Al-Quds Al-Arabi

بوتين هنا ليبقى

- –

يفتتح «شــاهد بوتين» مــع مقاطع فيديــو منزليّة لعائلــة رئيس الاتحاد الروسي، بوريس يلتسين، وهي تتابع بداية الألفيّة الجديدة، قبل أن يخاطب الرئيس الأمة في رسالة ليلة رأس السنة، ليستقيل بشكل غير متوقع. ويلتقط مانسكي هنا بحساسيّة شاهقة المشاعر الغريزية الخام لعائلة يلتسين القلقة في مواجهة الآتي الغامض.

يســجل الوثائقي لقطــات لكوادر فريــق لحملة بوتــن الانتخابية وهم يحتفلون بفوز رئيسهم بالمنصب، ويستعرض سيرهم الذاتية الفردية، مشيراً إلــى أن عدداً منهم انتقــل لاحقاً إلى مربّع المعارضة السياســية فتم تخفيض رواتبهم أو نفيهم، أو ســجنوا أو توفوا في ظروف مريبــة للغاية، فيما يُقدّم يلتســن كشخصية أخلاقية مأســاوية تورطت في هذه العملية الانتقالية، لا ســيّما وأنّه كان بداية مؤيــداً لخليفته، الذي اختاره من بين 20 اســماً قدمت إليه وقاد الاحتفالات بأنخاب الشــمباني­ا وقــت تم تأكيد انتخابه خلفاً له في رئاســيّات عام 2000، قبل أن يكشّــر الرئيس الجديد عن أنيابه مفتتحاً عهده بعدم قدرة يلتســن الوصول إليه حتى لتهنئته بالفوز ثــم ليطعنه بعد عام بإعادة اعتماد نشــيد الاتحاد السوفيتي السابق نشيداً وطنيّاً لروسيا، وهي لحظة أصابت يلتسين وقتها بالصميم. فيما يدافع بوتين عن قراره ببرود «لماذا يجب أن نربط ذلك النشيد بأسوأ جوانب التاريخ السوفيتي؟» قبل أن يضيف معلقاً «يجب اتخاذ القرارات دائماً لصالح الدولة، بغض النظر عمّا قد تتسبب به من ردود الأفعال» فيما تبوء معظم محاولات مانســكي للضغط على بوتين من زاوية المســائل الأخلاقية والأيديولو­جية بالفشــل فلا يتلقى سوى على إجابات معممة لا تغني من جوع على طراز «الديمقراطي­ة والديمقراط­يات أكثر مرونة وفعالية».

مهما يكن من أمر «شــاهد بوتين» لناحية جرعة الانحياز ضدّ القيصر، فإنّه مع ذلك يبقى عملاً مهماَ في كل المقاييس، ولا شـّـك أنّــه بدبلجته إلى العربيّة وتوفيره على منصّة عالميّة الانتشــار يلبّي حاجة ماسة عند الجمهور العربيّ إلى مواد وثائقيّة عصريّــة حول خلفيّات الأحداث السياســيّة التي تعصف بعالمنا، وكبار اللاعبين فيه.

هناك الكثيــر مما يحدث في هذا الوثائقي - الوثيقة، وبرغم أنه قد يصعب على الجمهور العربي الأقلّ دراية بتفاصيل السياسة الروسية إدراك كل الأمور المطروحة على حقيقتها تماماً إلا أن الصورة الكليّة التي ينحتها مانســكي عن بوتين - بوصفه ميكافيلياً مهووساً بالسلطة - واضحة وضوح الشمس.

كما أن «شــاهد بوتين» تذكير لهذا الجمهور بأنه وبرغم كل السخرية التي يلقي بها الإعــام الغربي جزافاً عــن بوتين، فإن الرّجل يعــرف تماماً كيفيّة التلاعب بمشاعر الجماهير، والتفكير استراتيجيّاً.

لا يطرح «شــهود بوتين» في نهايته تصورات بشأن ما قد يحدث مستقبلاً بناء على الصورة التي رســمها مانســكي عن القيصر الجديــد. لكن الأمر لا يحتاج إلى كثير من إعمال الفكر: بوتين باق هنا، ولن يغادر المنصب طوعاً.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom