Al-Quds Al-Arabi

كيف يمكن لإسرائيل أن تخلق نمط حياة جديداً بصحبة الفيروس؟

- البروفيسور نداف دافيدوفيتش٭ ٭ رئيس كلية الصحة العامة، جامعة بن غوريون في النقب إسرائيل اليوم ‪2020/10/ 14‬

■ كلنــا يعاني من إرهــاق كورونا. وبالفعل، بعد أشــهر عديــدة، وإغلاقين وعدد لا يحصى من المــداولا­ت، وتغييرات فــي التعليمــا­ت، وحجورات وأضــرار صحيــة واقتصادية واجتماعية واســعة... يبــدو الأمر مفهومــاً. إن انعدام الثقة التي جرى الحديث عنــه كثيراً، إضافة إلى الإرهاب، ينضمان معاً إلى عنصر خطيــر قبيل الخروج من الإغلاق. يدعو اتحاد أطباء الصحة العامة مع شركاء كثيرين، إلى تفكير متجدد في التصدي لكورونا. فبدلاً من مواصلة الحديث فقط عن الأعداد أو الاســترات­يجيات النابعة من هدف تقليص الإصابة أو منع انهيــار الجهاز الصحي ـ مــع كل أهميتهــا ـ والتفكير برؤية واســعة، التي هي المفهوم العميق للصحة العامة، فعلى إدارة أزمة كورونــا أن تأتي في إطار خلق نمط حياة جديد بحضور الفيــروس. وهذا النمط لا يســتهدف فقــط تقليص الإصابة والوفيــات بالفيــروس، بل أيضــاً لتحقيق الرفاه النفســي والاجتماعي والاقتصادي، في ظل مراعاة الاحتياجات للتنوع السكاني في إسرائيل.

إن حقيقــة أنه بات معروفــاً اليوم بأن فيــروس كورونا «يميز» بالفعــل بين الفقراء والأغنياء، مثلما نرى من معطيات الإصابة والوفيات في الأشــهر الأخيرة تبين العلاقة الوثيقة التي بين الفجوات فــي توزيع المقــدرات والنتائج الوبائية. وتكــرر هذه الحقيقة نفســها فــي كل دول العالــم، وتوضح الحاجــة إلى التغييرات البنيوية اللازمــة في أجهزة الصحة مثلما في الأجهزة الأخرى أيضاً.

لنأخذ مثــاً جهاز التعليم. لا يبدو تأثير الوباء متســاوياً هنا أيضاً. والإغلاقــ­ات والانتقال إلى التعليــم الموجه، يزيد الفجوات. والمــداول­ات على تفعيــل جهاز التعليــم لا يمكنه بالتالــي أن يجري فقط مــن زاوية نظر وبائيــة ضيقة، ومع كل أهميتهــا لا تعطي جواباً كاملاً لفهــم الاحتياجات. إن فتح مؤسســات التعليم مطلــوب لاعتبارات متنوعــة: تعليمية، صحية واقتصاديــ­ة. فإذا فهمنــا بأن إغلاق جهــاز التعليم يمس أكثر بالسكان الضعفاء، وبالصحة الجسدية والنفسية

للأولاد، إذا فهمنا هذا المفهوم الواسع للبحث، سيتغير الإطار. إن فتح جهــاز التعليم في أقرب وقت ممكن سيســمح للأولاد بتحقيــق حقهم في التعليم الإلزامي ونيــل الدعم الاجتماعي والنفســي، ويمنع التدهور في التنمية الأولاد المستقبلية. إذا ما فكرنا باتساع وبمدى بعيد يمكننا أن نجري ذات التغييرات البنيوية، ولكن الأمر صعب ويحتاج تغييراً لسلم الأولويات وتفكيراً آخر، وليس تفكيراً نابعاً من إرهاق كورونا.

إذن، كيف ســنتغلب على الإرهاق؟ إن دمــج الجمهور في ظل الشــفافية تجاه الاعتبارات التي توجــه أصحاب القرار، ونزاهة ذات شــكل لا تشــكل فيه القرارات عبئاً على السكان مع التشديد على الســكان الضعفاء، وبالأساس تفكير محلي إلى جانب المجتمع المدني والســلطات المحلية... ستؤدي إلى مواجهة أفضل لا تسير برد الفعل فقط على التهديدات والانفاذ الخارجــي، وإلى التصــدي الإبداعي الذي يكيف نفســه مع شروط الحياة المختلفة.

هذا فــي نظري هــو المعنى العميــق لخطة «الرمــزور» ـ التفاوت الذي لا ينحصر وبائياً في ضوء مســتوى الإصابة ـ لتعزيز المستوى المحلي في ظل التفكير للمدى البعيد، ليس من خلال التخويف بل من خلال العمل المشترك.

إن النجاح الكبير لهذه السياقات على المستوى المحلي في بلدات عديدة يبعث على الإلهام وبقاء الرؤية المتداخلة للمدى البعيد.

إن عــدم الثقة الذي بــدأت به أدى إلى مبــادرات مختلفة بدءاً من المواطنين والســلطات المحلية التي تشــكل شــبكات التحقيقــا­ت الوبائية وحتى التشــافي البيتي الســري في المجتمع الأصولي. تشــير المبادرات إلى عدم الارتياح وتشكل إشــارة تحذير علــى الحاجة إلى بنــاء الثقة مــن جانب كل الجهات: الجمهــور بمزايــاه المختلفة، والســلطات المحلية، والمجتمع المدنــي، والخبراء وأصحاب القرار وحتى الحكومة. هذه مســيرة معقدة تتطلــب تغييراً فكرياً وتغييراً في ســلم الأولويات، يجب أن يجد تعبيره في الاستثمار في المنظومات العامة وشراكة إسرائيلية متجددة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom