Al-Quds Al-Arabi

لبنان وإسرائيل: من المقاومة إلى التطبيع؟

-

■ أثار إعلان «اتفاق إطار» بين لبنان وإســرائيل على ترســيم الحدود البحرية بداية الشــهر الحالي عددا مــن المفارقات، كما فتح الباب للســجال حول إمكانيــة اندراج هــذه الخطوة ضمن الخــطّ البياني الصاعد باتجاه تطبيع بلدان عربية مع إسرائيل.

أولــى هــذه المفارقــا­ت كانــت أن مــن أعلــن عــن هــذا الاتفاق هــو نبيه بــري، رئيس مجلــس النواب اللبناني، وأحد طرفي ما يســمى «الثنائي الشيعي» الذي يضم حركة «أمل» التي يرأسها، و«حزب الله» الــذي يعتبــر الجهة السياســية الأعلــى صوتا ضد إســرائيل، والأكثر اشــتباكا مع الدولة العبرية منذ رحيل المقاومة الفلسطينية عن لبنان عام 1982.

لكن تأثير هذه المفارقة ســيضعف حين تســتعيد الذاكــرة واقعــة أن حركــة «أمل» نفســها هــي التي قامت لاحقا بتصفيــة جيوب المقاومة الفلســطين­ية

فــي لبنــان عبــر حصارهــا الــذي بــدأ عــام 1985 للمخيمات الفلسطينية لمدة سنتين ونصف مارست فيهما القصف والتجويع للفلســطين­يين، فيما تكفّل «حــزب اللــه» والنظــام الســوري بإنهــاء الرديف اللبنانــي للمقاومــة الفلســطين­ية والمســمى «جبهة المقاومــة الوطنيــة اللبنانيــ­ة» التــي كانــت محاولة اغتيــال العميل أنطوان لحد واحــدة من 1113 عملية نفذهــا، فتعرّضت الجبهة لعمليــات خطف واغتيال ومطــاردات انتهــت بأن اســتلم «حزب اللــه» ورقة محاربة إسرائيل، ونقلها من نضال وطنيّ وتقدمي لبناني إلى احتكار طائفيّ متلازم مع ارتهان لقيادتي سوريا وإيران أدى لترهيب باقي المكوّنات اللبنانية وســاهم في حــوادث كان أشــهرها اغتيــال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.

يحصــل الاتفــاق في لحظــة تقترب فيهــا الطبقة السياسية اللبنانية من الانهيار تحت وطأة الأزمات الكبــرى بحيــث يبــدو أن تدخّــل الــدول الكبــرى، كأمريــكا، التي رعت الاتفاق، وفرنســا، التي قدّمت مبادرة لتحريك العملية السياسية، صار «اللاصق» الذي يحافظ على وحدة الكيان اللبناني.

ففــي الوقــت الذي ينهــار الاقتصاد تحــت وطأة حجم الديون الهائلة، وتتدهور البنوك، ويســتفحل الفقر والجوع، وينفجر مرفأ بيروت مع كل الفضائح الخفيــة التي يخفيهــا، وتندلــع الحرائــق، ويدخل الشــعب اللبنانــي حالة يأس بعد حــراك جماهيري كبيــر، ويتناظر هذا مع إشــارات ترحيــب بالتطبيع مــن قبل النظام الســوري نفســه، وإشــارات إنهاك وتراجــع للنظام الإيراني، لا يعود حاجة لمســتهلكي دعاية النظامــن حول المقاومة للاســتمرا­ر في هذه اللعبــة التــي كانت ناجحــة حين كانت مؤسســات الدولة اللبنانية اســتثمارا مجزيا، وحين كان اللعب على الحبال بين القوى العظمى والإقليمية مفيدا.

يكشــف مــا يحصل فــي لبنــان والعالــم العربي حاليا أمثولتين سياســيتين مهمتــن، الأولى هي أن العداء للفلســطين­يين ومحاولة اســتئصال معناهم السياســي، حتى لــو كان ذلك تحت شــعار محاربة إســرائيل، يــؤدي فــي النهايــة إلــى اللقــاء بمعنى إســرائيل الحقيقي، الذي هو تغليب الاستبداد على الحرية والطغيان على البشر، والثانية هي أن التقرب مــن إســرائيل، على طريقــة الإمــارات والبحرين، لا يمكن أن يكون إلا للإضرار بالفلسطيني­ين، ولا داعي، بالتالي، للدعاية السخيفة حول جهاد الإمارات لمنع إســرائيل من ضم الأراضي الفلسطينية، في الوقت الــذي تتحوّل فيــه الإمــارات والبحرين إلــى ملعب سياسي وأمني واقتصادي لإسرائيل.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom