Al-Quds Al-Arabi

الفقرة الناقصة في جملة الأمير بندر بن سلطان

- ٭ كاتب فلسطيني

■ اســتمعت، بكثير من الاهتمام والتروي، للحلقات الثــاث التي بثتها قنــاة «العربية» الســعودية، تحت عنوان «مع بندر بن ســلطان». شــغلت هــذه الحلقات ســاعة و47 دقيقة وبضع ثــوان. أعدت ســماع فقرات عديدة منها مرّات متكــرّرة. بعض من تلك المرّات لأهمية فحواها، وبعض آخر منها لعدم تيقّني من بعض كلماتها، بسبب معاناة من شــبه صمم أُصبت به منذ نحو أربعة عقود، والذي بدأت أعراضه اثناء حصار وقصف جيش الاحتلال والاســتعم­ار الإســرائي­لي للعاصمة اللبنانية بيروت سنة 1982.

بداية، أذكر الحكمــة التي أوردتها د. وصال حمقة في كتابها «جواهر العقول» التي تقــول: «العقول العظيمة تناقش الأفــكار، والعقول المتوســطة تناقش الأحداث، والعقول التافهــة تناقش الأشــخاص». وعندما يكون طموحنا التميّز بـ«عقول عظيمة» فانه يجدر بنا التركيز على «الأفــكار» التي أوردها الأمير الســعودي بندر بن ســلطان، وقد لا يضرنا كثيرا تخصيص نظرة سريعة، بطرف العين، لـ«الأحداث» والتطورات المحيطة التي تم خلالها وتداعياتها، تسجيل وبث قناة «العربية» لحلقات «مع بندر بن سلطان» وأن نبتعد ونترفع عن الانحدار الى «مناقشة الاشخاص» وفي حالتنا هذه شخصية وتاريخ الأمير بندر. وكم كنت أتمنى لو ان جميع الفلســطين­يين ترفعوا عن كيل الشتائم والاتهامات، سواء كانت محقة، او غير ذلك، لأمير او غير أمير، سعودي او غير سعودي، او لأي كان على الاطلاق.

ثم، لا بــد لي من تســجيل أن غالبية مــا قاله الأمير بندر، وكثيرا جــدا مما لم يقله ايضا فــي هذه الحلقات التلفزيوني­ة الثلاث، ســمعته من قبل من صديقي حسن عبد الرحمن، الذي شــغل لفترة طويلــة، موقع مندوب وممثــل منظمــة التحرير الفلســطين­ية فــي العاصمة الأمريكية، واشــنطن، وزامل الأمير بندر هناك لسنوات عديدة.

لا مصلحة للشــعب الفلســطين­ي في حــدوث أي قطيعــة مع أي من شــعوب الامة العربيــة، ولا مع أي نظام حكــم عربي، مهما كان الســبب، ذلــك أن لهذه الانظمة شــعوبها، وهي صاحبة الحق، وحدها، دون أي شــريك آخر، في تحديد موقفها من قياداتها، تأييدا لسياســاته­ا، او رفضا لها. وللشعب الفلسطيني عدو واحد فقط، هو إســرائيل، لأنها تحتل وتستعمر ارض فلسطين؛ وكل انجرار او اســتجابة لاستدراج اتخاذ مواقف تؤدي الى قطيعة مــع امتداداتنا العربية، هو مكسب ومنفعة لإسرائيل، والمتضررون منها هم أبناء الشعب الفلسطيني بشــكل عام، والفلسطيني­ون في الدول العربية المعنية بشكل خاص؛ ولا نبالغ إذا قلنا إن القيادات الفلســطين­ية قد تتضرر من هذا التدهور فــي العلاقات، ولكن أقل بما لا يقــاس مما يتضرر منه بسطاء ابناء شعبنا العاديين.

لقد أحسنت القيادة الفلســطين­ية بامتناعها عن الرد )العلني( على الأمير الســعودي، وفي توجيهها أمرا لكل الناطقين باسمها، والمعبّرين عن مواقفها لعدم الرد. لكن هذا القرار الســليم لا يلغي الضرورة القصوى للتواصل مع القيادة الســعودية، ومع الأمير بندر ذاته، لفتح كل الملفات التي تطرق اليها وأثارها، )وملفات عديدة اخرى لم يتطرق إليهــا( وإدارة نقاش صريح ومعمق حول كل ذلــك، والتوصل إلى تفاهمات تمنــع التدهور في مزالق تســتنزف الكثير جدا من القليل جدا المتوفر لشــعبنا، وتصب في مصلحة إسرائيل.

مع معرفتنــا، )ومع اعترافنــا( بارتــكاب القيادات الفلســطين­ية، الســابقة والحالية، لأخطاء، )بل وربما خطايا ايضــا( ارتكبتها هذه القيــادات، إلا أن المحصّلة النهائيــة بالغــة الايجابية. إذ: كيف بعد ســبعة عقود كاملة، ويزيد، على نكبة هي الأكثر قسوةً ودمويةً وظلماً من كل ما تلا انتهاء الحــرب العالمية الثانية، )حتى الآن على الأقل( ومرور خمســة عقود كاملــة، ويزيد، على ما ســمّاه العرب «نكســة» (هي حرب أقل ما يقال فيها إنها «مشــينة») ما زال في صدر كل نشــرة أخبــار، تواصل صراع بين طــرف ضعيف، هو الفلســطين­ي، لا حول له ولا قوة، )وربما لا ســند عربي قوي( مستذكرين دوري «الاتحــاد الســوفييت­ي» والصين، في دعــم الثورة في فيتنام، ضد فيتنام الجنوبية، )وقل: «إســرائيل جنوب شرق آسيا») التي هرب السفير الأمريكي من «عاصمتها» سايغون، بهيليكوبتر عسكرية أمريكية.

يا سمو الأمير بندر بن سلطان، لست وحدك من ينقد وينتقد أداء القيادات الفلســطين­ية. هل يفيدك وينفعك معرفــة بعــض «كواليس» العمــل والنضــال الوطني الفلسطيني؟ إذن إليك ما يلي، وهو غيض من فيض، وإن كان ليس من المناسب تثبيته في هذا المقام، واقتطاعه من مذكرات و«ذكريات» قد تجــد طريقها، في يوم لاحق من الأيام:

كنّا في طريقنا الى العاصمة الهندية، نيو دلهي، للقاء الرئيســة الهندية، أنديرا غاندي، بمعيّة، وتحت رئاسة الأخ ابو عمار، وعلى متن طائرة من طراز «غولف ستريم» من ضمن اســطول طائرات المملكة العربية الســعودية المخصصــة للأمير ســعود الفيصــل، وزيــر الخارجية الســعودية في حينه. وفي الطريــق.. على علو 35 الف قدم او يزيد عن ســطح البحر، تذكر ابو عمار كتابة على مؤخرة ســيارة كانت امامنا على الطريق الســريع الى المطار، وتخطيناها، تقول كلماتها: «كيف ترى قيادتي»؟ قلت لـ «ابو عمار »: بصراحة!! «تيرسو» وهي، في اللهجة اللبنانية، تعني تقييما ســلبياً، وهذا مــا أثار ابو عمار،

ودفــع صديقنا المشــترك، ابو طارق، ســليمان الشرفا، سفير فلســطين، في حينها، في ليبيا، إلــى التســاؤل: كيــف تقول ذلــك؟ قلت له: قناعتــي يا أبو عمار ان لك على شــعبنا الفلســطين­ي أن يقيم لك تســعين نصبا تذكاريا، تقديرا وعرفاناً لما قدّمته لشعبنا، وأن ينصبوا لك عشرة أعمدة مشانق، جرّاء إخفاقاتك.

هكذا نحن يا ســمو الأمير.. وعدّدت لــأخ الرمز ابو عمار حسناته، ولم أتجاوز إخفاقاته.

يقــول الأمير بندر فــي حديثه، موضوع هــذا المقال، موجها كلامه للمســؤول الفلســطين­ي، ما معناه «أن لا إيــران تخدمك، ولا تركيا تنفعك» فــي صراعك ونضالك ضد إســرائيل. ذلك صحيح تماماً. لكنهــا جملة ناقصة. ولتصبح جملة صحيحة، يتوجب إكمالها بـ«لا إسرائيل تخدمنا، )كعرب( ولا أمريكا تحمينا.» هذه هي المعادلة الصحيحة الكاملة. على أن كل ذلك لا يعفينا، كفلسطينيين، من أن نسجّل للســعودية، أنها واحــدة من دول عربيــة ثلاث قادرة، ومعها فــي ذلك مصر )جمــال عبد الناصــر( والجزائر )هــواري بومدين( لم تســع ولم تحــاول ان يكون لها «فصيل» فلســطيني، على غرار مــا عانينا، ونعاني منه حتى يومنا هذا، من تشكيل ســوريا والعراق، والأردن )لفترة محــدودة، وعلى اســتحياء( وليبيا، )بفجاجة وعدوانيــة( ولحركة الإخوان المســلمين، مــن فصائل ومنظمات فلسطينية.

لا تناقض بــن الفلســطين­يين وشــعوبنا العربية. تناقضنا محصور بإسرائيل والحركة الصهيونية.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom