Al-Quds Al-Arabi

مصادر خاصة لـ«القدس العربي»: أنقرة والقاهرة تباشران خطوات «بناء ثقة» لتحقيق تقدم في المباحثات الثنائية

بعد خطوة مصرية مشابهة... قرار للإعلام التركي بتخفيف حدة الخطاب

- أنقرة ـ «القدس العربي»:

بعد يــوم واحد من تســرب أنباء عن وجــود تعليمات رســمية مصرية لوســائل الإعلام من أجــل تخفيف حدة الخطــاب الهجومي ضــد تركيا، كشــفت مصــادر خاصة لـ«القــدس العربــي» عن تلقــي الإعلام التركي لا ســيما الرسمي منه تعليمات مشــابهة لتخفيف حدة الخطاب مع مصر، في أحدث مؤشــر على وجــود مباحثات بين البلدين يمكن أن ينتج عنها تقارب حقيقــي في العلاقات المتراجعة بقوة منذ سنوات.

مصدر تركي رســمي رفض الكشــف عن اســمه، أكد في تصريحــات خاصــة لـ «القدس العربي » وجــود اتصالات بــن تركيا ومصــر، لافتاً إلــى أن هذه الاتصــالا­ت تجري على مســتوى الاستخبارا­ت وعلى المســتوى الدبلوماسي منخفض التمثيل، مشــيراً إلى أن هذه المباحثات «ما زالت في مرحلة بناء الثقة والقيام بخطوات لتخفيف التوتر ولم تصل بعد إلى مستوى سياسي متقدم يتيح التوصل إلى أي تفاهمات أو اتفاقيات في الملفات العالقة بين البلدين.»

وفي ســياق متصل، علمت «القدس العربي» من مصادر خاصــة أن الإعلام التركي لا ســيما الرســمي منــه، تلقى تعليمات شــفهية بضرورة تخفيف حدة الخطاب الإعلامي ضد النظام المصري خلال الفترة المقبلة، ولفت مصدر إلى أن الإعلام الرســمي الناطق باللغات الأجنبية بدرجة أساسية قد وصلته هذه التعليمات.

والثلاثــا­ء، تناولت وســائل إعلام تركيــة أخباراً عن بعض المصادر التركيــة والعربية تقول إن وســائل إعلام مصرية كبرى تلقت تعليمات شــفهية من الأجهزة السيادية في الدولــة بضرورة تخفيف حدة الهجــوم الإعلامي على تركيا خــال الفترة المقبلة وخاصة ضد الرئيس رجب طيب اردوغان.

ورغــم تأكيد وجود تعليمات متطابقــة من تركيا ومصر لوسائل الإعلام الرســمية لتخفيف حدة الخطاب الإعلامي المتبادل، إلا أن الأمر يحتاج عدة أيام ـ على أقل تقدير ـ حتى يظهر الأمر بشكل واضح في تغطية وسائل الإعلام المختلفة للبلدين، وهو ما قدر يظهر مســتوى الرغبة بين البلدين في تحسين العلاقات.

وبالتزامن مع انتشــار هذه الأنباء، قــال إبراهيم قالن، المتحــدث باســم الرئاســة التركيــة، في لقاء مــع محطة تلفزيونيــ­ة تركية محلية: «مصر دولة مــن الدول المهمة في المنطقــة والعالم العربي، وبالطبــع لا يمكننا تجاهل كيفية وصول السيسي إلى السلطة، والانقلاب الذي حصل هناك، والأناس الذين تعرضوا للقتل، وما حدث في ميدان رابعة، والاعتقالا­ت السياسية لاحقاً، ووفاة مرسي.»

وأضاف قالن: «بالرغم من ذلــك، إذا أظهرت مصر إرادة التحرك بأجندة إيجابية فــي القضايا الإقليمية، فإن تركيا مستعدة للتجاوب مع ذلك» ومضى قائلاً: «في حال تشكلت

أرضية للتحرك معاً في مواضيع ليبيا وفلســطين وشــرق المتوســط وغيرها من القضايا، فإن تركيــا لا يمكنها إلا أن تنظر بإيجابية إلى ذلك وتقدم إسهاماً إيجابياً.»

والشــهر الماضي، ألمح عــدد من المســؤولي­ن الأتراك إلى وجود اتصالات على «المستوى الاستخباري» بين مسؤولين من البلدين، وذلــك على الرغم من الخلافــات الحادة جداً والتراجــع الكبير الذي وصلت إليــه العلاقة بين الجانبين حول ملفات مختلفة، أبرزها الانقلاب العســكري في مصر، ودعم تنظيــم الإخوان المســلمين، والموقف مــن الثورات العربيــة، والتطورات العســكرية الأخيرة فــي ليبيا، إلى جانب الصراع القائم شرق البحر المتوسط.

وفي آب/أغسطس الماضي، قال اردوغان رداً على سؤال حول وجود اتصــالات مع مصــر وإمكانية توقيــع اتفاق لترســيم الحدود البحرية بين البلديــن: «إجراء محادثات اســتخبارا­تية مع مصر أمر مختلف وممكــن، وليس هناك ما يمنع ذلك، لكن اتفاقها مع اليونان أحزننا». وســبق ذلك تصريح وزيــر الخارجية مولود جاوش أوغلو بعدم وجود اتصالات سياســية مع مصر «فقط مباحثات على مســتوى الاســتخبا­رات» وهو ما اعتبــر بمثابة أول تأكيد رســمي بوجود الاتصالات على هذا المستوى.

كما أرســل الوزير رســائل إيجابية بتأكيده أن اليونان وقبــرص الجنوبية و«ليس مصــر» من انتهكــوا الجرف القاري التركي في الاتفاقيات الثنائية التي تم التوقيع عليها

بين الجانبــن. وقال الوزير: «لقد احترمت مصر حقوقنا في هذا الصدد، ومن ثــم لا أريد أن أبخســها حقها بدعوى أن العلاقات السياســية بيننا ليســت جيدة للغاية، وبالتالي فإن إبرام اتفاق مع مصر بهذا الخصوص يقتضي تحســن تلك العلاقات السياسية».

ويعتقد أن الاتصــالا­ت التركية المصريــة الجارية على المستوى الدبلوماسي المتدني ومستوى المخابرات انطلقت عقب تصاعد الأزمة في ليبيا، وذلــك في إطار جهود دولية لمنع صدام كان محتملاً بين القاهرة وأنقرة على خط ســرت الجفرة، إلى جانب الاتصالات حــول إمكانية التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين البلدين.

وترى تركيا أن مصر خســرت مناطق كبيرة من حقوها في شرق المتوسط لصالح اليونان وقبرص الجنوبية وأنها ـ في حال وقعت على اتفاق لترســيم الحــدود البحرية مع تركيا ـ ستســتعيد مناطق شاسعة وسوف توسع مناطقها الاقتصادية الخالصة في البحر، وهي النقطة التي يبدو أن المحاولات التركية تســتند إليها فــي محاولة إقناع القاهرة بالتوقيع على اتفــاق لتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة بين البلدين.

وقبل أيام، نشرت الجريدة الرسمية المصرية نص اتفاق تعيين الحدود البحرية بين القاهرة وأثينا، وكشــفت بعض البنود عمــا اعتبره محللون أنها إشــارات وثغرات تعطي رســائل واضحة بإمكانية تعديل الاتفاق والتوصل لاتفاق آخر مع تركيا، حيث كشــف لأول مــرة وعلى عكس ما روج الإعلام المصــري، أن الاتفاق مع اليونانــي «جزئي وليس كلياً» وأنه «ســيتم اســتكمال التعيين فيما بعد، كما تضمن بنداً يشدد على أن الاتفاق يمكن تعديله مستقبلاً «إذا دخلت إحــدى الدولتين الموقعتــن في مفاوضات مــع دول أخرى تشــترك مع الطرفين في مناطق بحرية» في إشارة واضحة إلى تركيا.

وخلال الســنوات الماضيــة، أظهرت أرقــام عن إجمالي حجــم التبــادل التجاري بــن تركيا ومصــر وصوله إلى مستوى تاريخي غير مسبوق، وذلك على الرغم من تعاظم الخلافات السياسية بين البلدين.

ومنذ تصاعــد الخلافات عــام 2013 قــررت مصر طرد الســفير التركي فــي القاهــرة وخفض مســتوى التمثيل الدبلوماسـ­ـي إلى مســتوى القائم بالأعمال، وهو ما ردت عليه تركيا بخطوة مماثلة، ومنذ ذلك التاريخ لم تحصل أي لقاءات سياسية أو وســاطات لاحتواء الأزمة بين البلدين باستثناء التحسن المتنامي في العلاقات الاقتصادية.

وحتى وقت قريب، كانت تركيا تشــترط بدرجة أساسية حصــول تغيير سياســي حقيقي في مصر يمكــن أن يكون على شــكل مصالحــة وطنية توقــف تهميــش المعارضة ووصفها بالإرهاب، إلى جانب وقف الاعتقالات السياســية والإعدامــ­ات للمعارضــن؛ من أجــل التقارب مــع النظام المصري الحالي.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom