Al-Quds Al-Arabi

ردع عصابات الأشرار في الأردن «عملية أمنية - سياسية- قانونية» معقدة بعد جريمة فتى الزرقاء

- عمان- «القدس العربي» من بسام البدارين:

تبدو زيارة سياســية بامتياز وليســت بيروقراطيـ­ـة أو اجتماعية فقط. رئيس الوزراء الأردني الدكتور بشــر الخصاونة، وبتوجيهات ملكية، يزور المستشــفى العســكري الذي اســتقبل الطفل الضحية في جريمة الزرقاء. تلك الجريمــة أقلقت الأردنيين من قمــة هيكل ورأس الدولــة إلى قواعدهم الاجتماعية والشعبية.

والخصاونــ­ة أبلغ الفتى الضحية وعائلته، نيابــة عن القصر الملكي، بأن ذراع القانون لــن تتهاون، وبأن الحكومة ستســهر علــى تطبيق القانون والعدالة وإنصــاف الضحية. ويبدو هنا بأن رئيس الــوزراء يوفر الغطاء السياســي والبيروقرا­طي جدياً لعملية أمنية جذرية وصلبة ســتدخل في بعض المناطق الحساســة قريباً، وبعنوان ردع وإرعاب من يرعبون المجتمع من عصابات الأشــرار المنظمة والتي سبق أن تواطأ الجميع لصالحها في ظل قصور في النظام التشــريعي والتنفيذي. بمعنى آخر، الطفل الضحية الذي حظي برعاية الملك عبد الله الثاني شــخصياً وبعد تقطيع يديه وفقء عينيه من قبل عصابة، مشــكلة من خمسة أشــخاص بدافع الثأر من والده أو عمه،

يصدم المجتمع مرتين.

الصدمة الأولى فيما حصل معه، والثانية فيما كشــفته الجريمة ضده من حضور قــوي في بنية المجتمع لتلك الشــبكات المنظمــة والإجرامية، والتي لاحظ الكاتب السياســي حلمي الأسر علناً بأن بعض الاجتهادات في الماضي كانت تستخدم عناصرها من الزعران والبلطجية ضد الحراك الشعبي.

ونجح الحادث البشــع فــي «تحفيز» أوصال ومفاصــل المجتمع الأردني والنخبة السياســية فيه، فالخبير الاقتصادي والوزير والبرلماني الأســبق الدكتور محمد الحلايقة، يعيد التحذير وعبر «القدس العربي» من تشــابك ظروف معقدة قد يؤدي إلى مؤشــرات لتفكك المجتمــع، وهي محطة -برأيه وتقديره- تستوجب التعمق والتأمل وبدون ملل أو ضجر أو تباطؤ.

في قياســات خبراء عديديــن، من بينهم القاضي أحمــد جمالية، وعالم الاجتماع حســن محادين، المتحدثــن لفضائية المملكة، مثــل هذه الجرائم يعرف الجميــع في البلاد أنهــا حصلت وتحصــل وموجــودة. وبالتالي، مســؤولية الجميع مواجهتها بسبب خطورتها الكبيرة، ليس فقط تحت باب ترويع المجتمع وإرهابه، ولكن أيضاً انطلاقاً من أنها لا تقل خطورة على هيبة الدولة والسلم والاستقرار الأهليين.

ترســل هنا المؤسســة الأردنية بجميع رموزها وأجهزتها رسالة لا تقبل الالتباس، فالملك شــخصياً أشــرف علــى التوجيه للعمليــات الأمنية وأمر

بالقبض على المجرمين وتقديمهم للعدالة وفوراً، وكبار موظفي ومستشاري القصــر الملكي كانــوا يتابعون تفاصيل الطفــل الضحية أولاً بــأول بعدما أصبحت أنباء تلك الجريمة التي هزت وجــدان الرأي العام عابرة للخارطة المحلية.

تلــك أصناف من جرائم الأشــرار في الأردن، وهو تعبيــر قانوني يتيح الانتقــال لأقصــى العقوبات كانت تحصــل، ولو بتفاصيل أقــل، بين الحين والآخر. لكنها تعبر اليوم عن أبشع صور العنف الاجتماعي.

فالمســألة لم تعد تتعلق بجناية بقدر ما تعلقت بضرورة توفير تفســير لتلك الوحشــية، الأمر الذي يقود إلى تفسيرات أكثر إحراجاً وحساسية في ظل وقائع العنف الاجتماعي الذي يصدم الجميع ويضرب بين الحين والآخر، خصوصــاً في ظل وجود أصناف مــن أنماط الثأر والانتقــا­م يخفق النظام القانوني بتفعيلاته في محاصرتها على نحو فردي وفي بعض الأماكن.

المحطة التي يــرى الخبراء ضرورة التوقف عندها قبل أي اعتبار آخر هي تلك المتعلقة بفهم عدم ثقة الأفراد بالنظام القانوني والأمني والانفلات الذي يقود للرد على الجرائم والاعتداءا­ت بصفة شخصية وفردية وخارج النظام القانوني وبصيغة ينتج عنها مثل تلك الخشونة والتصرفات الإجرامية.

خريطة تدحرج واقعة قطع يدي وفقء عيني الطفل الضحية تقدم قرائن وأدلة على ما يمكــن أن يحصل أحياناً، ليس فقط بســبب تعاطي المخدرات

ونشاطها ولكن أيضاً بسبب الإحســاس الجماعي بقصور النظام القانوني فــي المتابعة ورد الحقوق، خصوصاً وأن الأصل فــي النزاعات بكل أصنافها بين أفراد المجتمع يبدأ من المال والاقتصــا­د قبل أي بداية أخرى، ثم يتدحرج الخلاف بين شــخصين ليصبح بين عائلتين أو عشــيرتين، حتى ينتهي الأمر بسلسلة لا تنتهي من المشاحنات ومخالفات القانون. وبكل حال، جريمة فتى الزرقاء هزت أيضاً المستوى القانوني والأمني وليس الاجتماعي فقط.

والبقية ســتأتي على الأرجح بعد تســليط الأضواء علــى ما يجري من نظم غيــر قانونية في إدارة تجارة البســطات، وفي طبيعــة تلك العلاقات الاجتماعية، وأحيانــاً غير الاجتماعية مع مجموعات البلطجة والأشــقيا­ء والأشــرار الذين يرتكبون مخالفات جسيمة يعجز النظام القانوني والأمني أحياناً عن احتوائها ومواجهتها بسبب قصور في التشريعات.

تلك مســائل أصبحت وبقوة على المحك، ليس في سياق المستوى الأمني والقانوني فقط بالأردن، بل أيضاً في ســياق المستوى السياسي هذه المرة، فالمواجهــ­ة -حفاظــاً على ما يتبقى مــن هيبة الدولــة- أصبحت ضرورية ولم تعد تقبل التغافل. والاشــتبا­ك مع ظاهرة تبدأ بعنــف المجتمع وتنتهي بعصابات بلطجية لها علاقة بـ «بزنس صغير» على الهامش خارج القانون أصبح أيضاً محطة وقوف قســرية ليس للحكومة والبرلمــا­ن المقبل فقط بل للدولة العميقة، وتلك التي على السطح بكل تعبيراتها.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom