحدة، في عــام 1997 حصل على جائزة بيكاســو ودبلوم فخري من اليونســكو في باريس. تُمنح هذه الجائزة كل خمس سنوات لفنان يســعى إلى تعزيز ثقافة وفن بلاده. كما أن له ألبومات غنائيــة بالمئات ومؤلفات موســيقية وحفــات عديدة داخل إيران وخارجها في كندا وأوروبا وأمريكا.

فــي 2014 أطل شــجريان عبــر فيديو له ظهــر فيه حليق الشعر متحدثا عن مرضه طويل الأمد بقوله: لقد عرفت اليوم ضيفا يبلغ من العمر خمســة عشــر عاما منذ سنوات عديدة يصاحبني وأصبحنا أصدقــاء» رحل صاحب الصوت الذي لا يتكرر، صــوت رفض الانحناء، ورغــم كل القيود ظل صادحا في عالم الجمال والحرية، ورغم انتشــار فيروس كورونا أبت الجماهير العاشقة لشــجريان إلا أن تشارك عن كثب في سيل من الناس تجمهروا أمام مشــفى جم في طهــران، الذي أعلن منه وفاته، يغنون له ويصدحون بشعارات مناهضة للسلطة الاستبدادي­ة الحاكمة. شــجريان الصوت العالمي طائر الصبح، الذي لن يخبو بريق نغماته وتغاريد أشــجانه، طائر الصبح أبرز ما غنى شــجريان ويقول الإيرانيون إن هذا الطائر ســيظل يغني ويغني.. وإن سجنوا الأفواه فإن الصوت لا يحويه قيد.

محمد رضا شجريان

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom